فجرت زيارة رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض إلى محافظة الأنبار، خلافا سياسيا كبيرا، برزت شدته إلى السطح سريعا، فأحدثت تصدعا بالغا في بناء “الإطار التنسيقي”، فيما عزا مراقبون ذلك، إلى مساعي حركة “عصائب أهل الحق” لخلافة الفياض، والحصول على منصب رئاسة الهيئة، مستبعدين أي سبب يتعلق بلقاء السياسي (المعارض سابقا) علي حاتم السليمان.
وأجرى فالح الفياض، في الأول من آذار مارس الجاري، زيارة إلى محافظة الأنبار للاطلاع على قطعات الحشد الشعبي، كما التقى بعدد من شيوخ العشائر ووجهاء ومسؤولي المحافظة ومن بينهم علي حاتم سليمان، وهو ما أثار موجة من استنكار من قبل العديد من الفصائل المسلحة وفي مقدمتها حركة عصائب أهل الحق.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد علاء مصطفى، خلال حديث لـه، إن “الأزمة ما بين حركة عصائب أهل الحق ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، ليس له علاقة بزيارة الأخير إلى الأنبار ولقاءه بعلي حاتم سليمان، رغم أن الزيارة كشفت ما خلف الكواليس وأظهرته إلى الواقع وللعلن”.
ويضيف مصطفى، “الخلاف ما بين العصائب والفياض قديم، وهذا ما كشفته التصريحات التي صدرت من نواب حركة العصائب وآخرها أمين عام الحركة قيس الخزعلي، وأن الفيصل بنهاية هذا الخلاف هو السوداني، وهو الآن واقع بين رأيين، الأول تمثله حركة العصائب، من أن رئاسة الحشد لا تحتاج إلى شخصية سياسية، وأن تكليف الفياض جاء بظروف غير مستقرة، وأن المؤسسة يجب أن تبعتد عن الملف السياسي، ليكون رئيسها من الشخصيات العسكرية، كما تركز العصائب على شرط العمر، حيث أن الفياض يجب أن يخضع لسن التقاعد القانوني”.
ويبين أن “الرأي الثاني، وهو أن الحشد الشعبي مؤسسة ضخمة جدا وهناك ملفات كبيرة على عاتقها، وهناك تواصل مع أكثر من طرف، وتماس جغرافي مع إقليم كردستان وتركيا وسوريا، وهناك أيضا الحشد العشائري، وحشد العتبات وحشد الأقليات، وهذه الأمور تتطلب شخصية سياسية عميقة، تتمكن من الفصل بين كل هذه التداخلات، وبالتالي يمكنها المضي دون أي نزاعات وصراعات”.
ويؤكد أستاذ العلوم السياسية أن “الخلاف بين العصائب والفياض شائك جدا، ونستبعد ذهاب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، نحو طرف معين فيه، بل أن السوداني سيبقي الموضوع معلقا”، مرجحا “حدوث تغيير في رئاسة هيئة الحشد الشعبي، بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، فالسوداني حاليا لا يرغب بالاصطفاف مع أي طرف أو الوقوف مع جهة ضد أخرى”.
وكان الأمين العام لعصائب أهل الحق قيس الخزعلي، قد دعا يوم أمس الأول الأربعاء، رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض لـ”الاستقالة من هيئة الحشد الشعبي لتجاوزه السن القانونية، واستمراره بالعمل السياسي”، فيما شدد على أنه “ليس من الصحيح زج الحشد الشعبي بالعمل السياسي، وإنما بالأمور الأمنية فقط”.
والسبت الماضي، هاجمت كتلة الصادقون النيابية الجناح السياسي لعصائب أهل الحق، رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، بعد لقائه علي حاتم السليمان.
بدوره، يشير رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، خلال حديث لـه إلى أن “الخلاف الذي ظهر للعلن ما بين رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض وحركة عصائب أهل الحق، هو جزء من عملية محاولة تمدد العصائب داخل مؤسسات الدولة المختلفة، خاصة وأن هذا الموضوع ليس بالجديد، فهو يمتد إلى جذور في الحكومات السابقة منذ حكومة عادل عبد المهدي، فكان هناك طموح للعصائب بالسيطرة على هيئة الحشد الشعبي”.
ويضيف الشمري، “في ظل التحالف ما بين حركة عصائب أهل الحق ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، على مستوى دعم ترشيحه ودعم حكومته، والذهاب نحو تحالف سياسي فيما بينهم للانتخابات المقبلة، فهنا تجد العصائب بأن الفرصة سانحة لإزاحة وإقصاء فالح الفياض، من جانب كمنافس ومن جانب كإشراف على هيئة الحشد الشعبي والفصائل المسلحة بشكل كامل”.
