لم تشفَ المؤسسات الحكومية في العراق، سواء كانت أمنية أو خدمية، من ظاهرة "الفتى المدلل"، فالمقربون والخاصة ما زالوا يتغلغلون داخل الوزارات ويتسنمون المناصب العليا دون النظر في معايير المهنية والاستحقاق، وفي هذا الملف تستكشف قصة ضابط تأرجح بمناصب حساسة عديدة في وزارة الداخلية خلال ستة أشهر فقط.
ويكشف مصدر مطّلع، في حديثه لـه أن "وزير الداخلية عبد الأمير الشمري، وبعد تسنّمه منصبه أخذ يقرّب الضباط من أبناء دورته، والمنحدرين من مسقط رأسه، محافظة الديوانية وخاصته ومعارفه، مانحاً إياهم مناصب حسّاسة، وابتدأ باللواء المقرب منه فرقد العيساوي، المقال من قيادة شرطة الديوانية بسبب قمعه احتجاجات تشرين".
وكان اللواء فرقد زغير العيساوي، يشغل منصب قائد شرطة الديوانية، قبل أن يعفى من منصبه بقرار من رئيس الوزراء الأسبق عادل عبدالمهدي، في كانون الأول ديسمبر 2019، بسبب التقصير في عمله بعد قمع التظاهرات الشعبية التي شهدتها المدينة في تشرين الأول أكتوبر 2019.
ويضيف المصدر، أن "الشمري، وبعد أن جلس على كرسي الوزارة (في 27 تشرين الأول أكتوبر) مباشرة، أسند للواء العيساوي منصب معاون مدير عام الموارد البشرية في الوزارة، وفي شهر كانون الثاني الماضي، أي بعد أقل من شهرين، أسند إليه منصب مدير عام استخبارات ومكافحة الإرهاب بدلا عن اللواء باسم الشويلي، إلا أن هذا الأمر الوزاري سرعان ما ألغي بعد يومين فقط، بضغط من قبل أبو علي البصري (رئيس جهاز الأمن الوطني)، الذي أبقى على الأول (الشويلي) في منصبه".
وفي آذار مارس الذي تلاه، يكشف المصدر، أن "الوزير استحدث لهذا الضابط منصبا جديدا، وهو مساعد وكيل وزارة الداخلية لشؤون الشرطة الخاص بأفواج الطوارئ، واستمر فيه لثلاثة أشهر قبل أن يسند إليه منصب آخر، وهو مدير دائرة العمليات في وزارة الداخلية، المنصب الذي يشغله منذ 15 يوماً تقريبا حتى الآن"، لافتا إلى أن "العيساوي تسنم كل هذه المناصب خلال ستة أشهر فقط".
وكان العيساوي، قد تسنم منصب قائد شرطة الديوانية في 2016 خلفا للّواء حمزة عبد زيد، الذي يشغل منصب مدير شرطة المحافظة بالوكالة، وقضى العيساوي مدة ثلاث سنوات في المنصب قبل أن يتم إعفاؤه بأمر من رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي على خلفية تظاهرات تشرين الأول أكتوبر 2019، إذ طالب المحتجون آنذاك بإقالته بعد استعماله القوة عندما حاول فض الاحتجاجات.
وهذه ليست المرة الأولى التي ينصب فيها الشمري، مقرباً منه في مواقع مهمة، إذ كشفت مصادر أمنية رفيعة المستوى، في تقرير سابق نشر في السادس من آب أغسطس الحالي، بتكليف اللواء الركن صلاح خميس الشمري، المقرب منه، خلفا لقائد الفرقة الأولى في الشرطة الاتحادية، العميد الركن نبيل الجميلي، الذي تم حبسه بأمر الوزير بتهمة شتم "مرجعه العسكري الأعلى".
إلى ذلك، يقول الخبير في الشأن الأمني مؤيد الجحيشي، خلال حديث لـه إن "هناك بعض الضباط ممن عليهم مؤشرات كثيرة يستلمون مناصب عليا في المؤسسة الأمنية والعسكرية، وهذا بسبب التدخل السياسي بعمل تلك المؤسسات، الأمر الذي أدى إلى تراجعها بشكل كبير على مختلف الأصعدة".
ويبين الجحيشي، أن "الضغوطات والمجاملات السياسية هي ما يقف وراء تنصيب بعض الضباط في مناصب عليا مختلفة رغم وجود مؤشرات عليهم في ضعف الأداء أو حتى مؤشرات تتعلق بشبهات فساد، ورغم ذلك نجد هؤلاء في مناصب عليا مختلفة، وهذا سببه المحاصصة السياسية والمجاملات الشخصية".
ويضيف الخبير في الشأن الأمني، أن "تسلّم أيٍّ من الضباط لأي منصب عسكري أو أمني يجب أن يكون وفق المعايير المهنية، وأولها كفاءة هذا الضابط ونزاهته ومراجعة تاريخه الأمني والعسكري، وإبعاد أي من الضباط الذين تسجل بحقهم أي مؤشرات أو شبهات من أي مناصب عليا، فهذا يعني استمرار تهديم المؤسسة العسكرية والأمنية".
ويعتمد رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، كثيرا على رؤية الشمري في التغييرات الأمنية التي يراها مناسبة، بحسب مصادر مطلعة كشفت في وقت سابق.
يذكر أن عبدالأمير الشمري، هو شقيق الفريق الركن جميل الشمري، المتهم الرئيس في مجزرة جسر الزيتون في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار، والتي وقعت في 28 تشرين الثاني نوفمبر 2019، بعد أن أوكل إليه رئيس الحكومة المستقيل عادل عبد المهدي بساعات مهمة استعادة الأمن في الناصرية مركز المحافظة.
يشار إلى أن الشمري، وبعد تسمنه منصبه، ربط مديريات عدة بمكتبه الخاص وهي مديرية الشهداء والجرحى، ومديرية الرعاية الصحية لقوى الأمن الداخلي، بدلا من الضمان الصحي، التي ألغاها الوزير مؤخرا، إلى جانب المديريات المرتبطة بمكتب الوزير سابقا وهي: قيادة فرقة الرد السريع، ومديرية شؤون الأمن، ومديرية العقود، ودائرة التفتيش الإداري والمهني، ومديرية شؤون الأمن، والدائرة القانونية، ومديرية الإجازات والهويات.