31 Mar
31Mar

يخرج جسام منصور (30 عاما)، يوميا من منزله إلى العمل في مدينة السماوة مركز محافظة المثنى، والمخاطر تحفه من كل جانب، في مهنة التوصيل السريع أو كما تعرف شعبيا بـ”الدليفري”، وكأنها أشبه برحلة موت على الطريق، حيث يصارع فيها رجال المرور بشأن ترقيم دراجته النارية، إضافة إلى مشاكله مع طلبات الزبائن التي لا تنتهي، مرورا بتحمله صعوبات الشارع والسيارات التي تتجاوز عليه وتكاد تدهسه أحيانا، ليس لسبب معين بل لمجرد أنهم لا يعيرون أي أهمية لأصحاب الدراجات النارية.
ويقول منصور، خلال حديث لـه “تخرجت من كلية الزراعة في جامعة المثنى قبل سنوات عدة، لكنني لم أجد فرصة وظيفية، فتوجهت إلى الأعمال الحرة ولم أحصل سوى على خدمات التوصيل (دليفري) التي أصبحت رائجة في مدينة السماوة بعد كثرة المطاعم والمحال التجارية والشركات الخاصة بالتوصيل السريع، التي تستقطب الكثير من الشباب العاطلين عن العمل، وتوفر لهم الفرص المناسبة ذات الرزق الحلال”.
ويضيف “هناك تعمد واضح من قبل سائقي المركبات لإلحاق الضرر بأصحاب الدراجات النارية عند سيرنا في الشارع، حيث نتعرض إلى مضايقات شديدة أحيانا تصل إلى مرحلة الاصطدام، أو لفظية كقذفنا بالكلام السيء والألفاظ النابية التي تصل إلى التجاوز على العرض والشرف”.
ويكمل “نعمل في مختلف الظروف المناخية، صيفا وشتاء، تحت أشعة الشمس أو زخات المطر، كل هذا لا يهم فمصلحة العمل أهم من سلامتنا، هكذا ينظر لنا أرباب المهنة، حيث تصل ساعات العمل إلى عشر ساعات أو 15 متواصلة دون توقف، مقابل أجر زهيد قدره 25 ألف دينار في اليوم، بضمنها المصروفات الأخرى كتعبئة رصيد الموبايل، وثمن الوقود، وتكاليف عطلات الدراجة”.
وبرزت المهنة التوصيل السريع في العراق خلال تفشي وباء كورونا في العام 2020، حيث شهدت المدن العراقية إغلاقا تاما وحظرا للتجوال فأغلقت المطاعم والأسواق والمحال أبوابها بأوامر حكومية، ما اضطر أصحابها إلى اللجوء لخدمة التوصل، ثم توسعت المهنة لتشمل ليس فقط الطعام والشراب بل أيضا الملابس والمواد المنزلية والكهربائية والتجميلية وغيرها، وأصبحت أمرا واقعا حتى بعد انتهاء الأزمة الوبائية.
بدوره يشير علي ماجد (24 عاما) وهو عامل “دليفري”، خلال حديث لـه، إلى أن “مخاطر هذه المهنة لا تقتصر على مضايقات أصحاب السيارات والحوادث المرورية وأمزجة المواطنين التي تتغير بسرعة، أو تسجيل الطلبات بشكل خاطئ، بل هناك مخاطر أمنية أيضا”.
ويوضح ماجد “ذات مرة خرجت ليلا لإيصال طلبية إلى عميل يسكن في منطقة عشائرية تقع في أطراف المحافظة، بعيدا عن أنظار القوات الأمنية، وعند وصولي إليه طوقتني مجموعة من الشباب، وانهالوا علي ضربا حتى طرحوني أرضا، وسرقوا دراجتي والمال الذي تحصلت عليه طوال اليوم”، مستدركا “لكن هذا لا يهم، فالمهم أنني نجوت بحياتي”.
يذكر أن المثنى تتميز ببعد أقضيتها عن مركز المحافظة وهو مدينة السماوة، فيما تقدر أعداد نسماتها بـ650 ألف شخص.
ويطلق على العاملين في مهنة التوصيل السريع اسم “الطيارين”، وقد جذبت آلاف الشباب في مختلف مناطق البلاد، حيث أن اتساع رقعة التسوق الإلكتروني عبر الهاتف، أسهم بشكل واضح في رواج هذه المهنة، وباتت هناك صفحات وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تروج لبضائعها من دون أن يكون لديها محل أو مقر عمل بل عبر المنزل ويتم توصيل الطلبات عبر خدمة “الدليفري”.
لكن الأمر مغاير لدى الشاب أسامة علي (21 عاما)، وهو طالب جامعي، حيث يبين خلال حديث لـه، أنه “أثناء قيامي بتوصيل إحدى الطلبيات تم اعتقالي ومصادرة دراجتي النارية من قبل شرطة المثنى، ما دفعني إلى مناشدة الخيرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي للإفراج عن دراجتي والنظر لحالي، لاسيما أنها تعتبر مصدر رزقي الوحيد”.
ويؤكد علي، أن “تعليمات وقرارات مديرية المرور العامة بخصوص تسجيل وترقيم الدرجات النارية باتت تشكل عبئا علينا وتضيق علينا في عملنا ولابد من إيجاد حل لهذه المشكلة”.
وبحسب أصحاب شركات التوصيل السريع في المثنى، فإن عملهم يكون عبر تعاقدهم مع أصحاب الصفحات الإلكترونية “البيجات” على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي أغلبها تابعة لمحال تجارية ومطاعم ومشاريع استثمارية، وفق شروط وضوابط قانونية وضعتها الجهات الحكومية، خشية استخدام هذه المهنة كوسيلة لنقل المواد الممنوعة كالمخدرات أو الأدوية والعلاجات المحظورة وغيرها.
بدوره يشرح عباس مهدي (اسم مستعار)، صاحب شركة للتوصيل السريع في مدينة السماوة، خلال حديث لـه، أن “شركتنا فيها 30 دراجة نارية لكن اثنتين منها فقط، تم ترقيمها بسبب ضعف الحالة المادية لعمالنا، فدخلهم اليومي من هذه المهنة لا يكفي لسد احتياجاتهم اليومية، وبالتالي لا يستطيعون تأمين رسوم ترقيم دراجاتهم التي تصل إلى 400 ألف دينار (نحو 280 دولارا)، إضافة إلى قلة المدة المخصصة للترقيم الموضوعة من قبل مديرية المرور في المحافظة”.
ويلفت مهدي، إلى أن “الكثير من الدراجات النارية دخلت العراق عن طريق السوق السوداء، أي بدون أوراق رسمية ثبوتية معترف بها من قبل المنافذ الحدودية، وهذه شريحة كبيرة في مجتمعنا وجميعهم من الطبقة المسحوقة من الشباب”.
يشار إلى أن بعض الزبائن عند تسلمهم طلباتهم من قبل عامل التوصيل يمتنعون عن دفع المبلغ المتفق عليه مسبقا لأسباب واهية، ما يضع العامل أمام خيارين، أما المشاجرة مع الزبون أو تحمل تسديد المبلغ من نفقته خشية طرده من قبل صاحب الشركة التي يعمل فيها.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة