تأتي زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى بغداد، لدرء أية مخاطر كبرى محتملة قد تجر بلاده والمنطقة إلى حرب شاملة، وفق مراقبين، مؤكدين أن الزيارة تحمل ملفات عدة بينها “تهدئة” الفصائل المسلحة العراقية، ومنعها من دخول الحرب، بعيدا عن القرار الحكومي العراقي، وإيصال رسائل لواشنطن عن طريق بغداد، بهدف تجنب ضربة إسرائيلة “كبيرة” أو التخفيف من “حدتها”.
ويقول المحلل السياسي مجاشع التميمي، خلال حديث”، إن “الأوقات التي تمر بها المنطقة حاليا تشبه أيام احتلال صدام حسين، إلى الكويت، وهذه الحرب لا يمكن أن تمر دون أن تكون هناك متغيرات على الساحة السياسية، وربما ستكون الجمهورية الإسلامية هي الأكثر تأثرا بما يحصل بعد انتهاء الحرب في لبنان وغزة”.
ويضيف التميمي، أن “الإيرانيين وأطراف محور المقاومة قرأوا الأوضاع بشكل جيد، وبالتالي فإنهم يبذلون جهودا كبيرة لتجنيب بلادهم الكثير من الأزمات، لأنهم يعلمون جيدا أن ضرب حزب الله وغزة المقصود منها ضرب إيران وتقطيع أجنحتها في المنطقة، لذلك تحاول إيران استباق كل هذه الأزمات”.
ومن المفترض أن يصل اليوم الأحد، وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى العاصمة بغداد، ويلتقي وزير الخارجية العراقي ورئيس مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية.
ويؤكد أن “ايران الدولة تختلف عن إيران الثورة، والرئيس الإيراني ووزير خارجيته يحاولان قدر المستطاع معالجة الأزمة سياسية وتجنب إيران أي تبعات مستقبلية، ويبدو أن هذه الجهود مدعومة من قبل المرشد الأعلى الخامنئي لتسوية الأزمة، لأن إيران لديها استقراء عقلاني لتطورات المشهد في المنطقة، ولذلك أعتقد أن زيارة وزير الخارجية تمثل محاولة لتهدئة الأوضاع وتقريبا لوجهات النظر بين الفصائل العراقية الراغبة بدخول هذه الحرب وبين الحكومة العراقية، التي تمثل الدولة لحل الإشكاليات سياسيا وعدم إحراج رئيس الوزراء من خلال استهداف المصالح الأمريكية أو ضرب إسرائيل عبر العراق”.
ويتابع أن “وزير الخارجية الإيراني اختاره الرئيس الإيراني مسعود بزيشكيان وفرضه على مجلس النواب الإيراني، إضافة إلى محمد جواد ظريف نائب الرئيس، وهما يمثلان الخط المعتدل والدولة الإيرانية وهما بعكس الحرس الثوري وخط الثورة في إيران”، مؤكدا أن “زيارة وزير الخارجية الإيراني للعراق يراد منها التهدئة والتوصل إلى حلول لوقف إطلاق النار ووقف الخسائر التي لحقت بمحور المقاومة بعد استشهاد قيادات كبيرة ومهمة وفي مقدمتها حسن نصر الله”.
ومنذ أشهر، تشن فصائل عراقية هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل إسنادا للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، لكن التصعيد بدأ يشتد منذ دخول حزب الله اللبناني في القصف المتبادل مع إسرائيل حتى بلغ التصعيد ذروته باغتيال أمين عام الحزب اللبناني حسن نصر الله، إثر غارة إسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت الأسبوع الماضي.
وعقب هجوم إيراني بمئات الصواريخ على إسرائيل ردا على اغتيال نصر الله، هددت “المقاومة العراقية”، باستهداف القواعد الأمريكية في حال تدخلت أمريكا ضد إيران أو استخدم “العدو الصهيوني” أجواء العراق لقصفها.
وتهدد إسرائيل بتوجيه ضربة لإيران، وما زالت تبحث طبيعة الأهداف التي ستشملها الضربة، وهذا كان محور اتصال هاتفي بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي جو بايدن، قبل يومين.
من جهته، يبين المحلل السياسي المقيم في واشنطن نزار حيدر، خلال حديث ، أن “العراق بالنسبة إلى إيران، أحد سعاة البريد الذين تعتمد عليهم في نقل الرسائل إلى الولايات المتحدة الأمريكية بشكل أمين ودقيق، لما له من علاقات حسنة مع واشنطن والتي عبر عنها السوداني في بيانه الأخير في ذكرى 7 أكتوبر (تشرين الأول) عندما وصف الرئيس بايدن بالصديق، وفي هذا الظرف العصيب والخطير”.
