29 Oct
29Oct

تنذر الأحداث في غزة بعد محاولة الاجتياح البري الإسرائيلي، بتفجّر الأوضاع الأمنية والسياسية في المنطقة، وفيما حذر مراقب من تطاير شرر الصراع إلى جميع الدول العربية، نوه إلى فجوة بدأت تتسع بين المواقف الرسمية للدول العربية والحراك الشعبي فيها.

وفي العراق، يبدو الارتباك سيّد الموقف، فالموقف الرسمي يشهد انقساما وفقدانا للبوصلة بين الحكومة والفصائل التي شكلتها، ريما ظهرت صورته بشكل جلي في تصرف الوفد العراقي داخل الأمم المتحدة خلال التصويت علي مشروع قرار الهدنة، ومع تهديد زعيم التيار الصدري داخلياً بغلق السفارة الأمريكية، يحذر مقرب من الإطار التنسيقي من أن تصاعد الأوضاع في غزة، سيقابله تصعيد مباشر ضد القواعد العسكرية الأمريكية في العراق.

ويقول المحلل السياسي الأردني حازم عياد، خلال حديث لـه إن "الهجوم البري الإسرائيلي مثّل خطوة جديدة نحو التصعيد في المنطقة، وهو يعني أن لا نية لإسرائيل وحلفائها الغربيين بالذهاب نحو وقف إطلاق النار، وهو الطريقة الوحيدة لخفض التصعيد وإبعاد المنطقة عن مواجهة إقليمية أوسع تلقي بظلالها على المنطقة".

ويضيف عياد، أن "هذا التصعيد سيؤدي في الجانب الأمني إلى ديناميكيات يصعب التحكم بها قد تؤدي إلى توسع الصراع وتنقّله في المناطق الإقليمية، ولاحظنا في الأيام الأخيرة هناك هجمات صاروخية وانفجارات حدثت في مصر، وكان هناك قصف قريب من الأراضي الأردنية، وهذا يعني أن الصراع تتطاير شرره في المحيط الإقليمي".

ويتابع أن "العملية البرية الإسرائيلية نقلة تضع المنطقة في حالة اللا استقرار وإمكانية تفجر المشهد الإنساني والسياسي"، لافتا إلى أن "موقف الأردن كان واضحا من خلال حديث وزير الخارجية الأردني الذي أكد أن العملية البرية الإسرائيلية تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة ويتزامن ذلك مع قرار أممي في الجمعية العامة".

ويصف عياد، القرار في الأمم المتحدة، بأنه "جاء ذرا للرماد في العيون، وهروبا للأمام بالنسبة للدول العربية من القيام بما عليها من واجبات تتعلق بقطع العلاقات مع إسرائيل والضغط على الولايات المتحدة الأمريكية ووقف كافة التعاون والتبادل التجاري والتنسيق الأمني معها ومع وشركائها"، مشيرا إلى أن "القرار كان محل خلاف أيضا، لأنه يتحدث عن حل الدولتين، فالدول العربية والإسلامية لا تعترف بإسرائيل حتى تعترف بأن هناك حلا يسمى بحل الدولتين".

ويتحدث المحلل السياسي الأردني، عن أن "الحراك الشعبي في المنطقة قد يتطور ويتخذ مسارات متعددة لاسيما أن الخطاب الرسمي العربي بدأ يتهاوى، فلم يعد مقبولا التمسك بالمواقف ذاتها التي تجاوزتها الأحداث نتيجة المجازر الإسرائيلية ونتيجة العملية البرية"، مؤكدا أن "الدول العربية باتت مطالبة بمواقف جدية، وهو الأمر الذي تجد بعض الدول صعوبة في اللجوء إليها، ما يولد فجوة مع الشارع ويؤدي إلى اتخاذها موقف صدامي مع الولايات المتحدة أو مع الشارع العربي وهذه بحد ذاتها أزمات أخرى تتفجر".

ولليوم الثاني والعشرين على التوالي واصلت القوات الإسرائيلية قصفها الجوي والبحري والمدفعي على جميع مناطق قطاع غزة، وسبق الهجوم انقطاع كامل للإنترنت والاتصالات عن القطاع، وتحدثت أنباء عن فشل هجوم بري نفذته إسرائيل.

وبعد ارتفاع حدة الصراع بين إسرائيل وحركة حماس واتساع رقعة الحرب، تبرز الخشية من أن تغرق منطقة الشرق الأوسط في حرب أوسع، طويلة الأمد، وفي العراق تصاعدت سريعا عمليات استهداف القواعد الأمريكية، وتزامن ذلك مع تحريك زعيم التيار الصدري لأنصاره نحو الحدود العراقية الأردنية، كما تأججت الأوضاع إقليميا بعد دخول إيران وحزب الله في لبنان إلى جانب دخول الحوثيين في اليمن على خط الأزمة.

من جانبه، يبين رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، خلال حديث لـه أن "الموقف العراقي تجاه الحرب في غزة يشهد انقساما بالموقف الرسمي، وبرز هذا الاختلاف بين موقف رئيس الحكومة محمد شياع السوداني الذي يدفع باتجاه الحوار واستمرار العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، بمقابل حلفائه الفصائل المسلحة الذين شكلوا الحكومة وهم ركن أساسي فيها الذين ينطلقون الآن لاستهداف مصالح الولايات المتحدة الأمريكية ويعارضون الحلول الدبلوماسية باتجاه الاشتراك في الحرب".

ويضيف الشمري، أن "الموقف الرسمي مرتبك بشكل كبير جدا، ولا يمكن تحديد ماهيته، فهل ينسجم السوداني مع حلفائه في الحكومة أم سيختلف معهم، لاسيما أن الارتباك في الموقف بدا واضحاً من خلال تصويت العراق داخل الأمم المتحدة بشأن وقف إطلاق النار على غزة، واعتقد أن هذا التصويت لا يعكس حالة الانقسام فحسب، بل يعكس عدم القدرة على تحديد بوصلة العراق بشكل كامل".

ويتابع، أن "الموقف العراقي الرسمي لا يمكن التعويل عليه بشكل كبير، وما جرى في الأمم المتحدة فضيحة دبلوماسية أساءت إلى تاريخ العراق ومواقفه من القضية الفلسطينية".

وبشأن تهديد الصدريين للسفارة الأمريكية، بالتزامن مع التصعيد في غزة، يرى رئيس مركز التفكير السياسي، أن "التهديد الصدري يأتي في إطار مواقفه تجاه القضية الفلسطينية كجزء من سلسلة مواقف، وهو يتضمن رسالتين، الأولى تحفيز لحكومة السوداني على اعتبار أنها حكومة فصائل مسلحة تناهض الأمريكان ولذلك قدّم لهم تأييدا شعبيا من خلال طرح هذه الفكرة".

وبشأن الرسالة الثانية، يعتقد الشمري أن "موقف الصدر لحظة اختبار لشعارات الحكومة وداعميها من الفصائل المسلحة، هل سيمضون مع هذا المضمون أم يلقون بسلاحهم وينهون شعار مناهضة الأمريكان، ولذلك تبدو دعوة الصدر إذا لم يكن تحرك فعلي من قبل الحكومة بشأن الأحداث، ستتحول إلى سيناريو يتخذه الصدر للمطالبة باستقالة الحكومة نتيجة إخفاقاتها العديدة".

وكانت الأمم المتحدة، صوتت أمس الأول، على مشروع قرار عربي، يقضي بوقف إطلاق النار فورا في فلسطين، وبدء هدنة دائمة، لكن العراق امتنع عن التصويت على القرار، حسب لوحة التصويت التي نشرها موقع الأمم المتحدة، ما أثار لغطا كبيرا، حول سبب امتناع العراق عن التصويت لصالح القرار.

وزارة الخارجية العراقية، أعلنت في بيان سريع، أن العراق متحفظ على ما ورد في النقطة 13 من القرار، وهو "حل الدولتين"، لكونه يعني الاعتراف بإسرائيل، وبعد ذلك، قدم ممثل العراق طلبا للأمم المتحدة لتعديل التصويت، ليكون مع القرار، عازيا السبب إلى "خلل في منظومة التصويت".

وطالب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، أمس الأول الجمعة، الحكومة الاتحادية والبرلمان بالتصويت على قرار يقضي بغلق سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في العراق "نصرة" للفلسطينيين، وأكد على: ضرورة حماية أفراد السفارة الدبلوماسيين، وعدم التعرض لهم من قبل "الميليشيات الوقحة"، والتي تريد النيل من أمن العراق وسلامته، في حال التصويت على القرار، مهددا بـ: إن لم تستجب الحكومة والبرلمان، فلنا موقف آخر سنعلنه لاحقاً.

وفي هذا الشأن، يؤكد المحلل السياسي المقرب من التيار الصدري عصام حسين، خلال حديث لـه، أن "تهديد زعيم التيار بغلق السفارة الأمريكية هو تهديد حقيقي، لكنه عمل سلمي لا يرتقي إلى حمل السلاح، فالصدر شدد على حفظ سلامة الدبلوماسيين الموجودين في السفارة، وهذه الخطوة تتماشى مع القوانين الدولية التي تحمي الدبلوماسية".

ويضيف حسين، أن "الخطوة هي وسيلة ضغط على الجانب الأمريكي الذي استمرى بدعم الكيان الصهيوني الذي تعامل بوحشية مع الشعب الفلسطيني في غزة، بحجة وجود عناصر حماس، وهذه القضية تستحق الضغط على الجانب الأمريكي والتهديد بإمكانية غلق سفارته".

