09 Jul
09Jul

تعد البطالة إحدى أكثر المشاكل إزعاجا وإثارة لقلق الحكومات المتعاقبة بسبب “التخمة الوظيفية” في وزارات ومؤسسات الدولة وتوقف عجلة الإعمار والمشاريع منذ ما يقارب العشر سنوات، مما ضاعف أعداد العاطلين عن العمل ممن يبحثون عن فرصة عمل لاغتنامها، لكن المفارقة في العزوف عن وظيفة براتب حكومي جيد منذ سنوات عدة، إلا أن أحدا لم يتقدم للحصول عليها.
منذ 18 عاما تعلن الحكومة المحلية في محافظة ديالى عن حاجتها إلى أشخاص لشغل منصب مختار لكل محلة سكنية في الجزء الغربي من مدينة بعقوبة مركز المحافظة، إلا أنها لم تلق استجابة من أحد على الرغم من الامتيازات المالية وتبسيط الإجراءات، وصولا إلى منح مالية شهرية، كما أنها وظيفة لا تتطلب أي جهد بدني أو عقلي، لكن دون جدوى بسبب ما يسميها البعض “فوبيا الملثمين” الذين نفذوا عمليات إرهابية استهدفت المخاتير في حينها.
ويقول قائممقام قضاء بعقوبة عبد الله الحيالي، خلال حديث لـه إن “ما تحمله ذاكرة الأهالي من مواقف صعبة عاشها المخاتير في سنوات الدم (في إشارة إلى سنوات 2006- 2009) والتي شهدت عمليات استهداف واسعة لهم، ما أدى إلى مقتل بعضهم وإصابة آخرين وتهجير عدد ليس بالقليل منهم وتفجير وحرق منازلهم، وبالتالي لم يعد أحد يقدم على شغل هذه الوظيفة منذ 18 عاما”.
ويضيف الحيالي، أن “مناطق غرب بعقوبة وهي ثلاثة أحياء كبيرة جدا تفتقر لوجود 20 مختارا، وهي ولم ننجح إلا بتأمين خمسة مخاتير، وما زلنا نبحث عن 15 آخرين، وبالرغم من إعلاناتنا المستمرة عن شغل هذه الوظيفة إلا أنها لا تجد من يسعى لشغلها”.
وكانت ديالى معقلا رئيسا لتنظيم القاعدة وزعيمه أبو مصعب الرزقاوي وغيره من التنظيمات الإرهابية بسبب كثافة البساتين والطبيعة الجغرافية الوعرة لبعض مناطقها، لاسيما سلسلة جبال حمرين التي تمثل أوكارا مفضلة لتلك التنظيمات، فضلا عن تركيبتها الاجتماعية المتنوعة، إلى جانب قربها من العاصمة بغداد ومجاورتها لمحافظات صلاح الدين وكركوك التي كانت تنشط فيها التنظيمات الإرهابية في العام 2003 ولغاية إعلان الانتصار على تنظيم داعش أواخر العام 2017.
من جانبه، يوضح عمران القيسي، وهو قريب لمختار قتل في العام 2007 من قبل تنظيم القاعدة في بعقوبة، خلال حديث لـه أن “قريبي كنا نشطا في عمله ومحبا للناس لكن تنظيم القاعدة استهدفت رغم أنه رجل مسن وكان قتله جريمة مؤلمة تركت أثرها في جميع من يعرفونه”.
ويشير القيسي، إلى أن “أبناء قريبي وحتى نحن أقاربه رفضنا تولي الوظيفة من بعده ولا نفكر بها خشية أن نكون هدفا للإرهابيين حتى مع استقرار الأوضاع الأمنية ديالى حاليا، لكن جريمة قتل قريبي تقف حائلا دون امتهان أي منا هذه المهنة”.
ويتولى المختار عدة مهام خدمية، وعلى الرغم من أنه متطوع مدني وليس له أي صفة حكومية أو صلاحيات، إلا أنه يشكل حلقة بين سكان الحي وبعض الدوائر الحكومية فيما يتعلق بإصدار تأييد السكن وغيره، إلى جانب أنه يعد مصدرا مهما للقوات الأمنية في الإبلاغ عن الحالات المشبوهة وغيرها.
بدوره يعزو منتصر علي، موظف حكومي وشقيق لأحد مخاتير ديالى، الذي أصيب سابقا بنيران تنظيم القاعدة، خلال حديث لـه الأمر إلى “فوبيا الملثمين التي تدفع الناس إلى الابتعاد عن عمل المخاتير، لأنها مسؤولية خطيرة، فقد أصيب شقيقي بجروح خطرة في العام 2006 ولم يشف تماما منها رغم مرور سنوات ليتوفى أخيرا”.