ويلفت إلى أن “هيئة الحشد الشعبي تمثل صوتا انتخابيا وبطاقة انتخابية ناجحة، لذا فإن حديث العصائب عن وجود نية لتغيير فالح الفياض، خاصة وأن تصريحات زعيم العصائب قيس الخزعلي، في العلن ضد الفياض، لم تأت من فراغ، بل تدل على أن الأمور وصلت نقطة الإجراء الفعلي”.
ويرى أن “الأمر لن تكون له تداعيات كبيرة جدا، لكن بقية الفصائل قد لا تسمح للعصائب بأن تأخذ رئاسة هيئة الحشد الشعبي، فهناك حسابات، وإذا ما نجحت العصائب بعزل الفياض وكسبت المعركة، فإن معركة الحصول على المنصب ستكون أصعب بكثير”.
يشار إلى أن الخلافات بين أطراف الإطار التنسيقي الذي شكل الحكومة الحالية، بدأت منذ ترشيح محمد شياع السوداني لرئاستها إلا أنها كانت محدودة، وعند تشكيل الكابينة الوزارية توسعت بسبب تقاسم المناصب، ثم اشتدت قبيل انتخابات مجالس المحافظات لتنقسم القوى بعدة تحالفات انتخابية، حيث انضوت عدة قوى منها العصائب وتحالف أجيال بزعامة محمد سعدون السوداني ضمن تحالف نبني بزعامة هادي العامري، فيما شارك كل من ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وتيار الحكمة الوطني بزعامة عمار الحكيم، وتحالف النصر بزعامة حيدر العبادي، منفردين في الانتخابات.
إلى ذلك، يشدد الباحث في الشأن السياسي المقيم في واشنطن نزار حيدر، خلال حديث لـه، على أن “هناك خطآن عظيمان يرتكبهما الساسة فيما يخص المؤسسة العسكرية والأمنية والدستورية والقانونية للدولة؛ الأول أن يكون على رأس أي عنوان من عناوينها حزبيا ينتمي إلى تيار سياسي، فذلك يزجها بالصراعات السياسية ومنها الصراع على السلطة من خلال زجها بالعملية الانتخابية سواء بالترشيح المباشر أو بالدعم المالي والمعنوي، ولذلك حرم الدستور كل ذلك وجرم القانون مثل هذا الفعل بشكل قاطع، فما بالك إذا كان هذا العنوان الدستوري والقانوني هو هيئة الحشد الشعبي التي يجري الآن الصراع على رئاستها بين عدد من قادة الفصائل، وذلك يعرضها لخطر كبير قد يجر العراق إلى منزلق لا يحمد عقباه”.
ويشخص الخطأ الثاني بأنه “يحتفظ كل فصيل مسلح يتم دمجه بالمؤسسة العسكرية بكامل تشكيلاته منفصلا، فذلك يساعد على تقسيم الولاءات ولا يوحدها، وهذا الخطر يظهر على وجه التحديد عندما تتصاعد الصراعات بين زعماء هذه الفصائل وكذلك بين الزعامات السياسية التي تنتمي إليها الفصائل، فسرعان ما ينتقل الصراع إلى داخل المؤسسة العسكرية التي هي بالأساس تمتلك القابلية على الانقسام بسبب تعدد الولاءات”.
ويتساءل حيدر “لا أدري إن كان القائد العام للقوات المسلحة يعي ما صرح به قبل يومين عندما دعا بقية الفصائل المسلحة، إما إلى تفكيك نفسها وتسليم سلاحها للدولة أو أن يتم دمج عناصرها في المؤسسة العسكرية وتحديدا في هيئة الحشد، وهو تصريح مهم جدا بكل تاكيد، لكن السؤال؛ مدى قدرة السوداني على تطبيق ذلك، فهذا يحتاج إلى مواجهة حاسمة وحازمة أشك بأنه يمتلكها في ظل الظروف الحالية، حيث يتآمر عليه عدد لا بأس به من الزعامات السياسية وتحديدا من زعامات الإطار”.
ويرجح الباحث في الشأن السياسي “لا أظن أن السوداني سيخطئ ويسلم رئاسة الحشد إلى أي من الفصائل وزعاماتها، لأنه يعرف جيدا أن مثل هذا القرار سيضع الهيئة على كف عفريت والبلاد على حافة الهاوية، فضلا عن انه سيدفعها للابتعاد عن سلطته كقائد عام للقوات المسلحة”.
ويختم بالقول إن “رئيس الهيئة فالح الفياض ارتكب خطأ كبيرا بزيارته الأخيرة للأنبار، وهي التي أثارت كل هذه الأزمات بينه وبين من يتصيد له الأخطاء والعثرات لإقالته والاستحواذ على منصبه، لكن ذلك ليس مسوغا لوضع الهيئة في مهب الريح وزجها في الصراعات السياسية التي يتحمل المسؤولية الكبرى فيها الفياض نفسه عندما زج الهيئة بالعملية السياسية والانتخابية من خلال تبنيه قائمة معينة تخوض الانتخابات في كل مرة وهو الأمر الذي يحرمه الدستور وقانون الهيئة”.