18 Jul
18Jul

مرّت الساعات الماضية بقلق وتوتر، بعد أن أقدم أنصار التيار الصدري على اقتحام مقار حزب الدعوة في بعض المحافظات، في خطوة تم تفسيرها محاولة من التيار للعودة إلى المشهد السياسي، بعيداً عن أسباب الاقتحام، إلا أن الأخير نفى ذلك، وسط تحذيرات من تداعيات خطيرة يمكن أن تصل لصدام مسلح.

ويقول المحلل السياسي المقرّب من الإطار التنسيقي عماد المسافر، إن "وسائل التواصل الاجتماعي، تشهد بين فترة وأخرى تراشقات بين مدوني التيار الصدري والإطار التنسيقي، وتصل لمرحلة تبادل الاتهامات، لكن هذه جميعها لا تصدر من القادة في الطرفين".

ويلمح المسافر، إلى أن ما جرى محاولة من التيار للعودة إلى العملية السياسية، إذ يبين أن "العملية السياسية في العراق ليست حكرا على أي جهة دون أخرى، والتيار الصدري فاعل أساسي بقواعد العملية السياسية، وإذا كانت لديه الرغبة للمشاركة في الانتخابات المقبلة ومجمل العمل السياسي، فالأمر متاح له، ولا توجد أي قيود عليهم إلا القيود التي يضعها زعيم التيار مقتدى الصدر".

يذكر أن رئيس الكتلة الصدرية السابق حسن العذاري، نشر في ساعة متأخرة من ليلة السبت، منشورا أشار فيه إلى وجود و"بصورة ملفتة للنظر مقاطع ومنشورات في مواقع التواصل الاجتماعي تسيء إلى سمعة وسيرة سيدنا الشهيد محمد الصدر (قدس سره) وتتهمه بالعلاقة من نظام البعث المقبور، ويبدو أن ذلك يتمّ من خلال حملة إعلامية منظمة تقودها بعض الجهات الإطارية كحزب الدعوة.. وسط سكوت من العصائب.. وإذا كانت الجهات المذكورة بصدد إثبات براءتها من ذلك فعليهم تشريع قانون يجرّم إتّهام السيد الشهيد ومرجعيته الناطقة والإساءة إليه بالشتم والسبّ والتعدّي على سيرته المباركة مع حفظ حقّ النقاش والنقد البنّاء".

وسرعان ما أثار هذا المنشور ردود أفعال غاضبة، حيث أقدم أنصار الصدر على مهاجمة مكاتب حزب الدعوة جناح رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وأغلقوا الكثير منها في بعض محافظات الوسط والجنوب، كما مزقوا صور المالكي وأحرقوها، فضلا عن هتافهم بنداءات تؤيد الصدر خلال عملية اقتحام مقار الحزب.

أول رد على ما جرى، صدر من حركة عصائب أهل الحق وعلى لسان القيادي فيها جواد الطليباوي، حيث أكد يوم أمس، أنه لـ"الحدّ من هذه التجاوزات المسيئة، ومحاسبة مرتكبيها، نطالب السلطات العراقية التشريعية، بتشريع قانون يمنع الإساءة لمراجعنا العظام (قدّس الله أسرار الماضين وأدام الله ظلّ الباقين)، فهم صمّام أمان الأُمة، وعنوان فخرها ومجدها وشرفها".

ومن ثم صدر بيان حزب الدعوة، وفيه حذر من "فتنة عمياء" في هذه المرحلة العصيبة، داعيا الجميع إلى إجهاض مخططات الفتنة بالمزيد من اليقظة والحكمة والحرص على الدماء والأرواح وهذا ما نعهده لدى كل القوى المخلصة، بعد أن أبدى استغرابه الشديد من اتهام الدعوة بالإساءة للمرجع الصدر الثاني، كما دعا مجلس النواب إلى تشريع قانون يرفض المساس بمراجع الدين العظام الشهداء منهم والأحياء انسجاما مع الدستور، فيما أشار إلى أنه يجب أن لا يتحول الخلاف أو التنافس السياسي إلى معارك تزج فيها أسماء كريمة وهي أسمى من ذلك، حسب نص البيان.

بالمقابل، فإن المحلل السياسي المقرب من التيار الصدري عصام حسين، يبين أن "التيار الصدري لا يريد أي تصعيد في الشارع أو في أي مكان آخر، والتصعيد جاء من قبل حزب الدعوة جناح المالكي، عبر اتهام الصدريين والصدر الأول بالقرب من البعث، وهو أمر مستغرب وعجيب".

ويلفت حسين، إلى أن "حراك التيار الصدري لإغلاق مقار حزب الدعوة، ليس تصعيدا من أجل العودة للعمل السياسي، فالتيار ليس بحاجة إلى ذلك، إذ أن جمهوره موجود وجاهز لخوض أي انتخابات، وسيحصل الصدريون أعلى المقاعد كحال كل دورة انتخابية".

ويشدد على نفيه بربط الحراك في قضية الانتخابات المحلية المقبلة، بالقول "العقلية الإطارية وعقيلة حزب الدعوة ترى أن أي حراك للصدريين في الشارع هدفه العودة للمشهد السياسي، وهذا غير صحيح، فهذه العقيلة لا تفكر إلا بالسياسة والعمل التجاري، ولذا فإنهم مرعوبون من أي حراك شعبي قد يكون سبباً في إزاحتهم خلال المرحلة المقبلة".

زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، أصدر من جانبه بيانا على لسان الناطق باسمه صالح محمد العراقي، وأكد "اطّلعت على بيان الأخوة في (حزب الدعوة) بعيداً عن توجّهات كبيرهم وبعيداً عن ميليشيات مواقع التواصل الاجتماعي كحركة (بشائر الشر)، فشكراً لتجاوبهم مع مطلبنا بسنّ قانون يجرّم التعدّي على العلماء بغير وجه حقّ.. وما حدث في الأمس إنما هي حركة عاطفية صدرية عفوية بل هي ثورية لإيقاف التعدّي على العلماء بعد دفاعهم عن القرآن ونبذ الفاحشة".

المالكي، وبعد هذا اللغط أصدر إجابة على أسئلة وجهت له بشأن الإساءة للصدر الثاني، أبدى فيها استغرابه من توجيه التيار الصدري لاسيما بعض قياداتهم اتهاما لحزب الدعوة الإسلامية وائتلاف دولة القانون بالإساءة إلى محمد صادق الصدر، فيما بين أن ما تبع الاتهام من اعتداءات على مقرات حزب الدعوة هي ممارسات مؤسفة أثلجت قلوب أعداء العراق وأعداء المدرسة الصدرية، داعيا الحكومة والجهات المعنية القيام بواجباتها في حماية مقرات الأحزاب السياسية ومنع اي اعتداء من شأنه تعكير أجواء الاستقرار.

إلى ذلك، يرى رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، أن "احتجاج أنصار التيار الصدري في عدد من المحافظات ضد حزب الدعوة وبالتحديد جناح المالكي وإغلاق مقاره، يوحي بوجود إمكانية لتحول هذا الاحتجاج إلى مواجهة بين أنصار الطرفين، وقد تتسع بسبب عدم وجود تدخل وطني يؤدي إلى التهدئة".

ويؤكد فيصل، أن "هناك ضرورة لتجنب الإساءة للرموز الدينية، فنحن مع وجود قانون تجريم أي إساءة للرموز الدينية والتاريخية الدينية والفكرية وغيرها، لضمان عدم حصول أي ردود أفعال استفزازية قد تؤدي إلى مواجهات مسلحة، خصوصاً مع وجود السلاح المنفلت خارج سيطرة الدولة".

ويشير إلى أن "تظاهرات التيار الصدري الشعبية بين حين وآخر، لا تخلو بكل تأكيد من الرسائل السياسية، أو قرب العودة للمجال السياسي، خصوصاً مع قرب موعد انتخابات مجالس المحافظات، وهذا السبب خلف هذه الأحداث، فالصدر يريد بيان قوة جمهوره بين فترة وأخرى".

ويعود الخلاف بين الصدر والمالكي إلى 2007 عندما انسحب وزراء التيار الصدري احتجاجا على رفض المالكي تحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية من البلاد، الأمر الذي قلل المالكي من تأثيره.

واشتد الخلاف بعد عام واحد فقط عندما أطلق المالكي خلال ترؤسه الحكومة الأولى له، عملية عسكرية واسعة في البصرة ومحافظات جنوبية أخرى سميت "صولة الفرسان"، جرى خلالها قتل واعتقال المئات من عناصر "التيار الصدري" خلال مواجهات واسعة استمرت عدة أسابيع، وكانت تحت عنوان ضبط الأمن وسيادة القانون في تلك المناطق، لكن مراقبين أكدوا أنّ صراع النفوذ كان هو المحرك الأول لتلك العمليات آنذاك.

واستمرت الخلافات بين الطرفين، وبعد سقوط الموصل ومدن عراقية أخرى بيد داعش عام 2014 وجه الصدريون اتهامات للمالكي بالتسبب بسيطرة التنظيم الإرهابي على ثلث الأراضي العراقية، وكان الصدر آنذاك من المؤيدين لتولي حيدر العبادي رئاسة الحكومة التي تشكلت عام 2014، ما أثار غضب المالكي الذي كان يبحث عن ولاية ثالثة.

من جانبه، يؤكد الباحث في الشأن السياسي محمد علي الحكيم، أن "بيان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، كان فيه تصعيد كبير ضد زعيم حزب الدعوة نوري المالكي، وهذا التصعيد ربما يدفع إلى الفتنة، خصوصاً أن الداخل العراقي لا يتحمل أي بيانات مثيرة للقلق".

ويستطرد الحكيم، أن "هناك أطرافا داخلية وخارجية تستغل أي خلاف يحصل ما بين الأطراف السياسية، خصوصاً الكبيرة منها، من أجل إثارة الفتن واستغلال الوضع لتمرير بعض المخططات"، مضيفا أن "هناك أنصارا لكلا الطرفين، (التيار الصدري وحزب الدعوة)، كما لديهم تطرف كبير بقضية حب قائدهم، وهذا للطرفين أيضا، بالتالي يجب الابتعاد عن أي بيانات وتصريحات تثير هؤلاء، من أجل منع نار الفتنة، التي لا ينجو منها أي أحد".

واستمر التنافر بين الجانبين حتى الانتخابات التي جرت في 10 تشرين الأول أكتوبر 2021، وشهدت الحملات الانتخابية تهديداً ووعيداً من قبل الطرفين.

وبعد الفوز الساحق للصدريين الذين حصلوا على أكثر من ضعف ما حصل عليها ائتلاف المالكي (34 مقعداً) أكد الصدر نيته تشكيل حكومة "أغلبية وطنية" لا تضم المالكي بحسب تسريبات اللقاءات التي جمعته بـ "الإطار التنسيقي" الذي يضم المالكي وقوى أخرى معترضة على نتائج الانتخابات، والتي أشارت إلى أنّ الصدر يرفض بشكل قاطع أي وجود للمالكي في الحكومة الجديدة، إلا أن الصدر وفي حزيران يونيو 2022، قال إنه قرر الانسحاب من العملية السياسية في البلاد وعدم المشاركة بأي انتخابات مقبلة حتى لا يشترك مع الساسة "الفاسدين".

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة