تواصل درجات الحرارة تسجيلها معدلات تصل لنصف درجة الغليان في أغلب محافظات العراق، وسط تردي منظومة الكهرباء الوطنية في كل فصل صيف، فيما تعزو جهات مختصة ذلك لازدياد نسبة التصحر وانحسار المناطق الخضراء التي ساهمت وبشكل كبير في اتساع رقعة التغيرات المناخية، وتحذر من ارتفاعات قياسية قد تكون لها تداعيات خطيرة على حياة المواطنين.
ويقول مدير العلاقات والإعلام في الهيئة العامة للأنواء الجوية، عامر الجابري، خلال حديث لـه، إن “الارتفاع الحاصل بدرجات الحرارة طبيعي جدا وليس بالغريب إطلاقا، حيث سيبقى هذا التذبذب بين الارتفاع والانخفاض مستمرا”.
ويضيف الجابري، أن “العراق ورغم الارتفاع الحاصل بدرجات الحرارة لأكثر من 50 مئوية، إلا أنه لم يدخل لغاية الآن في فترة جمرة القيظ التي تتشكل بالعادة في منتصف شهر تموز يوليو”.
ويبين أن “ما يحصل في العراق من ارتفاع هو تأثره بالمنخفض الجوي الموسمي القادم من جنوب شرق آسيا، والذي يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة من 45 إلى 51 درجة مئوية وأكثر، وهو بدأ بالتراجع تدريجيا، حيث تشهد البلاد انخفاضا بدرجات الحرارة كما في الأيام السابقة”.
ويشير مدير العلاقات والإعلام في الهيئة العامة للأنواء الجوية، التابعة لوزارة النقل، إلى أن “ارتفاع وانخفاض درجات الحرارة مشابه لظاهرة المد والجزر، لذلك ننصح المواطنين بعدم التعرض لأشعة الشمس بصورة كبيرة لخطورتها على صحتهم خاصة الأشعة البنفسجية في أوقات الذروة التي تمتد من العاشرة صباحا إلى الرابعة عصرا”.
ويؤكد أن “على العاملين في الطرقات تجنب التعرض المباشر للشمس قدر المستطاع لتفادي تدهور حالتهم الصحية، كما من الضروري اتخاذ إجراءات حكومية صارمة بشأن استمرار تجريف الأراضي الزراعية لما له من أثر كبير في تفاقم الغبار والاحتباس الحراري”.
ويتابع الجابري، أن “العراق يفتقر أيضا لاستثمار الطاقة البديلة واعتمادها في مختلف المؤسسات والأماكن العامة حيث ستخفف من شدة الحرارة، وعلى الجهات المختصة أيضا تقع مسؤولية كبيرة في توسعة رقعة التشجير داخل المدن حيث تمثل العامل الأول والمهم في خفض درجات الحرارة المرتفعة”.
وكانت وزارة البيئة قد أصدرت في وقت سابق، مجموعة إرشادات هامة للوقاية من جفاف الجلد وحروق الشمس خلال الأيام الحارة، تشمل ارتداء ملابس فاتحة اللون وخفيفة تغطي الجسم بشكل جيد، واستخدام كريم واق من الشمس بدرجة وقائية عالية، فضلا عن دعوتها لتجنب التعرض المباشر لأشعة الشمس خلال فترة الظهيرة، وشرب كمية كافية من الماء للحفاظ على الترطيب، إضافة إلى تجنب الخروج من المنزل في فترات النهار الأكثر حرارة، وارتداء النظارات الشمسية والقبعات وحمل المظلات.
ودعت إلى عدم الهدر في استخدام المياه والطاقة الكهربائية، لأن الهدر سيلحق الضرر والنقص عند الآخرين، وزيادة التشجير والمساحات الخضراء المستدامة.
من جانبها، حثت وزارة الصحة أصحاب مخازن ومحال بيع الأطعمة والأشربة على ضرورة حفظها بدرجات حرارة مناسبة وعدم تعريضها لأشعة الشمس حفاظا على صحة المواطنين.
وقالت الوزارة في بيان تلقت “النافذة” نسخة منه، إن موجات الحرارة المرتفعة قد تؤثر سلبا على صلاحية المواد الغذائية والمشروبات وخصوصا الطازجة أو المخزونة منها وما يصاحبها من تأثيرات على صحة الإنسان عند تناولها، مؤكدة أن فرق الرقابة الصحية ستقوم بتكثيف جولاتها التفتيشية لمتابعة المطاعم والمحال العامة والمعامل الغذائية وستتخذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين.