ويتابع علي، أن “الأوضاع الأمنية مستقرة، وليست هناك أي مخاوف لدى الناس، لكن للمآسي التي جرت في السابق خلال سنوات الفوضى، أصبح هناك عزوف شعبي نادر عن التنافس على وظيفة فيها عائد مالي وسلطة معنوية”.
تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من القضاء على التنظيمات الإرهابية في ديالى وباقي المحافظات إلا أن خطرا جديدا ظهر في السنوات الأخيرة وهو عصابات الجريمة المنظمة والتي كان لديالى حصة كبيرة منها، حيث شهدت المحافظة ما يمكن تسميته حرب عصابات في أوقات مختلفة طالت نوابا وأعضاء مجلس محافظة ومسؤولين حكوميين.
إلى ذلك، يبين أبو محمود، مختار منطقة غرب بعقوبة، خلال حديث له أنه “على الرغم من تحذيرات بعض الأقارب لي لكنني لم أترك عملي وبقيت مستمرا فيه لخدمة الناس رغم التهديدات السابقة، عملنا هو في خدمة الناس أولا وأخيرا”.
ويشدد “لا أجد مبررا لخشية البعض من تولي منصب المختار خاصة وأنه مسخر لخدمة الأهالي في ملفات كثيرة، وأي منطقة تخلو من المختار تثير علامات استفهام كثيرة”.
ويشكل تقاطع المصالح الاقتصادية والسياسية مصدر قلق آخر في ديالى، حيث شهدت فترة ما قبل انتخابات مجالس المحافظات هجمات مسلحة راح ضحيتها عشرات المدنيين بين قتيل وجريح، وآخرها مطلع شهر كانون الأول ديسمبر 2023 حيث تم استهداف حافلة تقل أشخاص أثناء عودتهم إلى منازلهم من تجمع انتخابي لمرشح من عشيرتهم، حيث تم تفجير عبوتة ناسفة وهجوما مسلحا ما أسفر عن مقتل 11 شخصا وإصابة 17 آخرين في قرية العمرانية بقضاء المقدادية.
من جهته، يقر مدير إعلام شرطة ديالى العقيد هيثم الشمري، خلال حديث لـه بأن “المخاتير لهم أهمية كبيرة ودور أمني من خلال التنسيق المباشر بينهم وبين القوات الأمنية، فالمختار هو صلة تعاون بين المؤسسات الحكومية بكل عناوينها والأهالي”.
ويلفت إلى أنه “لم نسجل استهداف أي مختار منذ سنوات طويلة وهم في تواصل معنا من خلال الندوات والاجتماعات والعزوف عن وظيفة المختار لا مبرر له فالأوضاع الأمنية مستقرة في ديالى”.
يذكر أن ديالى تأتي بعد العاصمة بغداد بالمحافظات الأشد تضررا وخسائر جراء العمليات الإرهابية، وما زالت المحافظة حتى الوقت الحالي وعلى الرغم من الاستقرار الأمني الواضح فيها، إلا أنها تشهد بين فترة وأخرى عملية إرهابية ينفذها عناصر من تنظيم داعش ضد القوات الأمنية وكان آخرها في 14 آيار مايو الماضي، حيث قتل ضابط وأربعة جنود عراقيين وأصيب خمسة آخرون، بهجوم شنه عناصر داعش على موقع للجيش بين محافظتي ديالى وصلاح الدين.
بدوره يرى الخبير الأمني أحمد الربيعي، خلال حديث لـه أن “استهداف مخاتير الأحياء خاصة غرب بعقوبة جاء بسبب دورهم الأمني الإيجابي في محاربة التطرف والإبلاغ عن الغرباء بعد العام 2006 وبعضهم ضحى بنفسه من أجل اقتلاع القاعدة وبقية التنظيمات المتطرفة”.
ويتابع “للأسف هناك الكثير من قصص الوفاء لمخاتير ضحوا بأنفسهم من أجل أمن مناطقهم لم تسلط الأضواء عليهم بسبب الظروف الصعبة آنذاك ومن الضروري بيان بعض القصص التي تستجق الإشادة بهم”.
ويحذر الربيعي من أنه “من الخطأ وجود مناطق خالية من المخاتير لأي سبب فوجودهم له أهمية في الأبعاد الأمنية والخدمية والحديث عن قلق وخشية غير مبرر”.
وفي السنوات الأخيرة شهدت ديالى اضطرابات أمنية متنوعة الأسباب أسفرت عن سقوط ضحايا ومصابين من المدنيين والقوات الأمنية وموظفين حكوميين بسبب السلاح المنفلت والتنافس على المصالح الاقتصادية بين أحزابا وكتلا سياسية.


المصدر / العالم الجديد

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة