استيقظ سامي محمد، مبكرا وعلى عجالة ارتدى ملابسه، وتوجه نحو سيارته من دون أن يتناول فطوره لكسب الوقت، فلديه مهمة لا تقبل التأجيل، وهي الحصول على رخصة للقيادة، وفي أحد شوارع العاصمة بغداد، حيث يسلك الطريق إلى دائرة المرور، استعان بموقع الفيديوهات الشهير “يوتيوب” حيث يقدم رجل مرور عراقي شرحا مصورا للإشارات المرورية التي تعتبر عاملا أساسيا في اجتياز اختبار الحصول على إجازة القيادة.
ويقول محمد (30 عاما)، خلال حديث لـه، إن “الإجراءات لم تكن معقدة أو متشعبة والحصول على الإجازة لا يستغرق أكثر من ساعتين أو ثلاث، كما أن التنقلات داخل الدائرة وبين شبابيك المراجعات ليست بالكثيرة، لكن المشكلة الأساسية هي في الاختبارات”.
ويضيف “اجتزت فحص النظر بنجاح لكنني فشلت في اختبار الإشارات المرورية وحصلت على 5 درجات من أصل 10، لذلك غادرت الدائرة وعدت في اليوم الثاني وحصلت على 7 درجات ونجحت، ثم دخلت اختبار السياقة ونجحت فيه هو الآخر”.
ويتابع “انتظرت لوقت قصير ثم نادوا بأسمي واستملت الإجازة، لكن المفاجأة كانت عند مغادرتي الدائرة فقد سمعت شابا يتحدث إلى أحد أصحاب أكشاك إعداد المعاملات في مدخل الدائرة عن كيفية الحصول على الإجازة من دون الخضوع للاختبارات، وعندما سألت عن الموضوع تبين أن هناك معقبين يستصدرون الإجازات بلا اختبار ولا انتظار مقابل مبلغ 50 ألف دينار فقط”.
ويعرب محمد عن صدمته باكتشاف هذا “جميعنا نعرف أن هناك المئات وربما الآلاف في العراق يقودون سياراتهم ولم يحصلوا على إجازة قيادة والكثير منهم لم يدخلوا حتى في دورات تعلم القيادة، أنا كنت أحدهم، لكن عندما يكون التهاون من قبل الدائرة المعنية نفسها والأمر يتم بمبلغ مالي زهيد فهذا مؤشر خطير”.
وكان الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط قد كشف العام الماضي عن تسجيل 11 ألفا و523 حادثا مروريا خلال العام 2022 في عموم العراق باستثناء إقليم كردستان، أسفرت عن 3079 حالة وفاة، و8444 حادثا غير مميت، مقابل 10 آلاف و659 حادثا في العام 2021.
من جانبها، تؤكد (ن. ك) (22 عاما)، خلال حديث له، أنها حصلت على الإجازة خلال نصف ساعة ومن دون اختبار “بعد مرور فترة من التدريب على السياقة في إحدى شركات تعليم السياقة النسائية قررت الحصول على إجازة لاتنقل في بغداد دون خوف من مفارز المرور المنتشرة في الطرقات التي تحاسب على الإجازة ويتم في أحيان كثيرة حجز السيارة”.
وتبين “لدي ضابط مرور من أقاربي وعند وصولي إلى الدائرة سهل لي الأمر كثيرا بحيث لم يستغرق الموضوع سوى نصف ساعة أو أقل حيث دفعت المبلغ المطلوب كرسوم ولم اخضع للاختبار وحصلت على الإجازة”.
وتشير إلى أن “دائرة المرور لا تختلف كثيرا عن دوائر الدولة الأخرى حيث في حال لديك واسطة ستسير أمورك بسهولة دون بذل أي مجهود وبوقت قصير، وأحيانا تكون الرشوة بديلا عن الواسطة”.
ولا يمر يوم من دون تسجيل العشرات من الحوادث المرورية في العاصمة بغداد وباقي المحافظات، الأمر الذي يثير تساؤلات الكثير عن سبب ارتفاع نسبة الحوادث دون توقف، وهو ما يعزوه مراقبون إلى سوء تخطيط الشوارع بالإضافة إلى عدم الالتزام بالإرشادات المرورية من قبل السائق بالإضافة إلى السرعة العالية مما يجعل أرواح المواطنين في خطر مستمر.
وبهذا الصدد، يشدد الباحث الاجتماعي أحمد الذهبي، خلال حديث لـه، على أن “ظاهرة الرشوة انتشرت في جميع مفاصل الحياة، ولكن عندما تؤخذ الرشوة من أجل الاستحصال على رخصة القيادة والتي تعتبر جزءا مهما من أمن المجتمع فهنا يجب أن يدرس الموضوع وتوضع له معالجات بصورة آنية”.
ويردف “الشخص الذي يحصل على رخصة القيادة من خلال دفع مبلغ مالي أو عبر واسطة سيعرض حياة الناس في الشوارع إلى الخطر وقد يتسبب بحوادث تؤدي للوفاة أو الشلل وغيرها من الإصابات، وبرأيي أن من يمنح إجازات القيادة بالواسطة أو بالرشوة فهو كما يشارك الإرهابيين بقتل الأرواح”.
ويتابع الذهبي، أن “اللوم أيضا يقع على المواطن الذي يكون هو شريك بالفساد ويستحصل على رخصة قيادة من غير مؤهلات وإنما عن طريق مبلغ مالي فقط يمكنه من الحصول على الرخصة دون خضوعه للاختبار وامتلاكه للمؤهلات التي تسمح له للقيادة بطريقة آمنة على حياته وحياة الآخرين”.
وكانت هيئة النزاهة قد كشفت في 13 تشرين الثاني نوفمبر 2021، عن نتائج تحليل استبيان أجرته لقياس مدركات الرشوة في دوائر مديرية المرور العامة، مبينة أن دائرة مرور التاجيات سجلت أعلى نسبة تعاطي للرشوة في دوائر مرور بغداد بلغت 14.21 بالمئة، تلتها الحسينية بنسبة 12.84 بالمئة، ثم الغزالية 12.55 بالمئة، أما أقل نسبة فقد سجلت في دائرة مرورالطوبچي وبلغت 9.33 بالمئة، وسجلت مديرية مرور نينوى أعلى نسبة بتعاطي الرشوة بين المحافظات بنسبة 39.75 بالمئة، تليها الأنبار بـ25.40 بالمئة، ثم البصرة بـ20.40 بالمئة، في حين كانت محافظة واسط الأقل بلغت 1.40 بالمئة، ثم كل من النجف وكربلاء بـ1.90 بالمئة، و3.20 بالمئة على التوالي.
وبشأن منح رخصة القيادة مقابل مبالغ مالية، ينفي المتحدث باسم وزارة الداخلية وخلية الإعلام الأمني العميد مقداد ميري، خلال حديث لـه، وجود هكذا حالات في دوائر مديريات المرور العامة.
ويعتبر أن “الأنباء المتداولة عن وجود أشخاص يقومون بمنح رخصة القيادة مقابل مبلغ 50 ألف دينار غير صحيحة وننفيها جملة وتفصيلا”.
وتمنح إجازة السوق لمن أكمل 18 عاما، بشرط أن تؤيد لجنة طبية متخصصة تعينها وزارة الصحة لياقته الصحية، وأن يجتاز الاختبار الفني في قيادة المركبة وقوانين المرور وفق نوع الإجازة التي يروم الحصول عليها، ويجب أن لا يكون قد صدر حكم قضائي بمنعه من قيادة المركبة وفقا للقسم 3 من قانون المرور العراقي رقم 86 لسنة 2004، على أن يدفع طالب الإجازة عشرة آلاف دينار عراقي كرسوم، وفقا للمادة 19 من الملحق (أ) التابع للقانون نفسه.
وينص قانون المرور العراقي رقم 86 لسنة 2004 المعدل في القسم 21 منه على أن السائق غير الحائز على إجازة سوق “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر واحد ولا تزيد على ستة أشهر كل من قاد مركبة بدون إجازة سوق”.