ويلفت حيدر، إلى أن “الوفد الإيراني برئاسة وزير الخارجية عباس عراقجي الذي زار عدة عواصم في المنطقة ومنها بغداد، يحمل نوعين من الرسائل، الاولى فيما يخص الحرب الصهيونية على لبنان على وجه التحديد، إذ يسعى الوفد لانقاذ ما يمكن انقاذه من هذا البلد الذي تعرض إلى دمار عظيم جدا، فضلا عما تعرض له الحليف الأكبر والأهم لبلاده، واقصد به حزب الله وجمهوره سواء في بيروت أو في الجنوب”.
ويستطرد أنه “لقد انطلقت رسالة طهران على لسان المرشد الإيراني الذي ألمح في خطبة صلاة الجمعة، إلى أن بلاده ارجأت مشروعها الاستراتيجي القاضي بتحرير القدس من جهة، والتفويض الواضح والصريح لرئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري للانطلاق بالمفاوضات مع القوى الدولية والإقليمية بالنيابة عن المكون الذي يمثله، وأقصد به شيعة لبنان”.
وينوه بالقول “أما الرسالة الثانية فتخص تهديدات تل أبيب بضرب طهران، ردا على الهجوم الإيراني الأخير ضد الكيان الصهيوني، كما تصفه الأخيرة، ومفاد هذه الرسالة الإيرانية هي: لو عدتم عدنا، أي أنه على الرغم من معرفة طهران جيدا بأن إسرائيل ستضربها عاجلا أم آجلا، لذا فان الرسالة تقول: إذا ضربتم فلا توجعوا”.
ويؤكد أن “طهران تنطلق بهذه الرسالة من رغبتها الأكيدة بعدم الانجرار إلى حرب شاملة مع الكيان الصهيوني حفاظا على مكتسباتها التي حققتها طوال العقدين الاخيرين على وجه التحديد، وكذلك حفاظا على حلفائها في المنطقة والذين تضرروا كثيرا خلال العام الذي مضى”.ويختم المحلل السياسي المقيم في واشنطن قوله، إن “مصادر خاصة وعليمة ذكرت أن طهران قدمت لبغداد ثمنا لتقدمه إلى واشنطن وربما إلى تل أبيب، مفاده أنها قد تمارس نفوذها لدى الفصائل المسلحة في العراق لإيقاف نشاطها المسلح الحالي، إذا ما تلقت جوابا ايجابيا مطمئنا بهذا الخصوص”.
ونقلت وسائل إعلام عن مسؤول بارز في مكتب السوداني، اليوم السبت، أن الحكومة العراقية “تتحرك وبسرعة عالية بهدف تفادي تداعيات الحرب وإبعاد البلاد عن تبعاتها الخطيرة”، لافتة إلى أن هذه الجهود تتضمن الحديث مع حلفاء العراق الغربيين المؤثرين في الأحداث، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، بهدف إقناعهم بموقف العراق البعيد عن الحرب، وتاليا قيامهم بالضغط على إسرائيل في حال فكرت باستهداف العراق.إلى ذلك، يبين أستاذ العلوم السياسية خالد العرداوي، خلال حديث”، أن “زيارة وزير الخارجية الإيراني لبغداد في هذا التوقيت لا تخرج عن سلسلة زياراته لعواصم المنطقة الاخرى، فهي تشير إلى تخوف طهران من تداعيات الضربة الإسرائيلية المتوقعة ومحاولتها حشد دول المنطقة خلف رؤيتها السياسية”.
ويشير العرداوي، إلى أن “إيران تشعر بجدية التهديد الإسرائيلي وهي غير متيقنة من سقف الأهداف التي يمكن لتل أبيب ضربها وما قد يجره ذلك من احتمال مواجهة مباشرة بين الطرفين قد تطلب تورط دول المنطقة الأخرى فيها بشكل أو بآخر”.ويكمل حديثه بالقول: “ناهيك عن خصوصية العراق، كونه يضم عددا من الفصائل المسلحة القريبة منها، والتي تتصرف احيانا بعيدا عن رؤية وقرار الحكومة في بغداد، وهي ترغب في عدم توسع الفجوة بينهما بسبب ظروف الصراع الإقليمي القائم”.
وكان القيادي في كتائب سيد الشهداء عباس الزيدي، أبلغ ، مؤخرا، أن “فصائل المقاومة في العراق لن تبقى مكتوفة الأيدي في حال دخلت إيران في حرب مباشرة أو غير مباشرة مع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، فالفصائل ستكون جزءا من هذه الحرب بما لا يقبل الشك”.