زادت تغريدة المرشد الإيراني، علي خامنئي، الاثنين، بشأن ترحيبه بتحسين العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران، من التكهنات عن تطور في الأفق بعلاقات البلدين، وذلك في أعقاب زيارة سلطان عمان لهما وبالتزامن مع "أجواء التقارب" في المنطقة.
وكتب خامنئي على حسابه بموقع تويتر: "نرحب برغبة مصر في استئناف العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ولا مشكلة لدينا في هذا الصدد".
لكن مصر لم تصدر أي بيانات رسمية بشأن مثل هذه المساعي، في ظل علاقات متوترة على مدار العقود الماضية بين القاهرة وطهران، وبالتحديد منذ آخر سنوات حكم الرئيس المصري الراحل أنور السادات.
وتأتي تصريحات المرشد الإيراني في ظل حركة تقاربات في المنطقة، أبرزها اتفاق برعاية بكين بين السعودية وإيران على استئناف العلاقات الدبلوماسية، بجانب عودة سوريا لجامعة الدول العربية، وتحركات من أجل تقارب بين تركيا مع مصر، ومع النظام السوري أيضًا.
وليس بغريب أن تلعب سلطنة عُمان دور الوساطة، وهي التي طالما أدت هذا الدور وآخر مشاهده صفقة تبادل سجناء بين طهران وبروكسل، وأيضًا خلال المفاوضات النووية بين إيران وست دول غربية كبرى.
وفي بيان للرئاسة الإيرانية، نقلته رويترز، فإن سلطان عمان، هيثم بن طارق، التقى الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، وأكد الأخيرأن "طهران ومسقط لديهما وجهات نظر مشتركة حول التعاون الإقليمي وتعزيز الأمن والاستقرار والسلام والازدهار لدول المنطقة".
شروط مصر
ويقول المحلل السياسي المختص في الشؤون الإيرانية، محمد عباس ناجي، إن كل التصريحات بشأن تطوير العلاقات مع مصر وتحسينها تصدر فقط من الجانب الإيراني، ومصر لم تصدر بيانات رسمية بها الشأن.
واعتبر ناجي"، أن تغريدة خامنئي "محاولة لاستغلال التطورات في المنطقة مثل استئناف العلاقات الدبلوماسية مع السعودية، وعودة سوريا لجامعة الدول العربية، مما يفسر سبب التصريحات الإيرانية المتكررة بشأن ذلك الأمر".
كما أشار إلى أنه يبدو أن عمان تتحرك لتحسين العلاقات، و"أي جهد لن ينجح إلا في حالة واحدة فقط، هي وضع النقاط على الحروف، وفيما يخص مطالب معينة من مصر يجب على إيران فعلها قبل الدخول في حديث جاد".
وأوضح أن أبرز تلك النقاط هو عدم تدخل طهران في الشؤون الداخلية لمصر بجانب موقفها في ملفات مثل القضية الفلسطينية.
يرى اليامي أنه مع كمية المصالحات في المنطقة، وبجانب علاقات مصر الجيدة مع دول تربطها علاقات قوية بإيران مثل سوريا وعُمان "أعتقد أن العلاقات مرشحة للتطور.. وأقل ما يحدث هو أنها لن تكون متوترة وحادة مثلما كانت".
ولفت إلى أن طهران تريد علاقات متوازنة مع القاهرة "لإثبات أنه لا أعداء لهم في المنطقة، وذلك بعد إنهاء الاتفاق مع السعودية".
واعتبر أن علاقات قوية مع مصر سوف تؤثر بالطبع على علاقة طهران مع أطراف أخرى في المنطقة.
فيما أشار ناجي، إلى أن "التحولات الجديدة في المنطقة وما فيها من أجواء إيجابية مثل اتفاق بكين ستمثل محور اختبار لإيران وخصوصا في الملف اليمني، فهل تلتزم إيران وتغير سلوكها؟ أعتقد أن السعودية المهم لديها هو ما ستفعله إيران وليس ما تقوله".
وأضاف كذلك أن مصر "طالما أكدت على أنها مع أي جهد لتحقيق الاستقرار في المنطقة، ومثل هذا التقارب لو حدث يمكن أن يؤدي دورا في سبيل دعم الاستقرار والوصول لتسويات في اليمن، ودعم الحفاظ على استقرار في الأراضي الفلسطينية. ولو حدث ذلك سيكون أمرا إيجابيا في المقاربة التي تتمناها".
عقود من التوترات
وكانت مصر أعلنت في نهاية مارس الماضي، أنها ستسمح للإيرانيين الوافدين ضمن مجموعات سياحية بالحصول على تأشيرات عند الوصول، ولكن إلى جنوب سيناء (البعيدة عن القاهرة والمدن الأخرى المكتظة بالسكان) فقط، في خطوة تمهيدية لبحث إمكانية السماح لهم بزيارة أماكن أخرى في البلاد.
ونقلت رويترز، عن وزير السياحة المصري أحمد عيسى، قوله إنه سيتم تقييم تجربة دخول السياح الإيرانيين إلى جنوب سيناء، التي تضم مدنًا سياحية مثل شرم الشيخ ودهب، مضيفًا "بناء عليها سنحدد إن كان سيُسمح لهم بأماكن أخرى أم لا".
على مدار عقود كانت التوترات هي السمة الغالبة للعلاقات بين مصر وإيران، فمع ثورة يوليو 1952 في مصر، سادت علاقة شديدة التوتر بين شاه إيران محمد رضا بهلوي، الذي كان يمتلك علاقة نسب مع الأسرة المالكة في مصر.
كما كانت علاقة النظام الحاكم في إيران آنذاك قوية بالولايات المتحدة الأميركية، وهو ما سبب شقاقًا كبيرًا في العلاقة مع مصر جمال عبد الناصر على خلفية الصراعات بالمنطقة.
وبعد رحيل عبد الناصر عام 1970، تقلصت التوترات مع وصول السادات إلى الحكم وتوجهه إلى المعسكر الغربي، والبدء في التعاون مع الشاه.
لكن، ومع إطاحة ثورة الخميني بشاه إيران عام 1979 ولجوء الأخير إلى مصر، توترت العلاقات بشدة بين القاهرة والنظام الجديد في طهران، لدرجة تسمية شارع في إيران باسم خالد الإسلامبولي، أبرز منفذي اغتيال السادات في أكتوبر 1981.
وفي عهد الرئيس حسني مبارك، بدأت العلاقات في التحرك نسبيا إلى الأمام، ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، لكن الأمر لم يصل أبدا إلى الاستئناف الكامل حتى الآن.
ومع وصول الإخوان المسلمون إلى الحكم في مصر في أعقاب ثورة يناير 2011، بدا أن طهران والقاهرة في طريقهما إلى نسج علاقات دافئة أخيرا، خصوصا بعد زيارة الرئيس الأسبق محمد مرسي إلى طهران عام 2013 لحضور القمة الإسلامية.
كما زار الرئيس الإيراني الأسبق، أحمد نجاد، مصر وتفقد مسجد الحسين في العاصمة المصرية القاهرة، وهو أحد أبرز المزارات التي يقصدها الشيعة في مصر، وواجهت زيارته انتقادات قوية آنذاك من معارضي الإخوان.
لكن سرعان ما انتهت توقعات التقارب الشديد بسقوط نظام الإخوان، ليعود الحذر مرة أخرى إلى العلاقات.
تقارب في المنطقة
وجاءت زيارة سلطان عمان إلى طهران، بعد زيارة الأسبوع الماضي إلى القاهرة، حيث التقى بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وعملت إيران مؤخرًا على تعزيز علاقاتها مع عواصم خليجية مثل الإمارات والكويت، بعد فتور خلال السنوات الأخيرة، بحسب رويترز، التي أشارت إلى أن زيارة سلطان عمان تأتي في ظل تقارير عن تواصل بين طهران والقاهرة قد يفضي لرفع التمثيل الدبلوماسي بينهما.