يزداد الإقبال على ارتياد الحمامات الشعبية التراثية في كربلاء مع حلول أيام الأعياد والمناسبات، حيث ما تزال هذه الحمامات تحافظ على مزيج من الطراز العثماني والفارسي بالعمارة والنقوش، إلا أن العديد منها تهدمت وتم استغلالها لأغراض تجارية أو صناعية، على الرغم من أنها كانت مقصداً للإيرانيين والخليجيين وجنسيات أخرى للاستحمام في مواسم الزيارات الدينية.
وكانت كربلاء تضم 21 حماما شعبيا، اندثر معظمها مع مرور الزمن، حيث لم يتبق منها سوى اثنان، أحدهما حمام الشروفي الذي يقع في مركز مدينة كربلاء، ويبلغ عمر هذه الحمام أكثر من 100 عام، حيث تم بناؤه عام 1919 وتم الافتتاح في العام 1920.
ويقول الباحث التاريخي الكربلائي حافظ سلمان، خلال حيث لـه، إن “تاريخ هذه الحمامات يعود إلى العهد العثماني تقريبا من بداية العام 1800 حيث توجد هذه الحمامات الشعبية داخل مدينة كربلاء القديمة، واستمرت وتوسعت من حيث العدد والمساحة والخدمات”.
ويضيف “في كل حي من أحياء كربلاء كان يوجد حماما شعبيا وقد اعتاد الأهالي على ارتيادها وهناك أيام مخصصة للرجال وأخرى للنساء، إلا أن التقدم العلمي وظهور سخانات المياه المنزلية بدأت تحد من شعبية الحمامات العامة حتى اندثر الكثير منها، كما أن مواقع بعضها دخل ضمن خطط التوسع والتطور العمراني للمدينة ما يتطلب إزالتها”.
ويلفت إلى أن “رواد الحمامات الشعبية في الغالب من أهالي المنطقة بالإضافة إلى أهالي الأقضية والنواحي والأرياف الذين يقصدون مدينة كربلاء لقضاء حاجة ما، إلى جانب زوار العتبات الدينية من المحافظات الأخرى ومن خارج العراق”.
وكانت مدينة كربلاء تضم أكثر من عشرة حمامات شعبية للرجال، عمر بعضها يتجاوز القرن من الزمن، واكثرها شهرة هو حمام الشروفي، وباب الطاق، وكبسية، والنمرة في العباسية، عكَد اليهودي، ونينوى، والمخيم، والقبلة، والبغدادي.
من جانبه، يبين صاحب حمام الشروفي، علي الحسيني، خلال حديث لـه، أن “حمام الشروفي هو من أقدم الحمامات في محافظة كربلاء، وهو مشهور بالخدمات التي يقدمها إلى زبائنه من التدليك والعلاج الطبيعي، كما أنه كبير جدا لاستيعاب الأعداد الكبيرة من الزبائن في أيام الزيارات الدينية والأعياد والزواج، ولدينا زبائن عرب وأجانب”.
ويتابع “أجور الحمام بسيطة جدا فهي خمسة آلاف دينار للزبون، كما نعمل في الزيارات المليونية على زيادة عدد الكادر، بالإضافة إلى زيارة العاشر من محرم تكون الخدمة مجانية للزائرين”.
ويلفت الحسيني إلى أن “هذه الحمامات القديمة اعتاد الزبائن على ارتيادها منذ زمن طويل إذ يعود تأسيسها إلى عهد الاحتلال العثماني للعراق، حتى أن العملات التي كان الزبائن يدفعونها في ذلك العهد هي العملة التركية، ثم العملة العراقية في العهد الملكي وهكذا وصولا إلى العملة الحالية، وهناك العديد من الزبائن ما زالوا يعتزون بهذه العادات والتقاليد ويعتبرونها إرثا تاريخيا ينتقل من الآباء إلى الأبناء”.
وكانت العملة النقدية في زمن العثمانيين هي “البيزة” أو “البارة” وفي حينها يتراوح الأجر من أربع بيزات أو أكثر، وفي العهد الملكي أصبح 50 فلسا، وحالياً يصل إلى 15 ألف دينار وتتضمن الاستحمام والتدليك والمساج الذي يعتبر ظاهرة حديثة ودخيلة على الحمامات الشعبية.
من جانبه، يقول الحاج أحمد علي (67 عاما)، خلال حديث لـه، إن “هذه العادات انتقلت من الأجداد والآباء إلى الأبناء والأحفاد، حيث ان هناك عوائل تربت على هذه الطقوس والعادات، وأتذكر أنني كنت أذهب مع والدي إلى هذه الحمامات منذ القدم، كما أن والدي كان يحكي لي أنه كان يذهب مع والده إليها ويؤكد على أنها كانت جزءا من حياتهم اليومية وطقوسهم الطبيعية”.
ويضيف “هذه العادات انتقلت من جدي إلى والدي ثم لي وأنا بدوري نقلتها إلى أولادي الثلاثة، حيث بالذهاب إلى الحمامات كل يوم جمعة وهذا متعارف عليه لدى الكثير من الناس، وكذلك في الأعياد”.
يشار إلى أن الحمامات الشعبية لها طقوسها الخاصة التي تختلف عن دخول الحمام المنزلي، حيث تتضمن شراء ملابس داخلية جديدة، والليفة، وصابون الرقي (الغار)، وقطعة قماش بيضاء تسمى “الوزرة” يلفها الزبون على وسطه للتجول داخل الحمام وتغطي جسده من الصدر وحتى الركبتين، وبعد الانتهاء من الاستحمام هناك مكان مخصص داخل الحمام لكنه خارج مكان الاستحمام لاحتساء شاي الدارسين “القرفة” قبل مغادرة الحمام تجنبا للإصابة بالإنفلونزا ونزلات البرد في فصل الشتاء بسبب اختلاف درجات الحرارة بين الحمام والطقس.