26 Mar
26Mar

رغم مرحلة الهدوء التي بدأت تشهدها دول المنطقة وخاصة التقارب السعودي الإيراني وتقارب الحكومة العراقية مع أمريكا، يعود التصعيد للواجهة، بين واشنطن وطهران داخل الأراضي السورية، وهو ما عزاه مراقبون للشأن السياسي إلى سعي إيران لنشر مشروعها التوسعي في المنطقة عبر إنهاء الوجود الأمريكي، فضلا عن كونه جزءا من مفاوضات إيران الدولية العديدة، وفيما وصفوا الهدوء الحالي بـ"السلام الهش"، حذروا من انتقال الصراع الحالي للعراق وحملوا الحكومة مسؤولية هذا الأمر عبر فرض الأمن وترويض الجماعات المسلحة العراقية.

ويقول المحلل السياسي غالب الدعمي، خلال حديث لـه إن "القصف الذي استهدف القواعد الأمريكية في سوريا، نفذته فصائل مسلحة سورية مدعومة من إيران، وهذا يضاف لبدء هجمات الحوثيين في اليمن، وتندرج هذه الهجمات ضمن ملف لصراع الإيراني – الأمريكي الذي لن ينتهي، وربما سينتقل لمناطق أخرى".

ويضيف الدعمي، أن "إيران استطاعت أن تحقق مكاسب ونتائج إيجابية كبيرة في المنطقة، سواء بالتقارب مع السعودية وهو ما انعكس على عملتها حيث ارتفعت بعد الاتفاق، فضلا عن الصفقة مع الصين وروسيا، بالتالي يهمها أن تحقق النصر أيضا على أمريكا، وهذه الاستهدافات تأتي من باب الضغط على واشنطن"، موضحا أن "إبعاد أمريكا عن الشرق الأوسط، يعني إطلاق يد إيران فيه، وهذا هو الهدف الإيراني الأساسي وطهران لن تتوقف حتى تحققه".

وحول ما يخص العراق في هذا الصراع، يوضح الدعمي، أن "أمريكا تعرف أن الحكومة العراقية الحالية ليست قريبة منها، لكن الإطار التنسيقي أدرك أنه إذا فتح المجال للصراع مع أمريكا فسيتعب كثيرا وسيفقد كثيرا من قوته في الداخل، لذا بدأ يتماشى مع مطالب أمريكا"، مبينا أن "العلاقة الحالية بين بغداد وواشنطن، هي شهر عسل، قد ينتهي بالاستمرار أو قد يفسخ العقد، فهناك أطراف بالإطار ترى أن العلاقة مع أمريكا يجب أن لا تؤثر على العلاقة مع إيران، وأطراف ترى العكس وتريد أن تستمر العلاقة مع أمريكا، لكن الأشهر المقبلة ستكشف الحقيقة".

وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، أمس الأول، أن 10 صواريخ استهدفت قاعدة أمريكية في القرية الخضراء بسوريا، وذلك بعد يوم واحد من هجوم لطائرة مسيرة تابعة لإيران على قاعدة قتلت متعاقدا أمريكيا، وأصابت 6 جنود أمريكيين آخرين بجروح.

وقاعدة القرية الخضراء تقع في شمال شرق سوريا، ويتمركز بها نحو 900 جندي أمريكي، ونقلت وزارة الدفاع عن الرئيس الأمريكي جو بايدن قوله "سنتخذ جميع الإجراءات اللازمة للدفاع عن شعبنا وسنرد دائما في الوقت والمكان اللذين نختارهما".

يشار إلى أن قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال إريك كوريلا، قال، الخميس الماضي، إن الولايات المتحدة يمكن أن تنفذ ضربات إضافية إذا لزم الأمر، وأضاف: "نحن على استعداد لمواجهة أي هجمات إيرانية إضافية".

وتأتي هذه الهجمات، بعد أن ردت الولايات المتحدة بضربة استهدفت منشآت تستخدمها قوات تابعة للحرس الثوري الإيراني في سوريا.

يذكر أن المتحدث باسم المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني كيوان خسروي، قال يوم أمس أن أي ذريعة لمهاجمة قواعدنا التي أُنشئت بطلب الحكومة السورية للتعامل مع الإرهاب وعناصر داعش في هذا البلد ستقابل على الفور برد فعل مماثل، حسب قوله.

كما أكد خسروي أن إيران تكبدت تكاليف باهظة في مواجهة الإرهاب وتحقيق الأمن المستقر في سوريا وتعارض أي عمل يهدد استقرار هذا البلد، ودور أمريكا في زرع ودعم داعش كأداة بديلة لتحقيق أهداف سياسية في سوريا والعراق واضح للجميع، وخلال اليومين الماضيين نقلت المروحيات الأمريكية عناصر داعش داخل سوريا بهدف زعزعة الأمن والاستقرار.

من جانبه، يوضح المحلل السياسي ماهر جودة خلال حديث لـه أن "القصف الذي جرى في سوريا، هو عبارة عن رسائل، فكل ما تقترب دول المنطقة من السلام، يبرز هذا التصعيد، وهو سلاح المفاوض بين هذه الدول، والقول بأنه بإمكاننا (إيران) أن نسيطر على المنطقة".

ويتابع أن "هناك توجها لأن تكون سوريا ساحة الصراع بين الدول المتنازعة حاليا، بدلا عن العراق، رغم أنها منذ العام 2011 كانت محل نزاع دولي، وهناك توقعات بأن يستمر التصعيد، خاصة وأن ملفات عديدة يمكن أن تستخدم فيها إيران التصعيد خلال التفاوض ومنها الملف النووي الإيراني وقضية التقارب مع السعودية".

وبشأن العراق، يؤكد جودة أن "إبعاد العراق عن هذا الصراع، يقع على عاتق رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، فلا يجب أن تكون بغداد ساعي بريد بين طهران وواشنطن، كما يجري الآن مع دمشق، وعليه (السوداني) أن يبعد البلد عن هذا الصراع الدولي، وهذا الأمر يجب أن تقتنع به كل الأطراف في العراق"، متابعا "لا أحد يريد أن يدفع العراق الثمن كلما يشتدّ التفاوض بالملف النووي الإيراني".

يشار إلى أنه في العاشر من الشهر الحالي، أعلن من العاصمة الصينية بكين، عن توصل السعودية وإيران لاتفاق بعودة العلاقات، يقضي باستئناف العلاقات الدبلوماسية وفتح سفارتي الرياض وطهران في غضون شهرين، وجرى الاتفاق بحضور أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني ومستشار الأمن القومي السعودي مساعد بن محمد العيبان، وووانغ يي، أكبر دبلوماسي صيني.

يذكر أن ملف إخراج القوات الأجنبية من العراق، وبعد أن كان من أبرز ما نادى به الإطار التنسيقي خلال الحكومة السابقة، واستخدمه ضدها، اتخذت الحكومة الحالية المشكلة من قوى الإطار، الصمت تجاه هذا الملف، وهو ما ربطه محللون سياسيون حسب تقرير سابق ، بهدنة أمريكية إيرانية، بالإضافة إلى عدم التأثير على حكومة السوداني.

ومنذ عامين، صعدت الفصائل المسلحة وقوى الإطار التنسيقي من مطالباتها بإخراج القوات الأمريكية من العراق، وضغطت بكل السبل لتحقيق هذا الأمر، وهذا إلى جانب ظهور فصائل بأسماء وهمية، تبنت كافة عمليات استهداف المصالح الأمريكية في العراق.

جدير بالذكر، أن استهداف المصالح الأمريكية عبر الطائرات المسيرة والصواريخ، كان حاضرا في ذروة الأزمة السياسية التي استمرت لأكثر من عام، حيث جرت استهدافات عدة ومن أبرزها ضد القاعدة العسكرية الأمريكية قرب مطار بغداد الدولي، وذلك في أيار مايو 2021.

إلى ذلك، يبين المحلل السياسي علي البيدر، خلال حديث لـه أن "ما جرى في سوريا، جزء من وسائل الضغط الإيرانية لإرباك المشهد في المنطقة، فليس من مصلحة إيران استقرار دول المنطقة بالطريقة التي يريدها العالم، وتحاول فرض نفسها كقوة أكبر في الشرق الأوسط".

وبشأن التقارب والاتفاقيات التي جرت بين دول المنطقة وعلاقتها بالتصعيد، يرى البيدر، أن "المنطقة تشهد هدوءا نسبيا، أو سلاما هشا قد ينقلب في أي لحظة بسبب مزاج طهران، ومشروعها التوسعي في المنطقة، الذي لن تتراجع عنه"، مستدركا أن "مشروع إيراني يعتمد على خلق حالة من عدم الاستقرار في المنطقة".

ويؤكد أن "إيران تريد الظهور بأنها عراب الأمن في المنطقة، وأن الأمن لا يتحقق إلا عبر الجانب الإيراني، وذلك بغية تمرير بعض الإيديولوجيات".

وحول تأثير ما يجري على العراق، يوضح البيدر، أن "الأمر في العراق متوقف على قدرة الحكومة على ترويض الجماعات المسلحة وفرض الأمن، فاشتراك أي جماعة عراقية بهذه المواجهات قد يجعل الدعم الأمريكي ينخفض بكافة الجوانب، بالتالي يجب على الحكومة والجماعات المسلحة انتهاج السياسة البراغماتية من أجل عدم تكبد البلد خسائر كبيرة".

ويشير المحلل إلى أن "ردات الفعل الأمريكية كبيرة، وهو ما يجب على العراق تجنبها، ولعل اغتيال نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس خير مثال، وكانت كفيلة بتوضيح القدرة الأمريكية بالوصول لأي هدف تريده، وهذا يعني أنه لا يوجد هدف بعيد عن واشنطن".

يشار إلى أن الحكومة الحالية حظيت بدعم أمريكي كبير، وتمثل هذا بزيارات المسؤولين الأمريكان ودور السفيرة الأمريكية في العراق، وأجرائها لقاءات عديدة مع السوداني وبعض الوزراء، فضلا عن تدخل أمريكا للحد من عملية تهريب الدولار من العراق، سواء لإيران أو تركيا.

جدير بالذكر، أن قضية فرض واشنطن سيطرتها على سير الدولار في العراق، أثارت العديد من الاتهامات لها بأنها سبب بتراجع الاقتصاد العراقي، لاسيما ارتفاع سعره في السوق المحلية وتأثيره على السلع اليومية.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة