بخوف وترقب يرتقي الشاب حسين علي سطح منزله في منطقة القشلة وسط مدينة السماوة، خشية من أن يراه حراس سجن “الخناق”، أحد أشهر السجون في محافظة المثنى، والذي لم ينقل لخارج المدينة من قبل أي حكومة طيلة العقدين الماضيين.
“الخناق” ليس سجنا فقط للخارجين عن القانون، بل أنه تحول إلى وسيلة لـ”خنق” الأهالي الذين يسكنون بالقرب منه، فالحركة الراجلة وبالسيارات محددة وغير متاحة في جميع الأوقات، كما أن الدخول إلى المنطقة التي باتت محصنة منذ سنوات عدة ليس بالهين ويتطلب الكثير من الإجراءات والموافقات الأمنية.
ويقول المواطن حسين علي، خلال حديث لـه، إنه “في إحدى ليالي صيف العام 2007 كنا نائمين على سطح المنزل وفجأة استيقظنا على صوت إطلاق رصاص كثيف جراء اشتباك بين القوات الأمنية المكلفة بحراسة السجن وإحدى الميليشيات التي كانت تحاول تهريب أحد عناصرها الذي صدر بحقه حكم بالسجن المؤبد”.
ويضيف “إحدى الرصاصات استقرت في ظهر والدتي التي كانت تنام إلى جانبي، فسارعنا إلى نقلها إلى المستشفى لتلقي العلاج اللازم وبعد عدة أيام قضتها طريحة الفراش في المستشفى أخبرنا الأطباء أن جميع محاولاتهم لم تنجح في إنقاذ والدتي من الشلل”.
يشار إلى أنه على الرغم من التوسع العمراني الحاصل في منطقة القشلة، إلا أن السجن المركزي الوحيد في المثنى “سجن الخناق” ما زال مصدر قلق وخوف للأهالي الذين يسكنون من حوله، خشية تعرضه لهجمات مسلحة من قبل الميليشيات أو العصابات الإجرامية، مما اضطر العديد من العوائل إلى الانتقال لمناطق أخرى”.
وبهذا الصدد، يوضح المواطن أحمد حسين، خلال حديث لـه، أنه “لدينا منزلان مجاوران للسجن لكننا اضطررنا لتركهما منذ ثلاث سنوات وحاليا نسكن في حي الانتفاضة، وهذا الأمر سبب لنا خسائر مادية كبيرة لترميم المنزل الجديد”.
ويشير إلى أنه “ليس سجن الخناق فقط من أثر سلبا على العوائل، فهناك دوائر حكومية مثل الوفيات، والأدلة الجنائية، ومستوصف طبي، هي الأخرى أسهمت بالتضييق على الأهالي حيث تم غلق الشارع الرئيسي وأربعة شوارع فرعية تؤدي إلى المنطقة ونشر السيطرات الأمنية”.
ويبين حسين “منطقة القشلة محاطة بالكتل الكونكريتية والأسلاك الشائكة والسواتر الترابية لتحصين السجن الذي يشغل حيزا كبيرا من مساحة القشلة، وحتى الطرق المؤدي للسجن تم غلقها، وقد ناشدنا جميع القيادات الأمنية والمحافظين والحكومات المحلية لكن لم نتلق ردا شافيا”.
يشار إلى أن العديد من المحافظات التي كانت تضم سجونا مركزية داخل المدن قامت بنقلها إلى خارجها بمسافات بعيدة عن الأحياء السكنية لتأمين الحماية اللازمة لها خشية تعرضها لمحاولات اقتحام أو هروب من قبل السجناء، ولتجنب مضايقة السكان.
بدوره يشير مدير العلاقات والإعلام في قيادة شرطة المثنى، العميد علي الرماحي، خلال حديث له، إلى أن “دور الشرطة يقتصر على تأمين الحماية للسجن عن طريق إرسال مجموعة من أفرادها وعمل السيطرات التفتيشية ونقاط المراقبة، وليس هناك أي متضرر من المواطنين الذين يسكنون هذه المنطقة منذ سنوات طويلة”.
ويبين “تم إرسال سرية من أحد أفواج الطوارئ في المحافظة لتأمين الحماية اللازمة لدائرة الإصلاح أو ما يسمى بسجن الخناق في مركز محافظة المثنى، وهناك مساعٍ حثيثة لإكمال السجن المركزي ليكون خارج مركز المدينة”.
يشار إلى أن 95 بالمئة من مساحة محافظة المثنى غير مشغولة من قبل السكان أو المشاريع الصناعية والزراعية، وسبق لأهالي السماوة أن ناشدوا الجهات المعنية لمرات عديدة من أجل نقل سجن الخناق من مركز المدينة إلى خارج حدودها، خوفا من أن يحاول السجناء استخدام سطوح المنازل كوسيلة للهرب من السجن، ما يعرض حياة عوائلهم للخطر.
بدوره يشرح المستشار الاقتصادي لمحافظة المثنى، رشيد محمود مطلب، خلال حديث لـ”للعالم الجديد”، أن “سجن الخناق كان موقفا بسيطا لكن بعد العام 2003 تحول إلى سجن رئيسي في المحافظة، تصل مدد الأحكام فيه إلى خمس سنوات ونزولا، وأغلب المحكومين ارتكبوا جرائم بسيطة”.
ويقرّ بأن “أهالي الأحياء السكنية قرب السجن تضرروا نتيجة للإجراءات الأمنية التي تحيطه، بالإضافة إلى بعض الإجراءات التي تعيق حركة المارة وأصحاب المنازل والمحال التجارية في المنطقة، ما أدى إلى نزوح الكثير من العوائل”.
ويوضح أن “إجراءات المحافظة خلال الفترة السابقة تمثلت بمخاطبة وزارة العدل منذ أكثر من سنتين من أجل إيجاد موقع بديل للسجن، وخلال زيارة وزير العدل العام الماضي طرحنا هذا الملف بقوة، وأعتقد أن هناك إجراءات من قبل الوزارة بهذا الصدد”.
تجدر الإشارة إلى أن سجن الخناق كان محطة للعديد من الشعراء الذين تم اعتقالهم لأسباب سياسية من قبل الأنظمة التي حكمت العراق بعد العام 1963، ومن أشهرهم مظفر النواب، وناظم السماوي، وسعدي يوسف، حيث تم إيداعهم فيه لبضعة أيام، ليتسنى للجهات الأمنية توفير العجلات اللازمة لنقلهم بعد ذلك إلى سجن نقرة السلمان سيء الصيت خلال فترة ستينيات القرن الماضي.
من جانبه، يتحدث الباحث التاريخي، عبد الأامير العبودي، خلال حديث لـه، أن “سجن الخناق بالأساس كان ثكنة عسكرية ومقرا للقوات العثمانية في حي القشلة في مدينة السماوة، وبعد انسحابهم منه ودخول القوات البريطانية، أصبح مركزا للشرطة في العام 1918، وفي عام 1937 انتقلت إليه إدارة القائممقامية والدوائر المدنية، وسمي في حينها بالسراي حيث جمع كل دوائر مدينة السماوة إضافة إلى قيادة الشرطة والسجن”.
ويختم بالقول “أما تسمية الخناق فهي أن مركز مدينة السماوة في العهد العثماني كان يسمى الخناق تمييزا له عن الضواحي والأرياف التابعة لها باعتباره مركز قضاء ومعتمد في سجلات العقاري، أما أصل التسمية فقد كانت للعشائر سبع قلاع لكل قلعة اسم وكانت إحداها تسمى بالخناق”.