وحول ما إذا كان تهديد الصدر خطوة لإحراج الإطار التنسيقي، يشير إلى أن "الإطار محرج بالفعل منذ سنة بخصوص تعامله مع الأمريكان، والحرج يأتي من عملية الانقلاب من المقاومة إلى ترؤس الحكومة، فلا يخفى على الجميع أن الإطار اختلف 180 درجة بعد أن حصل على السلطة".

وكان أحد النواب جمع الأسبوع الماضي تواقيع على طرد السفيرة الأمريكية من بغداد، "احتجاجا على دعم واشنطن لتل أبيب"، غير أن مراقبين وقانونيين أكدوا عدم إمكانية طرد السفيرة الأمريكية، كون قرار البرلمان غير ملزم للحكومة، فيما أكدوا أن هذه التواقيع تهدف لإحراج نواب الإطار التنسيقي وحشرهم في "زاوية ضيقة" لا أكثر.

في المقابل، يذكر المحلل السياسي المقرب من الإطار التنسيقي كاظم الحاج، خلال حديث لـه أن "التطورات الميدانية في قطاع غزة لها انعكاسات مباشرة على موقف الفصائل في العراق، ومحور المقاومة بصورة عامة، وقد تتمثل المواقف بالتحرك العسكري تجاه القواعد الأمريكية الموجودة على الأراضي العراقية وخارجها، واستهداف تلك القواعد بمسيرات وصواريخ، والموقف الآخر هو موقف الصدر الخاص بغلق السفارة الأمريكية، وكذلك محاولة أن يكون هناك موقف حكومي رسمي مؤيد للموقف الشعبي والمرجعي تجاه القضية الفلسطينية".

ويضيف الحاج: "في حال تطور الأمر إلى أن يكون هناك اجتياح بري فعلي وليس دعائيا لقطاع غزة، أعتقد أن فصائل المقاومة تنتقل إلى مرحلة أخرى باستهداف المصالح الأمريكية العسكرية"، مشيرا إلى أن "المواقف متكاملة وبعضها يكمل الآخر، لكن هناك عتب على الحكومة نتيجة بيانها الأخير تجاه فصائل المقاومة".

وبخصوص وجود ارتباك بموقف الفصائل، يشير إلى أن "موقف فصائل المقاومة واضح، وإذا راجعنا العمليات ضد القواعد الأمريكية نجد أن هناك هندسة في التوقيت واختيار الأهداف، لكن هناك ممن يتواجد داخل الإطار التنسيقي يتخذ شكل المقاومة الفكرية وهناك ممن يؤمن بالمقاومة الفعلية التي تستهدف القوات الأمريكية".

وشهد العراق تطورات سريعة إثر الحرب الدائرة في غزة، تمثلت بعودة التصعيد والتوتر بين بغداد وواشنطن، حيث بدأت الأخيرة بسحب موظفيها الدبلوماسيين بعد تصاعد عمليات استهداف قواعدها العسكرية، فضلا عن تغيير بعض شركات الطيران المدني لمساراتها الجوية فوق محافظة الأنبار لأسباب تتعلق بكثافة الطيران العسكري الأمريكي، فيما حاول رئيس الحكومة احتواء الأزمة عبر إصدار بيانات إدانة وتوعد بالاعتقال وإجراء اتصالات مكثفة مع واشنطن.

وأجرى رئيس الحكومة الأسبوع الماضي، اتصالين هاتفيين مع وزيري الخارجية والدفاع الأمريكيين، وفيه جدد التزام الحكومة باتفاقية الإطار الاستراتيجي المبرمة بين بغداد وواشنطن، في جميع المجالات وتعزيز شراكتهما، كما ناقش تواجد المستشارين العسكريين وطواقم التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب في العراق، وأكد التزام العراق بحماية المستشارين العسكريين والبعثات الدبلوماسية.

يذكر أن حركة النجباء، وهي إحدى الفصائل المسلحة في العراق، أصدرت بيانا عبرت فيه عن "أسفها" من بيان الحكومة العراقية، والذي "يصف فيه القواعد العسكرية التي تضم القوات الأمريكية العسكرية المحتلة بقولهم بانها (قواعد) عراقية تضم مقرات مستشاري التحالف الدولي الموجودين بالعراق بدعوة رسمية من الحكومة"، حسب بيانها، مؤكدة أيضا أن: الوقوف في طريق المقاومة أو في طريق إخراج المحتل بأية وسيلة من الوسائل هو من يمثل مخالفة القانون والشرع والقيم والمبادئ الوطنية.

وبالإضافة إلى النجباء، فإن حركة سيد الشهداء، أصدرت بيانا هي الأخرى، على لسان المتحدث باسمها كاظم الفرطوسي، وأكد فيه: لدينا قرار باستهداف تلك القوات في حال حدوث تدخل أميركي مباشر في الشؤون الداخلية للعراق، ومع ذلك، فأن الحركة لم تشارك بعد في هجمات محددة على تلك القواعد.. لكننا لا نستنكر الضربات إذا كانت من تنفيذ فصائل عراقية لأهداف دقيقة".

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة