12 May
12May

يبدو عقيل الكواز (38 عاما) غارقا في الطين، وهو يعمل في ورشته المخصصة لصناعة الفخاريات في بابل (نحو 100 كيلومتر جنوب بغداد)، إذ ينهمك بتدوير عجينة طينية، صانعا منها دلوا كبيرا وهو ما يسميه العراقيون (الكوز) أو الحِب (بكسر الحاء)، وهو وعاء فخاري كبير لتبريد الماء وشربه.
ورغم الحداثة والتطور في وسائل الشرب والتبريد، ما زال الكوز أو الحب محافظا على تقاليده لدى أهالي بابل الذين يصدرونه إلى الأسواق في المحافظة وخارجها.
يقول الكواز، في حديث لـه “عملت طويلا في هذه المهنة التي ورثتها عن خالي المرحوم ظاهر الكواز، مذ كان عمري آنذاك ما يقارب الـ12 عاما”.
وتكون صناعة بعض الفخاريات على مراحل، والبعض الآخر يكون بمرحلة واحدة، كما يشير الكواز الذي يؤكد أن “الحب او الكوز تكون مدة صناعة أطول من باقي الفخاريات حيث تستغرق ثلاثة أيام تقريبا، أما عمل الفخاريات الصغيرة فتكون بيوم واحد”، لافتا إلى أن “مدة الصناعة تختلف من قطعة إلى أخرى حسب حجم الفخار المراد صناعته”.
“نقوم بشراء الطين الذي نعمل منه تنور الفخار من منطقة النهروان في محافظة بغداد”، يردف الرجل الثلاثيني، مشيرا إلى أن “موسم الشراء يتركز في يوم الأحد الأول من شهر شعبان في عيد زكريا”.
ويذكر أن “أهم الفخاريات التي تجد إقبالا على شرائها حاليا، هي السنادين، والحب، والتنكة، وتنور الطين، كما أن منتجاتنا نصدرها حاليا لمحافظة بابل وباقي المحافظات”، لكنه يردف بحسرة أن “هذه المهنة تأثرت في الآونة الأخيرة، بسبب الفخاريات المستوردة التي أثرت على أسعارها”.
وتتراوح أسعار الفخاريات بحسم حجمها ونوعها، من 5 آلاف دينار حتى 300 ألف، بحسب الكواز.
وأدى فتح الحدود العراقية أمام الاستيراد من دون ضوابط إلى اندثار العديد من المهن والحرف اليدوية والصناعية وتسبب بغلق آلاف المصانع والمعامل العراقية وخلق أزمة كبيرة في فرص العمل، ووفقا لإحصائية أجرتها شركة statista الألمانية المتخصصة في بيانات السوق والمستهلكين بالعالم، لمعدلات البطالة في العراق من العام 2003 ولغاية العام 2022، مبينة أنه في عام 2003 بلغ معدل البطالة 8.85 بالمئة، ثم استمر بالانخفاض خلال السنوات اللاحقة ليسجل في عام 2012 أقل معدل للبطالة طيلة 20 عاما بمعدل 7.96 بالمئة، ثم بدأ بالارتفاع مرة أخرى ليسجل في عام 2020 معدل 15.11 بالمئة.
ويطلق على عامل الفخار في العراق “الكوّاز”، وصناعة الفخار هي من المهن اليدوية البسيطة التي لا تعتمد على المكائن، وعادت هذه الصناعة العتيقة للانتعاش مجدداً بعد فترة من التراجع باعتبارها أكثر أماناً من الناحية البيئية والصحية من القناني والأواني البلاستيكية والمعدنية.
من جانبه، يؤكد محمد علي، (35 عاما)، صاحب محل فخاريات في بابل، خلال حديث لـه، أن “المهنة صناعة الفخار مهنة جميلة ولها تاريخ كبير، ولكن شراء الفخاريات والإقبال عليها ليس بالمستوى المطلوب، ويكون في مواسم معينة، وليس على مدار العام”.
بحسب علي، فإن أهم موسمين للبيع هو “موسم إحياء طقوس زكريا، والموسم الآخر هو موسم الربيع، الذي يكون فيه إقبال على الفخاريات والسنادين من أجل زرع النباتات فيها”.
كما لا ينسى البائع، “موسم الصيف الذي يكون فيه إقبال على شراء الحب أو الكوز، وكذلك هناك مبيعات للسياح الذين يزورون المحافظة في المهرجانات وغيرها من المناسبات”.
وعن أسعار الفخاريات، أكد أنها “متفاوتة في ما بينها وتكون من 5 آلاف دينار، بالنسبة للفخاريات الصغيرة، أما الكبيرة مثل الحب فتتراوح أسعارها حسب الحجم من 20 ألفاً الى 30 ألف دينار، كما أن نسبة الأرباح في هذه المهنة بسيطة جدا، ولكن ثمة من يعتبر اقتناء وبيع الفخاريات هواية في هذا المجال، لذا فإن أغلب أصحاب المحال تكون لديهم مهنة أخرى غير هذه الهواية، لأنها غير كافية ولا تسد حاجتهم”.
وصناعة الفخار هي حرفة شعبية يعود تأريخها إلى الحضارة السومرية، كما بيّنت أعمال التنقيب عن الآثار في حضارة وادي الرافدين، وهي عمليّة يتمّ فيها تشكيل الطين وتحويله إلى أشكال ومجسّمات عدّة، وذلك بعد حرقه وتجفيفه، ولقد حضر البشر، الفخّار منذ القدم، يدوياً، وكان يتمّ تجفيفه في الشمس والهواء.
ومع مرور الزمن، تمّ إنشاء الأفران لحرق الطين والتخلّص من الماء، أمّا السلعة الوحيدة التي ما زالت الأكثر قدرة على البقاء في العراق هي موقد الخبز (التنور) المصنوع من الطين، إذ تنتشر صناعته في البيوت لاسيما في القرى والأرياف.
وعلى الرغم من عزوف الكثيرين عن شراء الفخاريات، لكن فاطمة أحمد التي تقيم في أمريكا منذ 25 عاما، مازالت تحتفظ بها كتراث عراقي يذكرها ببلدها، إذ تقول ، “عند كل زيارة إلى العراق اقتني بعض القطع الفخارية التي يسهل حملها وأخذها معي إلى هناك، حيث اعتبرها قطعا من تراث وطني”.
وتضيف أحمد، أن “اقتناء الفخاريات، شيء لطيف، بعضها أستخدمه كتحف مكتبية، كما أن القسم الآخر استخدمه في الأدوات المنزلية، وضمن مستلزمات المطبخ، إذ أنها تضيف شيئا من التراث على ديكور المكان”.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة