منذ أيام قليلة، بدأت اجتماعات غير معلنة في ديالى وبغداد، بين نخب سياسية سنية وأخرى مقربة من منظمة بدر، من أجل التوصل إلى توافقات مبدئية تقود لحكومة محلية في ديالى، بعد مضي خمسة أشهر على خلافات سياسية مستعصية، عجزت عن حلها جميع المفاوضات السابقة والسيناريوهات المطروحة.
وعقد مجلس محافظة ديالى أول جلسة له في الخامس من شباط فبراير الماضي، وقرر إبقاء الجلسة مفتوحة لعدم تمكنه من تحقيق الأغلبية المطلقة في التصويت على رئيس المجلس والمحافظ، والذهاب إلى جولة ثانية من ثم رفع الجلسة وإبقائها مفتوحة أيضا بعد اختلال نصابها على خلفية انسحاب عدد من الأعضاء دون إكمال التصويت لاختيار رئيساً للمجلس.
ويقول مصدر سياسي مطلع على الاجتماعات، خلال حديث لـه، إن “هناك مفاوضات غير معلنة تحصل فعليا في ديالى وبغداد من قبل نخب في القوى السنية (تقدم – السيادة) ومنظمة بدر (بزعامة هادي العامري) من أجل الوصول إلى توافقات تدفع إلى تشكيل الحكومة المحلية”.
ويضيف المصدر، أن “هناك جهودا برزت في الساعات الـ72 الماضية لإعادة سيناريو تشكيل حكومة ديالى في العام 2009، لكن مع تغير الأدوار، أي منح منصب المحافظ إلى مثنى التميمي، وهو الساعد الأيمن لهادي العامري في ديالى، وأبرز وجوه منظمة بدر، كونه أول مرشح للمنظمة ينال 44 ألف صوت في أي دورة انتخابية”.
ويشير إلى أن “التميمي ما يزال مصمما على المضي في ترشيح نفسه لولاية ثانية، خاصة وأن جميع جلسات مجلس ديالى الأربعة أخفقت في حسم تشكيل الحكومة وكان للمحافظ السابق مثنى التميمي دور فعال في تحديد ساعة الصفر، لكن خلافات اللحظات الأخيرة، ومنها داخل القوى السنية تسببت في الإخفاقات المتكررة”.
وكان محافظ ديالى (السابق) مثنى التميمي، قد دعا في 3 شباط فبراير الماضي، الفائزين الخمسة عشر بعضوية مجلس محافظة ديالى الجديد إلى عقد الجلسة الأولى للمجلس في يوم 5 من الشهر نفسه، لاختيار رئيس المجلس ونائبيه والمحافظ ونائبيه، إلا أن الجلسة لم تنعقد بسبب عدم الاتفاق على الرئيس والمحافظ، بسبب خلافات بين الكتل الشيعية السنية، وكذلك الانقسامات داخل الكتل الشيعية نفسها وكذلك الكتل السنية على تقاسم المناصب.
بدوره، يوضح عضو مجلس ديالى عن حزب تقدم، نزار اللهيبي، خلال حديث لـه ، أن “الكثير من التكنهات تطرح في منصات ووسائل الإعلام لكن الحقيقة الثابتة هي أن القوى السنية ما تزال مصرة على مرشحها لمنصب المحافظ وهو النائب رعد الدهلكي، وما يتردد عن إعادة سيناريو 2009 لا صحة له”.
ويؤكد أن “القوى السنية الثلاث (تقدم، السيادة، عزم) ملتزمة بتواقيعها حيال دعم الدهلكي لمنصب المحافظ باعتباره استحقاقا خاصا بها، كما أن الأغلبية في المجلس هي للمكون السني، والمفاوضات ما تزال تراوح مكانها دون أي تقدم ملموس”.
وكانت القوى السنية عزم، والحسم، والسيادة، قد عقدت في 25 نيسان أبريل الماضي، اجتماعا موسعا في بعقوبة تناول ملف تشكيل الحكومة المحلية وتداعيات تأخيرها في ظل عدم حسم الخلافات بين قوى الإطار لطرح مرشح تدعمه كل قواه، حيث قررت القوى السنية الثلاث دعم رئيس كتلة العزم في ديالى النائب رعد الدهلكي كمرشح لها لمنصب المحافظ.
من جانبه، يرى عضو مجلس النواب عن ائتلاف دولة القانون، عارف الحمامي، خلال حديث لـه، أن “منصب محافظ ديالى استحقاق انتخابي لدولة القانون، ولا يمكن التراجع عنه وكل قوى الإطار التنسيقي تدعم هذا الاستحقاق”.
ويلفت إلى أن “ائتلاف دولة القانون وصل إلى نتائج جيدة في مباحثاته مع القوى السنية وبقية القوى لدعم مرشحنا لمنصب المحافظ وهو الأكاديمي خليفة التميمي، وليس هناك أي مسارات أخرى بعيدة عن دعم التميمي”.
