تتكبّد الأسر العراقية مبالغ مالية كبيرة، لتأمين دراسة أبنائها في المدارس الأهلية أو توفير الدروس الخصوصية لهم، نتيجة استمرار تردي التعليم في المدارس الحكومية، التي تواجه مشاكل عديدة تتعلق بالمناهج والمدرسين وصولاً إلى الاكتظاظ في الفصول.
تفاقمت مشاكل الدراسة في العراق بعد الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، وشهدت تعقيدات إضافية، وفقاً لخبراء قطاع التعليم في بغداد، ممن يؤكدون أنّ ظاهرة النزوح إلى المدارس الأهلية أو الخاصة، أو ضرورة تأمين دروس خصوصية للطلاب، باتت من الضروريات في الأسر العراقية.
وتنتشر الدروس الخصوصية في البيوت أو في المعاهد، ويتولاها معلمون تابعون لوزارة التربية في معظمهم، يقدمون، خارج الدوام، الدروس للطلاب، مقابل مبالغ مالية كبيرة.
ويقول نقيب المعلمين في العراق، عباس السوداني، إن من بين أسباب انتشار التعليم الخصوصي في العراق "ضعف الدخل الشهري للمعلم، ما يدفعه للتعليم الخصوصي".
ويوضح السوداني في حديثه له أنّ "الكثير من المعلمين يبررون ممارسة التعليم الخصوصي بضعف دخلهم الشهري الذي لا يكفي لسد احتياجاتهم واحتياجات عائلاتهم". ويلفت إلى أنّ "نقابة المعلمين تقف ضد التعليم الخصوصي، فهو يخلق فوارق طبقية بين الطلاب، خصوصاً أنّ أغلب العائلات ذات دخل محدود".
ولمعالجة ملف التعليم الخصوصي، يدعو السوداني "وزارة التربية إلى فتح معاهد خاصة تكون تحت إشرافها، تستقطب الطاقات التدريسية التي اضطرت للتقاعد بسبب قانون التقاعد الجديد" لافتاً إلى أنّ "الحكومة غير مهتمة بالقطاع التربوي على الإطلاق، ولم تخصص له أموالاً في الموازنة تنتشله من واقعه المزري".
ويشير إلى أن "الحكومة لا تطبق القانون الخاص بمنحة الطلاب المالية، والتي ستسهم بشكل كبير في تخفيف معاناتهم ومعاناة أهاليهم".
محمد كاظم، لديه 4 أولاد، اضطر إلى إلحاق اثنين منهم بدورات تقوية استعداداً لاجتياز مرحلة السادس الإعدادي. كاظم موظف في المديرية العامة لصناعة السيارات، ويتقاضى راتباً قدره مليون دينار أي ما يعادل 700 دولار أميركي. يقول "أنفق قرابة 20 مليون دينار إي ما يعادل 14 ألف دولار مقابل إدخال أولادي إلى معهد خصوصي لتقوية مستواهم التعليمي، إذ إنّ المدارس الحكومية باتت لا تقدم أي فائدة للطالب" بحسب تعبيره. ويؤكد أنه رهن دخله الشهري كله من أجل تعليم أبنائه، واضطر للعمل سائق سيارة أجرة لتوفير متطلبات العيش الأخرى،لافتاً إلى أنّ "كل مادة يتلقاها أولادي في التعليم الخصوصي تصل رسومها إلى مليوني دينار".
وتُوجّه وزارة التربية المديريات كافة التابعة لها في بغداد والمحافظات، بضرورة حث المشرفين على متابعة الإدارات المدرسية للتأكيد عليهم بأخذ التعهدات من المعلمين بالامتناع عن التدريس الخصوصي، فيما تحذرهم من العقوبة التي قد تصل إلى فصلهم الوظيفي، إلا أن هذه الإجراءات لا تُطبّق على أرض الواقع.
المتحدث باسم وزارة التربية، كريم السيد، يعتبر أن القضاء على ظاهرة التدريس الخصوصي يحتاج إلى جهود كبيرة جداً، سواء على مستوى المراقبة من جهاز الإشراف أو البدء بعمل جدي وحقيقي بهذه الفترة، مع طرح برنامج حكومي يقننها.
يقول السيد إن "الوزارة كانت لديها في السنوات السابقة ضوابط صارمة بالنسبة لهذه الظاهرة، وكانت تستقبل الشكاوى التي يكون فيها ابتزاز من المعلم لطلبته، بخاصة من يفرضون دفع الأموال أو إجبار الطلبة على تلقي الدروس الخصوصية خلال الدوام الذي هم مكلفون بالأصل به". لكن السيد يلفت إلى تفاقم الظاهرة بقوله: "ربما لم تكن اللجان التحقيقية التي شكلت رغم كثرتها رادعة".