حزمة إجراءات جديدة أعلنت عنها الحكومة، وتهدف للسيطرة على سعر صرف الدولار، لكن هذه الحزمة لن تنتج حلولا سريعة، وفقا لخبراء بالاقتصاد، لأنها عبارة عن دراسات ومفاوضات تأخذ وقتا طويلا.
الدولار في السوق الموازي، وبحسب التوقعات، سيرتفع ولن ينخفض كما تأمل الحكومة، نظرا لعدم وجود قرارات سريعة وعاجلة للسيطرة عليه، وخاصة بقضية الاستيراد من إيران، في حين عد الخبراء الانخفاض الحالي "مؤقتا"، وأنه جاء بعد الاجتماع العراقي الأمريكي في أبو ظبي.
ويقول الخبير في الشأن المالي ناصر الكناني، خلال حديث لـه إن "الإجراءات الحكومية الجديدة للسيطرة على سعر صرف الدولار، لم تأت بأي شيء جديد، خصوصاً وأن أغلبها قيد الدراسة، بمعنى أنها لن تنفذ في المدى القريب، وهذا يؤكد استمرار التذبذب بأسعار صرف الدولار في السوق الموازي".
وكانت وكالة الأنباء الرسمية "واع"، نشرت يوم أمس الثلاثاء، نقلا عن مصدر حكومي، عن إصدار الحكومة حزمة إجراءات لمعالجة الفارق في سعر الصرف، منها: تنظيم العملية الاستيرادية وضمان دخول أكبر عدد من التجار والمستوردين لنافذة بيع العملة الأجنبية من خلال تسهيل إجراءات فتح الحساب وعمليات الإيداع وإجراءات أخرى تتعلق بإصدار هوية المستورد.
ويضيف الكناني، أن "الانخفاض الحاصل حالياً في أسعار صرف الدولار في السوق الموازي، هو مؤقت وبالتأكيد في الأيام المقبلة سوف يعاود الارتفاع، وستكون له تأثيرات كبيرة على الوضع الاقتصادي، فعدم الاستقرار يؤثر حتى على أسعار المواد في الأسواق"، مبينا أن "البنك المركزي العراقي، طيلة الفترة الماضية اتخذ إجراءات تعتبر ترقيعية وليست حلول حقيقية لأزمة الدولار".
ويلفت إلى أن "هذه الأزمة ستبقى مستمرة ومتواصلة ما دامت هناك حوالات سود مستمرة وبشكل يومي لتمويل التجارة خارج المنصة لتسديد أموال الاستيرادات من إيران وسوريا وغيرها".
كما تضمنت الحزمة: هناك مفاوضات مستمرة بين الحكومة والبنك المركزي مع الجانب الإيراني لتنظيم التجارة بين البلدين واتخاذ أفضل الخيارات في ما يخص دفع المستحقات والمبالغ والمناقشات تجرى بوتيرة جيدة، فضلا عن توجيه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بالعمل على جملة من المشاريع المهمة لضمان عدم تأثر الفئات الفقيرة والفئات المتوسطة الدخل من فارق سعر الصرف حيث تعمل وزارتا التجارة والصحة على استيراد المواد المهمة، وتوفيرها بالدينار العراقي وبأسعار مستقرة.
وتضمنت الحزمة الحكومية أيضا: العمل على مشروع (الصفقة المتكافئة) لتبادل التجارة والاستيرادات مع بعض الدول كالصين والهند، وبالعملات الخاصة بها، والحكومة تدرس حالياً انشاء منطقة حرة لاستيراد المواد، ومن ثم تسويقها للقطاع الخاص وضمان ايصالها للمستهلك وبأسعار تنافسية وبالدينار العراقي، كما تدرس الحكومة حالياً مشروع إعادة التصدير، كما وجه السوداني بتفعيل لجنة مشتركة بين الحكومة والبنك المركزي والقطاع الخاص وبإشراف مكتبه لإجراء نقاشات جادة مع الخزانة الامريكية بخصوص التحويلات من خلال نافذة بيع العملة الأجنبية.
وبعد هذه الحزمة، عقد السوداني اجتماعا مع مديري المصارف الحكومية، وفيه وجه بإعداد خطة تُقدم خلال شهر واحد، لتطوير عمل المصارف والانتقال من العمل الورقي إلى العمل الممكن، والتعامل الإلكتروني لكل فعاليات المصارف وتوسيع خدمات الدفع الإلكتروني، وأكد أن مديري المصارف سيخضعون إلى تقييم الأداء في ضوء تطبيقهم الخطة ومقدار الإنجاز.
من جهته، يبين الخبير في الشأن المصرفي أحمد التميمي، خلال حديث لـه أنه "رغم استمرار أزمة الدولار لأشهر طويلة، ما زالت الحكومة تدرس وتناقش الحلول، وهذا ما يؤكد عدم قدرتها على حل هذه الأزمة، فأين كانت طيلة الفترة الماضية، حتى الآن تفكر في الحلول".