يشار إلى أن زعيم منظمة بدر هادي العامري، أراد التجديد لمحافظ ديالى مثنى التميمي لولاية ثانية إلا أنه واجه رفضا من الكتل الشيعية والسنية، ما اضطره إلى سحبه وتقديم مرشح آخر وهو محمد جاسم العميري نجل رئيس المحكمة الاتحادية العليا كمرشح تسوية لمنصب المحافظ، وتم رفضه أيضا ما دفعه إلى التنازل عن المنصب لائتلاف دولة القانون الذي قدم هو الآخر ثلاثة مرشحين الواحد تلو الآخر وتم رفضهم ليستقر أخيراً خليفة التميمي.
إلى ذلك، يؤكد المحلل السياسي عدنان محمد، خلال حديث لـه، أن “سيناريو 2009 مطروح فعليا قبل شهر من الآن، لكن عاد بقوة قبل أيام في محاولة لتجديد ولاية القيادي في بدر مثنى التميمي لمنصب المحافظ”.
وينبه إلى أن “مثنى التميمي في صراع شرس مع ممثلي حركة عصائب أهل الحق وتحالف الأساس الذين لديهم ثلاثة مقاعد في مجلس المحافظة، والمفارقة في مشهد ديالى هي أن العقبة الأهم في وصول التميمي إلى منصب المحافظ هي خلافات قطبي السنة (تقدم، السيادة) على تولي أي منهم رئاسة المجلس لأن كل منهما لديه ثلاثة مقاعد لذا فإن الإشكالية هذه إذا ما جرى تجاوزها تكون عودة مثنى التميمي سريعة دون أي عقبات”.
ويشرح محمد، أن “تقديم ائتلاف دولة القانون أربعة مرشحين خلال شهرين أدى إلى قناعة العديد من القوى بأن الائتلاف يعاني من خلافات داخلية تسببت في سحب أسماء وتقديم أخرى خلال فترة وجيزة، أما نفي القوى السنية وحتى منظمة بدر وجود نية لإعادة سيناريو 2009 فهو أمر طبيعي من أجل تفادي أي ضغوط تدفع إلى تغير مجرى المفاوضات”.
وصادقت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في 21 كانون الثاني يناير الماضي، على النتائج النهائية لانتخابات مجلس محافظة ديالى، معلنة فوز تحالف ديالتنا الوطني بـ107 آلاف و554 صوتا، ليفوز بأربعة مقاعد، وتحالف تقدم الوطني بـ79 ألفا و934 صوتا، بثلاثة مقاعد، والسيادة بـ73 ألفا و890 صوتا، بثلاثة مقاعد، واستحقاق ديالى بـ44 ألفا و195، بمقعدين، وتحالف عزم العراق بـ44 ألفا و61 صوتا، بمعقد واحد، وائتلاف الأساس العراقي بـ29 ألفا و961 صوتا، بمقعد واحد، والاتحاد الوطني الديمقراطي الكردستاني بـ28 ألفا و648 صوتا، بمقعد واحد.
من جهته، يقر رئيس تحالف بيارق الخير، محمد الخالدي، خلال حديث لـه، بأن “عقدة ديالى لا تحل بسهولة لأن نتائج انتخابات مجالس المحافظة منحت السنة والشيعة معادلة متساوية بعدد المقاعد فيما كان للكرد مقعدا واحدا”.
ويشدد على أن “حسم ملف ديالى مرتبط بملف تحديد هوية من يتبوأ منصب رئيس مجلس النواب وهذا ما لا تريد البوح به العديد من القوى السياسية، لذلك كل السيناريوهات التي توضع لحل أزمة ديالى لن تمضي دون ضوء أخضر من نخب بغداد وهذه حقيقة لا يتخلف عليها اثنان”.
ويختم الخالدي، حديثه بالقول “لا يمكن التكهن حاليا لمن سيكون منصب المحافظ لكن الإطار التنسيقي أكد بأنه من استحقاق ائتلاف المالكي والأخير قدم عدة أسماء ولم تمضي، ما دفع السنة إلى طرح النائب رعد الدهلكي وبالتالي تغير المشهد باتجاه آخر”.
وكانت المحكمة الاتحادية العليا قد قررت في 14 تشرين الثاني نوفمبر 2023، إنهاء عضوية رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، بناء على دعوى قضائية رفعها ضده النائب ليث الدليمي الذي أنهت المحكمة عضويته هو الآخر، ومنذ ذلك الحين لم يتمكن مجلس النواب من انتخاب رئيس جديد له، بسبب خلافات داخل البيت السني، حيث يتمسك حزب تقدم بزعامة الحلبوسي بالمنصب كاستحقاق له، فيما ترى القوى السنية الأخرى أن المنصب استحقاق للمكون وليس لحزب بعينه.