أثارت القرارات غير المسبوقة التي اتخذها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، لمنع هجمات الفصائل المرتبطة بإيران ضد السفارة والقواعد الأميركية في البلاد، جدلاً بشأن إمكانية تحقيقها نتائج ميدانية ملموسة، وفي حين رفضت الفصائل "إعلامياً" وقف هجماتها، صار "لزاماً" على حكومة بغداد الإيفاء بتعهداتها بالقبض على تلك الجهات، وهو ما يضعها أمام تحد وحرج كبيرين جداً.
وبعدما شنت الفصائل المسلحة، أول من أمس الجمعة، هجوماً بعدة صواريخ وقذائف استهدف السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء شديدة التحصين في العاصمة بغداد، حمّلت واشنطن الحكومة العراقية مسؤولية السيطرة عليها، فيما وصف رئيس الوزراء العراقي تلك الهجمات بـ"الإرهابية"، وتوعد بملاحقة منفذيها، قبل أن يتخذ قرارا بإحالة ضباط وعناصر أمن إلى التحقيق في الملف، كما قرر تغيير الوحدات الماسكة للمنطقة التي أطلقت منها الصواريخ.
ووفقاً لضابط أمن عراقي رفيع، مشترطاً عدم ذكر اسمه، فإن "السوداني وجه بتشكيل قوة خاصة لملاحقة الهجمات ومنفذيها، ووضعها تحت إشرافه المباشر"، مبيناً أن "القوة منحت صلاحيات واسعة في عمليات الاعتقال واستعمال القوة في عملياتها".
وأوضح أن "السوداني أمام تحد كبير، إذ إنه تلقى رسائل شديدة من واشنطن بأنه في حال عدم سيطرته على تلك الجماعات، فإن ردود فعلها (واشنطن) ستكون غير متوقعة، وهو ما يعني أنها ستوجه ضربات عنيفة ضد تلك الجماعات داخل العراق، وهو ما يحرج السوداني"، مشيراً إلى أن "السوداني يعمل حالياً بجانبين، فهو يضغط سياسياً على تلك الجماعات لمنع هجماتها، كما يضغط أمنياً من خلال الخطط الأمنية، ومن خلال القوة الخاصة، لمنع تسجيل هجمات جديدة".
وشدد على أن "أي هجوم جديد سيكون بمثابة كسر لإرادة الحكومة، وهو ما سيجبر السوداني على تنفيذ تعهداته ومواجهة تلك الفصائل والسعي لاعتقال المنفذين، وهو ما قد تكون له تداعيات غير محسوبة النتائج بين الحكومة والفصائل".
إنذار أمني
في الأثناء، دخلت القوات الأمنية في العاصمة بغداد حالة إنذار، ضمن خطة الحكومة لمنع تسجيل هجمات جديدة من قبل الفصائل المسلحة، وأكدت مصادر أمنية في بغداد،أن حالة الإنذار تشمل جميع مناطق بغداد، إلى جانب منطقة البغدادي غربي الأنبار التي تضم قاعدة عين الأسد الموجودة داخلها القوات الأميركية.
وأكد أحدهم أن الإجراءات تشمل نقاط مراقبة ودوريات أمنية راجلة وطائرات مراقبة لمواجهة أي محاولة جديدة لإطلاق صواريخ على المنطقة الخضراء التي تضم السفارة الأميركية.
ومنذ أول من أمس الجمعة، لم تسجل أي هجمات جديدة من قبل تلك الجماعات، التي اكتفت بالتهديد الإعلامي والتوعد ضد واشنطن، وقال المسؤول الأمني لكتائب "حزب الله العراقي" أبو علي العسكري إن "عمليات استهداف القواعد الأميركية في العراق وسورية يوم الجمعة هي بداية لقاعدة اشتباك جديدة".
الفصائل تتوعد
وأكد في تدوينة له على حسابه الشخصي على تطبيق "تليغرام" أن "عملياتنا الجهادية ضد الاحتلال الأميركي ستستمر حتى إخراج آخر جندي له من أرض العراق، وإذا أرادت الحكومة العراقية التفاوض معـه لإخراج قواته من البلاد، فلا نمانع ذلك، وإن كنا نجزم بأنها كذبة أخرى من أكاذيب الأميركان ولن تنطلي علينا"، مشددا على أن "أي حماقة من العدو الأميركي ستواجه برد مضاعف، وتوسيع للعمليات، ولن تثنينا تخرصات المرجفين والمنبطحين عن أداء واجبنا الشرعي والوطني تجاه بلدنا وأمتنا".
وأضاف: "لا تزال سفارة الشر الأميركية قاعدة متقدمة لإدارة العمليات العسكرية والأمنية، ووكراً للتجسس، والبعض يرى عزته بالانبطاح لها، وتسويقها على أنها بعثات دبلوماسية تجب حمايتها، وأن قادم الأيام سيحدد مستوى الرد"، مبيناً أن "تعاون بعض منتسبي الأجهزة الأمنية مع المحتل الأميركي المجرم لدواع واهية سيجعلهم أذناباً له، وشركاء في جرائمه، وهذا ما لا يرضاه العراقيون الأصلاء لهم".
السوداني أمام ضبط الفصائل
الباحث في الشأن السياسي العراقي فراس إلياس أكد صعوبة موقف الحكومة تجاه الفصائل، وقال في تدوينة له على "إكس": "تواجه حكومة السوداني تحديا كبيرا جدا في ضبط الفصائل المسلحة، فهي خاضعة لتأثير الإطار التنسيقي الذي تمثل الفصائل المسلحة ركنا رئيسيا منه، ومن جهة أخرى، هي جزء من توازن إيراني أميركي في العراق، ولذلك لا تمتلك هامش مناورة، سوى باحتواء هجمات الفصائل، وانتظار ضوء أخضر إيراني للتحرك".
وخلال الأسابيع الماضية، شنت جماعات عراقية مسلحة، تُصنف أنها حليفة لطهران وتُطلق على نفسها اسم "المقاومة الإسلامية"، سلسلة من الهجمات المسلحة بواسطة صواريخ وطائرات مسيّرة استهدفت قواعد ومعسكرات للجيش الأميركي، داخل العراق وسورية، ردًا على الدعم الأميركي للاحتلال الإسرائيلي في حربه على غزة، بحسب بيانات متسلسلة نشرتها تلك الجماعات وتبنت من خلالها تلك الهجمات.