حل وزير خارجية تركيا أمس الثلاثاء، ضيفا على العاصمة العراقية بغداد، في زيارة رسمية تهدف لمناقشة ملفات عدة، بينها المياه والطاقة وتواجد عناصر حزب العمال الكردستاني، تمهيدا لزيارة أردوغان المرتقبة، وفيما رأى مراقب أن السياسة التركية شهدت تحولا إيجابيا تجاه العراق، لا سيما مع مساعي الحكومة بإنشاء طريق التنمية الذي يربط الخليج العربي بأوروبا، قلل آخر من أهمية الزيارة، واعتبرها بروتوكولية.
ويقول المحلل السياسي، علي البيدر، في حديث لـه، إن "رؤية تركيا للعراق بدأت تختلف خلال هذه المرحلة، فقد كانت تتعامل سابقا بتعالٍ مع العراق، غير أنها اليوم تتعامل معه ببراغماتية، نظرا لمكانته وحضوره وصلابة الأرضية التي تقف عليها المنظومة السياسية والحكومية".
ويوضح البيدر، أن "العراق بدأ يأخذ دوره محوريا ومكانته أخذت بالتصاعد بعد الاستقرار الداخلي وهذا أمر جيد للعراق كدولة".
وأجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، مساء أمس الثلاثاء، مباحثات مع نظيره العراقي، فؤاد حسين، في بغداد، حول ملفات عدة أبرزها المياه والطاقة والتعاون الأمني، خلال زيارة رسمية تستمر حتى يوم غد الخميس.
ومن المقرر أن يلتقي فيدان، رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ورئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي.
ويرى البيدر، أن "الزيارة ستنتج عنها العديد من الثمار القريبة، بما في ذلك زيادة حصة العراق المائية"، لافتا إلى أن "المرحلة الحالية والمقبلة ستشهد علاقات استراتيجية بين العراق وتركيا، وهي لن تتوقف عند حدود تصدير النفط عبر ميناء جيهان التركي واستيراد البضائع".
ويضيف، أن "طريق التنمية الذي يشرع العراق بتنفيذه سيكون مكسبا لتركيا والدول الإقليمية، وسيغير من خارطة الاقتصاد العالمية، ويكون حلقة وصل دولية جديدة، وهذا الطريق سوف يحتاج إلى مد جسور التواصل ليس على المستوى الدبلوماسي فقط، بل يتعداه إلى جميع القطاعات التي تعزز العلاقة بين البلدين بعد أن مرت بمراحل من الانعطافات والتعرجات".
وعقد فيدان مؤتمرا صحفيا مع نظيره العراقي، حيث تطرق الجانبان إلى العمل على "أعلى المستويات لحل المشاكل العالقة بين البلدين".
وعبر وزير الخارجية التركي، عن "دعم أنقرة لإنشاء مشروع طريق التنمية" الذي تسعى حكومة السوداني للبدء به، وهو عبارة عن طريق بري يربط شمال الخليج العربي بأوروبا عبر العراق وتركيا، مبينا، أن "هذا المشروع سيجلب الازدهار للعراق والمنطقة ويحول العراق إلى مركز للنقل بالمنطقة".
وتحدث حول موضوع "مكافحة الإرهاب"، وما يتعلق بحزب العمال الكردستاني الذي يحظى بقواعد خلفية في شمال العراق، مطالباًً بغداد بـ"الاعتراف به كمنظمة إرهابية".
ولفت إلى أن "حجم التجارة بين العراق وتركيا وصل إلى 25 مليار دولار وهو يتخلف عن الإمكانيات الحقيقية".
وأكد أن "الحكومة التركية تتابع عن كثب نقص المياه في العراق، وأنها تتعامل مع القضية من وجهة نظر إنسانية"، مؤكداً "التوصل خلال المباحثات إلى تشكيل لجنة مشتركة دائمة بشأن المياه".
من جانبه، أشار وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، خلال المؤتمر، إلى "عقد اجتماع عملي ومهم مع وزير الخارجية التركي، حول ملف المياه، وحصول العراق على حصة عادلة من المياه"، مؤكداً أن "الجفاف يهدد الاقتصاد العراقي والزراعة".
وتابع أن "اللقاء تناول ملف التواجد العسكري التركي في العراق"، منوهاً إلى أن "الدستور العراقي لا يسمح لأي منظمة باستخدام العراق منطلقا للهجوم على دول الجوار".
وأردف أن "الاجتماع ناقش أيضا تسهيل منح العراقيين سمات الدخول إلى تركيا، حيث إن هنالك حوالي 700 ألف عراقي يعيشون في تركيا".
وتابع، أن "الاجتماع تطرق لضرورة عقد اجتماع للجنة الاقتصادية والتجارية المشتركة، وناقش أيضا ضرورة تسريع الاتفاق على مذكرات التفاهم وإدخالها للعمل".
وأضاف حسين "تطرقنا إلى مسألة النفط من خلال الأنبوب الممتد من كردستان العراق إلى (ميناء) جيهان، ونتمنى حلا لهذه المشكلة".
ويرتبط العراق مع تركيا بملفات كثيرة، تشمل كافة المجالات، ولعل أهمها ملف المياه، حيث قلّلت تركيا الإطلاقات المائية للعراق بشكل كبير، وبلغت نسبة ما يرده 30 بالمئة فقط من استحقاقه الأساسي، وذلك عبر بنائها السدود على نهري دجلة والفرات، لتوليد الطاقة الكهربائية.
ولا توجد اتفاقية مياه بين العراق وتركيا، وإنما هناك بروتوكولات تم توقيعها بين الجانبين على مر العقود الماضية تتعلق بحصص المياه العابرة إلى الأراضي العراقية.
والملف البارز الآخر، هو الأمني، المتمثل بتنفيذ أنقرة عمليات عسكرية واسعة عبر الطيران والتوغل البري، في إقليم كردستان، بهدف ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه أنقرة على أنه إرهابي.
ومنذ مطلع العام 2021، صعدت تركيا من عملياتها في العراق بشكل كبير، ونفذت العديد من عمليات الإنزال الجوي، فضلا عن إنشاء نقاط أمنية بعد دخول قواتها البرية لمناطق مختلفة من دهوك ونينوى، إضافة إلى إعلانها عن إنشاء قاعدة عسكرية جديدة في الأراضي العراقية، وذلك بهدف ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، وخاصة في قضاء سنجار بنينوى.
بدوره، لا يُبدي المحلل السياسي، راجي نصير، تفاؤلا يذكر، قائلا "لا يمكن التعويل على الزيارات السياسية بين مسؤولي البلدين، فحتى كلمة وزير الخارجية التركي (أمس)، ركزت على محاربة حزب العمال الكردستاني، وعلى زيادة المصالح الاقتصادية، في حين تكمن المشكلة الأساسية في المياه التي لا تقبل تركيا حلها".
ويلفت نصير، خلال حديثه لـه، إلى أنه "كان يفترض قدوم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كما تم الإعلان عن ذلك أكثر من مرة، وأي اكتفاء بزيارة وزير خارجية تركيا، فإنه يعني تراجعا في موقفها".
ويوضح أن "وزير الخارجية التركي ليس صاحب قرار، وما لم يأت أردوغان بنفسه إلى بغداد، ويفتح ملف المياه وغيره بشكل مباشر، فإن هذه الزيارات ستبقى بروتوكولية لا تقدم ولا تؤخر".
وكان قد أُعلن في نهاية تموز يوليو الماضي، عن زيارة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى بغداد، دون تحديد موعدها.
وتعد هذه الزيارة لو تمت، الثانية لأردوغان، بعد أن زار العراق في عام 2011، كما تأتي بعد أن أجرى أردوغان زيارة إلى السعودية والإمارات وقطر، قبل أيام، حيث اختتم جولة خليجية، بعد أن زار دولا آسيوية عديدة، عقب فوزه بالانتخابات وحصوله على دورة رئاسية ثالثة أمدها 5 سنوات.
ويعاني العراق من نقص كبير في منسوب نهري دجلة والفرات الذين ينبعان من تركيا، حيث تكرر أوساط رسمية وشعبية، اتهامات لأنقرة بتعمد قطع المياه.
يذكر أن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان وعد في آذار مارس الماضي، بإطلاق مزيد من المياه في نهر دجلة، دون أي اتفاقية تنظم توزيع المياه بين البلدين.