من جانبه، يعزو الأكاديمي المختص بجغرافيا البيئة، علي البدري، خلال حديث لـه ، أسباب الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، إلى “ارتباطه بمجموعة عوامل واجبة المعالجة منذ سنوات، ولكن الإجراءات الحكومية ضعيفة بهذا الصدد”.
ويوضح البدري، أن “التغيرات المناخية التي ضربت العالم إضافة إلى قلة الأمطار بدأت تؤثر على مناخات الدول بينها العراق الذي يشهد تصاعدا في حدية الأزمة المناخية في كل موسم”.
ويلفت إلى أن “درجات الحرارة وبشكل لافت بدأت تتصاعد منذ العام 2008 دون معالجات لتخفيفها عبر التشجير وخفض مساحات التصحر والتقليل من الانبعاثات الغازية وإلزام الشركات النفطية بضوابط صارمة وغرامات”.
ويشدد الأكاديمي المختص بجغرافيا البيئة، على أنه “لا بد من وجود حلول لإنهاء أزمة ارتفاع درجات الحرارة بضمنها انتشار التشجير بشكل كبير، فالحرارة المرتفعة تؤثر سلبا على البيئة النباتية وتبخر المياه وجفافها”.
ويختتم بالقول، إن “المشاهد التي بدأت تكثر لتجريف الأراضي الزراعية وتحويلها لمناطق سكنية هي مؤلمة بشدة لأن الأشجار هي العامل الأكثر تأثيرا في اعتدال المناخ، حيث سيؤدي إهمال هذا الجانب إلى اقتراب درجات الحرارة خلال السنوات المقبلة من حاجز الـ60 درجة مئوية في العراق، وهو ما ينذر بكوارث كبيرة أكثر من الحالية كاندلاع الحرائق وانهيار المنظومات الكهربائية وحالات الإغماء وغيرها”.
يشار إلى أنه خلال الأسبوع الماضي سجلت 11 مدينة ومنطقة عراقية، نصف درجة الغليان ضمن 15 منطقة كانت الأعلى في معدل درجات الحرارة على مستوى العالم، بحسب نشرة لمحطة “بلاسيرفيل” في كاليفورنيا الأمريكية.
ووفقا للجدول، سجلت مدينة العمارة بمحافظة ميسان أعلى درجة حرارة بالعالم، وبواقع 50.8 درجة مئوية، تليها بالمرتبة الثانية الناصرية مركز محافظة ذي قار وبواقع 50.8 درجة مئوية، ثم بالمرتبة الثالثة منطقة الحسين بمحافظة البصرة وبواقع 50.5 درجة مئوية، ومن ثم مدينة الكوت في واسط بالمركز الرابع وبواقع 50.5 درجة مئوية.
وجاءت مدينة كربلاء، بالمرتبة السابعة بدرجة حرارة بلغت 50.4 درجة مئوية، كما حلت مدينة السماوة بالمرتبة التاسعة بدرجة حرارة 49.8 درجة مئوية، ثم منطقة مطار البصرة الدولي في العراق بالمرتبة الـ11 بدرجة حرارة بلغت 49.6 درجة مئوية، ثم تبعتها منطقة مطار النجف الدولي في المرتبة 12 بدرجة حرارة 49.5 درجة مئوية.
كما وحلت منطقة علي الغربي بالمرتبة 13 بدرجة حرارة بلغت 49.4 درجة مئوية، تليها منطقة بدرة في واسط بالمرتبة 14 بدرجة حرارة 49.4 درجة مئوية، وختاما منطقة الرفاعي في ذي قار بالمرتبة الأخيرة بدرجة حرارة 49.4 درجة مئوية.
ونتيجة لذلك، قررت الحكومة تقليص ساعات العمل في المؤسسات الحكومية بواقع ساعة واحدة، بهدف تخفيف الأعباء على المواطنين عموما والموظفين خصوصا وترشيد استهلاك الطاقة الكهربائية.
وأوضح بيان للحكومة تلقت “النافذة” نسخة منه في 22 حزيران يونيو الجاري، أن بدء الدوام الرسمي في المؤسسات الحكومية كافة في المحافظات، عدا العاصمة بغداد، سيكون في الساعة السابعة صباحا وينتهي عند الساعة الواحدة ظهرا، مشيرا إلى تخويل المحافظين بصلاحية تعطيل الدوام الرسمي في المؤسسات الحكومية كافة بما فيها الدوائر المركزية غير المرتبطة بالمحافظة في الأيام التي تبلغ فيها درجات الحرارة 50 درجة مئوية فأكثر.
فيما شهدت عدة محافظات وخاصة الجنوبية منها تظاهرات حاشدة وقطع للطرق العامة احتجاجا على تردي تجهيز ساعات الكهرباء بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة ما يزيد الأوضاع سوءً كما هو الحال في كل عام.