ويلفت إلى أن "البنك المركزي خلال الفترة الماضية أعلن عن أكثر من حزمة إصلاحات وإجراءات، وهذه الحزم لم تحل أي شيء من أزمة الدولار، بل الأزمة تتفاقم يوما بعد يوم، خصوصاً مع وجود معاناة كبيرة لحصول المواطنين المسافرين على الدولار، مما يدفع الكثير إلى اللجوء للسوق الموازي".
ويرى، أن "ضبط أسعار صرف الدولار، تكون من خلال حصر التجارة الخارجية عبر المنصة حصراً، ومنع أي استيرادات خارج هذه المنصة، فالسوق الموازي ما زال يمول الاستيرادات الخارجية خارج المنصة، وهذا الأمر يتم بعلم كل الجهات الحكومية، دون وضع أي حلول له، مما يدفع إلى وجود طلب كبير في السوق الموازي، وهو ما يتسبب بارتفاع سعر الصرف".
وكان البنك المركزي العراقي اتفق مع الجانب الأمريكي، خلال اجتماع جرى في أبو ظبي بالإمارات يوم الاحد الماضي، على تعزيز رصيد مسبق لخمسة مصارف عراقية بالدولار، حيث سيتم تعزيز رصيد هذه المصارف عن طريق مصرف جي بي مورغان الأمريكي، كما تم حل المشاكل المتعلقة بالحوالات المرفوضة، وتم الاتفاق بأن يكون رفض الحوالات مستنداً لأسباب قوية، فضلا عن تعزيز بعض المصارف بعملة اليوان الصيني والروبية الهندية والدرهم الإماراتي لتمويل التجارة.
وما يزال سعر صرف الدولار في السوق المحلية، متذبذبا، حيث بلغ قبل أيام قرابة 168 ألف دينار لكل مائة دولار، قبل أن يعاود الانخفاض لنحو 162 ألف دينار لكل مائية.
وكان محافظ البنك المركزي علي العلاق، أعلن في 24 أيلول سبتمبر الماضي، عن مضيّ البنك للاستغناء عن التحويلات الخارجية "السنة القادمة" واعتماد المصارف المجازة في العراق على بنوك مراسلة في عمليات التحويل الخارجي، فيما بين أن الحوالات عن طريق البنوك المراسلة بلغت 60 بالمئة من إجمالي الحوالات (خارج المنصة الإلكترونية الخاصة بالبنك المركزي)، وأكد العلاق أن ذلك جاء بعد اتفاق بين البنك المركزي العراقي والبنك الفيدرالي الأمريكي، أسوة بدول العالم، حيث لا تمارس البنوك المركزية أعمالاً تنفيذية، ويتركز دورها في الإشراف والرقابة.
إلى ذلك، يبين الخبير الاقتصادي نبيل جبار التميمي، خلال حديث لـه، أن "الخطوات والإجراءات التي تنوي الحكومة القيام بها، وإذا طبقت بشكل حقيقي وليس مجرد حبر على ورق، فسيكون لها أثر كبير بشأن السيطرة على سعر صرف الدولار في السوق الموازي".
ويرى أن "الانخفاض الحالي في سعر صرف الدولار في السوق الموازي، هو بسبب إعلان نتائج المفاوضات العراقية الأمريكية في الإمارات، وكذلك تمكن الأجهزة الأمنية من القبض على بعض المضاربين، فهذا قلل من الطلب على الدولار، لكن يبقى هذا الانخفاض مؤقتا، وربما يرتفع سعر الصرف في قادم الأيام".
ويشير إلى أن "تطبيق الخطوات التي أعلنت عنها الحكومة، تحتاج إلى وقت طويل، فهناك قرارات وخطوات تحتاج إجراءات قانونية وفنية وغيرها، ولهذا سعر صرف الدولار في السوق الموازي، سيبقى مرتفعا عن السعر الرسمي خلال الفترة المقبلة".
يشار إلى مساعدة وزيرة الخزانة الأمريكية إلزابيث روزنبرغ، وصلت إلى بغداد في 13 أيلول سبتمبر الماضي، وعقدت اجتماعا مع محافظ البنك المركزي علي العلاق، وبحسب البيان الرسمي، فقد جرت متابعة مخرجات ونتائج الاجتماعات السابقة بين البنك المركزي العراقي من جهة، ووزارة الخزانة الأمريكية والبنك الفيدرالي الأمريكي من جهة اخرى، فضلاً عن إمكانية تقديم الدعم الفني في مجال تمويل التجارة الخارجية عبر القنوات المصرفية الرصينية بآلياتٍ تُمكّن تمويل التجارة الخارجية المشروعة، بعملات مختلفة منها اليورو، اليوان الصيني، والدرهم الإماراتي، وكذلك تنظيم حركة التجارة مع تركيا.
وكشفت تقارير سابقة عن أساليب تهريب العملة واستمرارها، على الرغم من الضوابط على المصارف، ويتم عبر حقائب تنقل برا إلى تركيا وإيران، بعد سحب الدولار من السوق المحلية وليس عبر نافذة بيع الدولار الرسمية، وأطلق عليها متخصصون آنذاك بـ"الحوالات السود".