30 Oct
30Oct

بعد نحو عام من زواجها، كانت غادة قصي (27 عاما) تغمرها السعادة بعد حملها بطفلها الأول، لكنها لم تكن على دراية بأنها ستواجه مصاعب عدة مع المولود الجديد، نتيجة زواجها من أبن عمها.

ولدت غادة طفلها، لكن كف يده كان فيه ستة أصابع، وحسب التشخيص الطبي فأنه مصاب بمتلازمة تدعى "باردت بيدل"، التي تؤدي لتغير الجينات بسبب استمرار زواج الأقارب لأكثر من جيل.

وتقول قصي، وهي مقيمة حاليا في هولندا، خلال حديثها، إن "فحوصات كثيرة أجريتها أنا وزوجي قبل عقد القرآن، ولم تظهر النتائج أي خطر يهدد الأبناء، لكن الأطباء في هولندا أخبرونا، بأن الفحوصات التي أجريت في العراق غير كافية".

وتبين "كان يجب أن نخضع لتحاليل سلامة الكروسومات في الدم"، مبينة أن "المتلازمة التي أصيب بها الطفل لا يمكن علاجها، كما أنها فيها آثار أخرى مثل ضعف البصر والسمنة وقصور الغدد التناسلية وتشوهات كلوية وصعوبات التعلم".

ويعد العراق من الدول ذات النسب المرتفعة بزواج الأقارب، بسبب التقاليد والأعراف السائدة فيه، والتي تشمل الحضر والريف على حد سواء، ورغم تزايد حالات الولادات المشوهة والإعاقة، والتحذيرات التي تطلق من المتخصصين، إلا أن هذا الزواج لم يتوقف.

يذكر أن العراق، فرض قضية إجراء تحاليل مختبرية قبل الزواج منذ أكثر من عقد، لكن هذا ما يطلب عند عقد القرآن الرسمي، أي في المحاكم، إلا أن ظاهرة انتشار الزواج خارج المحكمة في تزايد، وخاصة خلال السنوات الماضية، ويكون تصديق الزواج بعد أشهر من الزواج الفعلي.

ولعل ما عانته غادة، يعد بسيطا أمام ما تعرض له صبيح محمد (34 عاما) الذي تزوج فتاة من أقاربه وأنجبت له فتاة وصبي.

أطفال محمد، كانوا أشبه بالنكبة له، إذ ولدوا معاقين، وقد توفيت الفتاة سريعا، وبقي شقيقها على قيد الحياة لكن دون حركة، كما يروي محمد.

ويؤكد "أصبت باكتئاب حاد وعزلة، وقد أخبرني الأطباء الطفل لن يتمكن من الحركة مطلقا مهما يبلغ من العمر"، مستطردا "لم نتوقف، بل حاولنا الأنجاب مرة أخرى، وقد ولدت طفلة وكانت سليمة، لله الحمد الذي أبدل حزننا بالبهجة".

يشار إلى أن العراق يفتقر حتى حاليا، لأي حراك وندوات بشأن تأُير زواج الأقارب ومحاولة تقليله، سواء عبر توجيهات رسمية أو تطوير الفحوصات الخاصة به.

يذكر أن مجلس القضاء الأعلى، وبحسب بيان العام الماضي، أكد على أن الحد من انتشار ظاهرة الطلاق يحتاج إلى جهد كبير وتعاون من جميع الجهات المسؤولة إلى جانب دور التشريعات، ولاسيما أن القانون العراقي لا يجرم الطلاق خارج المحكمة، لكن تجريمه خارج المحكمة هو أحد الحلول المساهمة في الحد أو إغلاق عدد كبير من حالات الطلاق، بالإضافة إلى تشريع قانون يمنع زواج القاصرين خارج المحكمة وتغريم من يقوم بهذا الفعل ومعاقبته.

إلى ذلك، تبين الطبيبة المختصة بالأمراض النسائية والعقم رسل محمد العزاوي، خلال حديث لـه أن "زواج الأقارب ينتج الكثير من الأمراض، حيث يكون الضرر الأكبر للجينات، بالتالي تنتقل للأطفال، ومن أبرز الأمراض هي الثلاسيميا والسكري وتشوهات القلب والفقرات والأعصاب وضمور الدماغ والسرطان، وغالبا ما يتوفى الطفل المصاب بأحد هذه الأمراض بعد ولادته".

وتتابع أن "الفحوصات البروتوكولية التي تجرى عادة للرجل والمرأة قبل الزواج كتحديد زمر الدم، لا تكفي للتأكد من سلامة الجينات، فهذه الفحوصات لا تقدم صورة دقيقة عن مدى تطابق الأنسجة بين الجنسين، لذلك فمن الأفضل عمل فحوصات تبين نسبة توافق الكروسومات لإظهار الجينات والأمراض المتوطنة فيها، ومن ضمنها الأمراض الوراثية".

وتلفت إلى أنه "يجب إجراء دراسة شاملة للأمراض الوراثية في كل جين، وهو ما يتطلب جهداً ووقتاً فضلاً عن كون هكذا فحوصات مكلفة ماديا".

وكانت دراسة نشرتها مجلة التلوث البيئي والسُمّي في العام 2012 أشارت إلى أن نسبة التشهوات الخَلقية في العراق ازدادت من 23 حالة من كل 1000 ولادة حية عام 2003 إلى 48 حالة عام 2009، وهي آخر إحصائية بهذا الشأن صدرت لغاية الآن.

وبالتوجه لوزارة الصحة، فقد اكتفت عضو الفريق الإعلامي في الوزارة ربى فلاح، خلال حديثها بتصريح مقتضب، أكدت "هناك حملات توعية مستمرة لعلاج هذه المسألة، وتوجد فحوصات مختبرية يجريها المقبلين على الزواج".

يشار إلى أن عالم الأنثروبولوجي في جامعة هارفارد جوزيف هنريتش، قال سابقا، إن الغرب تقدّم وهيمن على العالم ليس بسبب جينات أبنائه أو لون بشرتهم ولا نتيجة الدين أو المذهب البروتستانتي بل نتيجة تجنّب زواج الأقارب، فالكنيسة الرومانية التي شنت حملة متواصلة منذ القرن السابع الميلادي لمحاربة زواج الأقارب القريبين والبعيدين قد أدّت إلى تغيير التنظيم الداخلي للمجتمعات الأوروبية وأنهت بنيتها القبلية.

كما بين الكاتب البريطاني جيمس كرابتري، أنه بعد أن كانت الأسرة الكبيرة أو العشيرة عماد المجتمعات الغربية أصبحت العائلة المصغّرة المكونة من الوالدين والأبناء هي الأساس، وبدأ الناس يشكلون تجمعات حسب المصالح والمعتقدات المشتركة بدل القرابة مما أدى لولادة المجتمعات الحديثة.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة