أقرّ مستشار حكومي وخبراء اقتصاديون، بالانعكاس السلبي لتعديل سلم الرواتب على الموازنة العامة، لاسيما وأنه سيسبب "طفرة" بالنفقات في ظل ارتفاع عدد الموظفين من الأساس ومن ثم رفع رواتبهم، وذلك على الرغم من إشادتهم بالقانون واعتباره "إنصافا" لكثير من الموظفين وخاصة الدرجات المتدنية، وفيما أكدوا أن هذا التعديل سيمر بمعزل عن الموازنة لكونه دائميا، رجحوا تشريعه العام المقبل، كي تضاف تخصيصاته في الموازنة وتكون ثابتة.
ويقول المستشار المالي والاقتصادي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، خلال حديث لـه، إن "تعديل سلم رواتب صغار الموظفين الحكوميين والمتقاعدين يعد أحد أهمّ المبادئ الاجتماعية التي جرى تأطير مضامينها من خلال البرنامج الحكومي الحالي والذي يؤكد على دعم مستوى معيشة الطبقات الفقيرة أو الفئات المحدودة الدخل سواء من الموظفين أو المتقاعدين".
ويبين صالح أن "هناك مشروع قانون يدرس حاليا لتعديل سلم الرواتب، ستقدمه الحكومة إلى مجلس النواب خلال الفترة المقبلة، وإذا ما تم تشريع سلم الرواتب الجديد سيكون قانونا مستقلا خارج قانون الموارنة لكون قانون الموازنة ينتهي بنهاية سنة الموازنة".
ويضيف انه "بالرغم من ذلك سيجد انعكاساته المباشرة على النفقات العامة في الموازنات القادمة بلا ريب، ولذا تثار الأسئلة عن ثمة طفرة في التقديرات الموضوعة في فقرة الرواتب والمعاشات في مشروع الموازنة العامة الاتحادية للعام 2023، ويمكن أن أفسر أن هذه الطفرة ربما هي تخصيصات تحوطية في حال تعديل الرواتب والمعاشات المنخفضة خلال السنة المالية الحالية في حال تشريعها أو السنوات المالية القادمة".
وكان النائب محمود القيسي، وجه يوم أمس، طلبا لرئاسة مجلس الوزراء، لغرض إدراج تعديل قانون سلم الرواتب بجلسات المجلس لغرض إقراره وإرساله إلى البرلمان.
يذكر أن اللجنة المالية النيابية، سبق وأن أكدت قبل أيام أن قانون سلم الرواتب ما يزال "حبرا على ورق"، وبحسب رئيسها النائب عطوان العطواني، فان الدرجات الدنيا ستنصف بالقانون وسيكون أقل راتب أسمي هو 425 ألف دينار.
وكانت لجنة تعديل سلم الرواتب، قد أنهت أعمالها في 20 من الشهر الحالي، ورفعت مقترحها إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وهذه اللجنة مكونة من وزارتي التخطيط والمالية.
من جهته، يؤكد عضو اللجنة المالية البرلمانية جمال كوجر، خلال حديث لـه أن "قانون سلم الرواتب الجديد، مازال لدى الحكومة العراقية، وهي مازالت تدرس هذا القانون وتعمل على مناقشته مع كافة الجهات ذات الاختصاص، كما أن مجلس النواب شارك في مناقشة هذا القانون وقدم ما لديه من ملاحظات حوله".
ويبين كوجر أن "قانون سلم الرواتب، قانون منفصل عن قانون الموازنة، ولهذا يمكن تشريعه بعد إقرار الموازنة، لكن حتى الساعة لا نعرف متى سترسل الحكومة هذا القانون، الذي ينتظره ملايين من الموظفين، فالقانون سيرفع الكثير من رواتب الموظفين، وهذا الأمر سوف يرفع من قيمة الموازنة التشغيلية دون أي شك".
ويتوقع كوجر أن "الحكومة سوف تؤجل تشريع هذا القانون إلى السنة المقبلة، خصوصاً مع وجود ارتفاع كبير في نسبة الموازنة التشغيلية، بسبب درجات التعيين الجديدة، ونحن في البرلمان مهمتنا لتشريع هذا القانون وتعديله تكون بعد تسلمه بشكل رسمي من قبل الحكومة، فهو مازال قيد الدراسة لدى الحكومة".
جدير بالذكر، أن المقترحات التي يتضمنها القانون، ووفقا للتسريبات الخاصة بالراتب الاسمي، فهي: ماجستير 712 ألف دينار، بكالوريوس 643 ألف دينار، دبلوم 615 ألف دينار، إعدادية 562 ألف دينار، متوسطة 546 ألف دينار، ابتدائية 483 ألف دينار، يقرأ ويكتب 425 ألف دينار.
وكان وزير المالية السابق علي علاوي، وخلال مقابلة له مع وكالة الأنباء الرسمية "واع"، أعلن أن هناك سبعة ملايين موظف يتقاضون رواتب من الدولة، وهذا الرقم أرتفع مؤخرا بعد التعيينات الجديدة التي تضمنتها الموازنة، فضلا عن تحويل موظفي العقود إلى الملاك الدائم.
وبرزت خلال السنوات الماضية، مسألة استخدام التعيينات في الحملات الانتخابية أو من قبل الحكومات التي تمر بأزمات، حيث يتم اللجوء إلى إطلاق الوعود بالتعيينات أو تعيين بعض الفئات، خاصة مع اشتداد التظاهرات المطالبة بفرص عمل من قبل الشباب في ظل ارتفاع نسب البطالة في البلد.
بالمقابل، يعتقد الباحث في الشأن الاقتصادي ناصر الكناني، خلال حديث لـه أن "هناك صعوبة حقيقية في تشريع قانون سلم الرواتب الجديد، كون هذا القانون، سوف يرفع التخصيصات المالية في الموازنة التشغيلية بشكل كبير جداً، وربما تتحول الموازنة فقط لدفع الرواتب وتختفي الموازنة الاستثمارية".
ويبين الكناني أن "قانون سلم الرواتب مهم جداً من أجل إنصاف الكثير من الموظفين، وخلق مساواة حقيقية بين الموظفين في الرواتب، لكن هذا الأمر سيدفع نحو زيادة الرواتب، والعراق لديه ملايين الموظفين وهذا الزيادة تعني أن هناك مليارات سوف تضاف إلى الموازنة التشغيلية".
ويؤكد أن "قلة التخصيصات المالية ربما تكون هي المعرقلة لتشريع قانون سلم الرواتب الجديد، فهذا القانون يحتاج إلى وجود تخصيصات، حتى يتم رفع رواتب ملايين الموظفين، خصوصاً أن هناك زيادة في بعض الرواتب وفق القانون الجديد تصل إلى 150 بالمئة".
يذكر أن المستشار المالي لرئيس الحكومة مظهر محمد صالح، أكد في تصريح سابق له، أن فلسفة الدولة بعد عام 2003 اعتمدت توزيع عوائد النفط بين الموظفين، حيث كل موظف يعيل خمسة أفراد بهدف خلق رفاهية، لكن هذه الفلسفة على المدى البعيد تضر البلاد بشكل كبير.
يشار إلى أن العراق يعاني من توقف آلاف المصانع وشركات وزارة الصناعة والمعادن، وبعضها تحولت إلى شركات خاسرة وانتقلت من التمويل الذاتي إلى الحكومي، بسبب توقف الإنتاج أو عدم تفعيله، وهذا باستثناء المعامل التي هدمت بعد العام 2003.