26 Jul
26Jul

حذر خبراء قانونيون وناشطون مدنيون، من التعديلات التي ينوي البرلمان وضعها على قانون الأحوال الشخصية العراقي، وفيما أكدوا أن هذه التعديلات يمكن أن تنسف أحد أهم التشريعات العراقية، لفتوا إلى أنها تعلي من سلطة المذاهب على سلطة القضاء والقانون، مؤكدين أن محاولات إثارة الجدل حول هذا القانون غالبا ما تأتي للكسب الانتخابي أو لتغطية قضايا أهم في المجتمع.
ويقول الخبير القانوني جمال الأسدي، خلال حديث لـه، إن “مسودة التعديل الجديدة تنسف قانون الأحوال الشخصية السابق أحد أهم القوانين في المنطقة، لأن هذا التعديل يعتمد مسائل فقهية بحتة من الأصول الشرعية للمذهبين الجعفري والحنفي، وهذه المسائل تختلف اختلافا جذريا مع تأسيسات قانون الأحوال الشخصية العراقي”.
ويضيف الأسدي، أن “قانون الأحوال الشخصية النافذ اعتمد في تأسيسه على القانون التونسي الذي اقترب من المساواة بين الرجل والمرأة في بعض الأمور، وأعطى حقوقا للمرأة كانت غير موجودة قبل إقراره، لذلك فإن هذه التعديلات تنسف كل ما موجود وتؤسس إلى وضع جديد لاسيما في مسألة الزواج والحضانة والطلاق ومسائل أخرى”.
وأثار توجه البرلمان لإجراء تعديل على قانون الأحوال الشخصية، ردود فعل غاضبة من قبل ناشطين ووسائل إعلام حذروا مما وصفوه تكريس الطائفية وتعظيم سلطة المذاهب على حساب القضاء، ومنح أحزاب السلطة نفوذاً أكبر، وسط انتقاد منظمات حقوقية وخبراء قانون أيضاً.
ورفع مجلس النواب، فقرة القراءة الأولى لمقترح قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المادة (2) من جدول أعمال جلسته المعقدة أمس الأربعاء، استجابة لطلب تقدم به عشرات النواب.
من جهتها، تؤكد الناشطة في حقوق المرأة، بشرى العبيدي خلال حديث لـه، أن “المطالبين بهذا التعديل يشددون على أن يرجع المقبلون على الزواج في عقودهم إلى الشريعة الإسلامية، وهو ما موجود أصلا في قانون الأحوال الشخصية الحالي في المادة 2 منه، لذا لا داعي لهذا التعديل”.
وتضيف العبيدي، أن “هذا التعديل يعد تكريسا للطائفية لأنه قبل أي سؤال لمن يود الزواج تلتزم المحكمة بأن تخاطبه بالسؤال عن المذهب بعيدا عن الوضع الاجتماعي أو العلمي أو الشخصي سواء للبنت أو الشاب”، لافتة إلى أن “التعديلات الجديدة ستلغي دور القانون الوضعي المدني في الأحوال الشخصية كما تلغي دور القضاء، ويكون الدور الأساسي فيها لرجال الدين حيث سيتم الحكم وفقا لتشريعات الدين والمذهب الموضوعة ضمن مدونة مشار إليها في هذا التعديل”.
وتذكر أن “القاضي سيكون مقيدا في أحكامه بالرجوع إلى المذهب، ولا يستطيع الحكم إلا بما تمليه عليه الأحكام الفقهية للمذهب الذي ينتمي إليه أصحاب القضية، وهو ما يلغي دور القانون المدني ودور القضاء ومن المفترض أن يعطل كليات القانون مستقبلا واستبدالها بكليات ومعاهد الفقه الإسلامي، على الرغم من أن الدستور أكد أن العراق دولة مدنية ديمقراطية تحتكم لمبدأ سيادة القانون وفقا لما حددته المادة 5 منه”.
وتتابع الناشطة في حقوق المرأة، أن “هذه المحاولات المتكررة لتعديل قانون الأحوال الشخصية وفقا للمذاهب الإسلامية، تنم عن رغبة بالاستغلال السياسي، وهي تتكرر باستمرار قبيل كل انتخابات منذ 2003 وحتى الآن، فمع اقتراب الانتخابات يتم استغلال المجتمع والرأي العام بقضية تعديل قانون الأحوال الشخصية”.
وتكمل أن “إثارة القضية في هذا التوقيت غالبا ما يراد بها تغطية على موضوع آخر، فعند متابعة الأخبار ووسائل السوشيال ميديا فإن هذا الموضوع يتصدر الاهتمام مع إغفال الأخبار الأخرى المتعلقة برداءة الخدمات وأزمة ارتفاع الدولار وغيرها من القضايا المؤثرة في حياة المواطن”.
ويقضي التعديل في إحدى فقراته بمنح الزوج الأحقية في اختيار المذهب الذي يتم على أساسه عقد القران، كما ينص القانون المعمول به حاليا على أن للأم الحق بحضانة الولد وتربيته حال الزواج وبعد الفرقة، ولا تسقط حضانة الأم المطلقة بزواجها، في حين أن التعديل، يسلب الأم حق حضانة الولد إذا تزوجت، وللولد المحضون حق الاختيار عند بلوغ الخامسة عشرة من العمر، في الإقامة مع مَن يشاء من أبويه إذا أنست المحكمة منه الرشد في هذا الاختيار، بينما التعديل الجديد على القانون هو تخييره بعمر سبع سنوات فقط.
كما ينص القانون المعمول به حاليا، على أن يكون التفريق وفقا للقانون المدني، لكن التعديل يقضي أن يتم وفقا للفقه السني أو الشيعي حسب اختيار الزوجين، وفي حال لم يكن للزوجة مذهب فقهي، للاحتكام إليه، تعتمد المحكمة مذهب الزوج في التفريق بينهما، بما يتعلق بالحقوق.
ويتضمن التعديل أيضا، إدخال الوقفين السني والشيعي في قضايا الخلع والتفريق، وهو ما اعتبره الرافضون للقانون ترسيخاً للطائفية في إدارة الدولة والقضاء، وابتعاداً عن الدستور الذي نص على مدنية الدولة العراقية.
من جهته، يعرج الخبير القانوني عدنان الشريفي، على أهم التغييرات في المسودة الجديدة، ومنها أن “الزوجين عند إبرام عقد الزواج عليهم اختيار المذهب المراد عقد الزواج عليه سواء أكان المذهب السني أو الشيعي، وذلك لأن الأحكام الشرعية للمذهبين تختلف ببعض الاختلافات وكذلك الأمر بالنسبة للأزواج العاقدين سابقا بإمكانهم أن يقدموا طلبا لمحكمة الأحوال الشخصية بهذا الخصوص من أجل تغيير مذهب الزواج والتثبيت عليه”.
ويضيف الشريفي، خلال حديث لـه، أن “التعديلات أعطت تدخلا كبيرا للمذهبين السني والشيعي من أجل مدونات خاصة بمسائل الأحوال الشخصية”، لافتا إلى أن “قاضي الأحوال الشخصية في القانون النافذ، يأمر بحبس كل من أجرى عقد زواج خارجيا، لكن بالتعديل الجديد تم السماح للمجازين من المذهبين إبرام عقود الزواج للمتزوجين خارج حدود المحكمة”.
ويتيح الزواج خارج المحكمة، من زواج القاصرات، بينما في الزواج أمام قاضي محكمة الأحوال الشخصية يجب أن يبلغ عمر الفتاة 18 عاما.
ويعتقد الشريفي، أن “القانون الحالي لا يحتاج إلى مثل هذه التعديلات، خاصة أن تعدد الرؤوس بالقرار يولد مشاكل كثيرة”، لافتا إلى أن “قانون الأحوال الشخصية موجود ومنظم من مدة ٤٠ عاما ومعمول به ووفق الشريعة الإسلامية”.
ويفضل الخبير القانوني إجراء تعديل واحد وهو “منح المحاكم التي تفصل بالخلاف ما بين الزوجين حق تخييرهم وفق المذهب الذي يختاره الزوجان لإجراء الفصل بينهم، فمثلا الطلاق على المذهب الشيعي لا يتم إلا بوجود شاهدين، وبعكسه لا يحدث، أما في المذهب السني فمن الممكن حدوث الطلاق بدون شهود”.
ويرى أن “التعديلات الجديدة قد تولد انقسامات بين أبناء المذهب الواحد”، لافتا إلى أن “من الأولى للبرلمان النظر في قوانين وتشريعات أخرى كتشديد العقوبات على تجار المخدرات وتجار الأعضاء البشرية وسراق المال العام، أما قانون الأحوال الشخصية فالمجتمع متفق عليه ولا يرى فيه أي مشكلة بل أن تعديله قد يدخلنا في مشاكل نحن في غنى عنها لاسيما أنه يسلب القضاء سلطته”.
وذكر المرصد العراقي لحقوق الإنسان أن التعديل يستند إلى التشريع الإسلامي بمذهبيه الشيعي الجعفري والسني بشكل عام دون تحديد أحد مذاهبه الأربعة، مما يثير مخاوف جدية بشأن تقييد الحريات الأساسية للمواطنين العراقيين، لافتا إلى أن “التزامات العراق بموجب الاتفاقيات الدولية، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) تفرض حماية حقوق الأفراد في اختيار وتحديد أحوالهم الشخصية دون تمييز”.
كما حذرت حركة “نازل أخذ حقي الديمقراطية” من خطورة فتح الباب أمام زواج القاصرات وزيادة حالات الطلاق والعنف الأسري في حال إجراء التعديل على القانون، وفيما أشارت إلى أن “إلغاء العقوبة المترتبة على عقود الزواج الخارجية سيسمح بتعدد الزواجات، ويزيد الأزمات الأسرية تعقيداً، أكدت أن “من المفترض أن تكون الأولوية لتشريع وتعديل قوانين تضمن حماية الأسرة والطفل وتحد من العنف المتزايد تجاه هذه الشرائح المجتمعية الهشة”.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة