طاق كسرى أو إيوان المدائن، هو آخر ما تبقى من حضارة الساسانيين في العراق، يقع جنوب شرقي العاصمة بغداد، وهو عبارة عن أطلال شامخة لها دلالات عديدة على الإبداع المعماري الذي تجسد في بقايا إيوان حاكم الإمبراطورية الساسانية حينها “كسرى آنوشيروان دادكر” الذي حكم ما بين عامي 531 و579 للميلاد ليكون هذا الطاق موجودا في العام 540 للميلاد تحديدا.
ويتكون إيوان كسرى من جزئين أساسيين هما المبنى نفسه، والقوس الذي بجانبه حيث يبلغ ارتفاع القوس 37 مترا وعرضه 26 مترا ويعتبر من أعظم الأبنية من نوعه في ذلك العصر.
وشهد هذا الإرث الحضاري الكبير عمليات صيانة في سنوات مختلفة حيث تعرض في عام 1888 إلى سيل من نهر دجلة، أدى إلى اختفاء أجزاء كثيرة منه، ثم لحق ذلك تضرره في العام 2021 وانهيار أجزاء منه.
ويقول المتحدث باسم وزارة الثقافة والسياحة والآثار، أحمد العلياوي، خلال حديث لـه، إن “صيانة الأماكن الأثرية مثل إيوان كسرى في المدائن يحتاج بالعادة إلى خطة وقواعد دقيقة جدا ضمن دراسة متكاملة لتوحيد متطلبات التأهيل والترميم”.
ويضيف العلياوي، أنه “تم التعاقد مع جامعة بنسلفانيا الأمريكية من أجل إعداد دراسة كاملة وخاصة بآلية الصيانة بطريقة علمية لا تسفر عن خطر على الموقع من حيث قيمته الأثرية والمعمارية”.
ويؤكد أن “الوزارة متجهة إلى صيانة الطاق كليا وبإشراف دائرة التراث التي لديها بيانات كاملة عن الموقع الأثري وجميع المواقع في العراق، والمواقع الأثرية عادة ما تكون بعيدة عن المدن وتحتاج إلى حماية وترميم وتأهيل وإلى ملف متكامل من ناحية التخطيط”.
ويتابع أن “دوائر الوزارة المختصة تواصل متابعة كل التفاصيل التي تخص موقع طاق كسرى وإكمال إعداد الكشوفات لتقديمها إلى مجلس الوزراء من أجل تخصيص المبالغ اللازمة للترميم، وبعد ذلك سيتم تخصيص المبالغ المالية اللازمة للترميم ونصب المعدات لتدعيم سقف الإيوان ومنع انهياره”.
يشار إلى أن إيوان كسرى كان في الماضي وجهة سياحية بالنسبة لكثير من أهالي بغداد ومناطق أخرى في العراق للترفيه عن أنفسهم وقضاء أوقات ممتعة في أرجائه، وكان مقصدا أساسيا للعوائل البغدادية في عيد نوروز من كل عام، وكذلك في أيام الجمع والأعياد والمناسبات، كما وكان لا يخلو من السياح الأجانب الذين يأتون من كل مناطق العالم للاطلاع على المواقع الأثرية في البلاد، إضافة لاحتوائه على قبر الصحابي سلمان الفارسي كمزار ديني للكثير من الناس.
من جهته، يكشف المدير العام لدائرة الصيانة والحفاظ على الآثار، في الهيئة العامة للآثار والتراث، محمد البياتي، عن استعدادات لبدء المرحلة الثانية من أعمال صيانة طاق كسرى.
ويوضح البياتي، خلال حديث لـه، أن “لجنة الإشراف على تأهيل موقع طاق كسرى اجتمعت مؤخرا من أجل الموافقة على إبرام عقد مع منظمة (أليف) للبدء بتنفيذ المرحلة الثانية لصيانة هذا الموقع”.
ويشرح أن “المرحلة الثانية تشمل وضع مستشعرات وأجهزة تحسس على الطاق وإزالة المناطق المتضررة الآيلة للسقوط التي تشكل خطرا على الناس وذلك بترقيمها ومن ثم فتحها بعد إكمال الفحوصات”.
ويلفت إلى أنه “بعد إكمال المرحلة الثانية ستكون هناك مرحلة ثالثة لأعمال صيانة الموقع بشكل كامل، وهناك جهود حثيثة متواصلة لترميم الأضرار في موقع طاق كسرى”.
يذكر أن موقع إيوان المدائن قد تعرض لأخطاء عدة في الترميم السابق، وكذلك العوامل الطبيعية سببت أضرارا له، حيث قامت الشركة التشيكية المكلفة بتلك الأعمال في العام 2012 بوضع طبقة إسمنتية فوق الطاق ما أسفر عن تغيير بعض معالمه وهو ما يتم السعي لإزالته الآن والترميم بشكل كلي ليصبح بحالة ثابتة لا تتأثر بالاهتزازات والانهيارات.