وكأنه يعزف على آلة، يطلق علي هاشم (44 عاما) رنات متسقة ومتناغمة بواسطة قدح الشاي الصغير (الاستكان) وإنائه (الصحن)، على مقربة من عربته التي أمضت عشرين عاما في صناعة الشاي العراقي.
يستعرض هاشم مهارته تلك، أمام زبائنه الذين لم يترددوا بفتح كاميرات هواتفهم على خفة ورشاقة حركة بائع الشائع الأربعيني لتسجيل المشهد، لكن ليس هذا فقط ما يتميّز به هاشم، إذ يتفرّد بتحضير شاي أدمن على تذوقه زبائنه.
يقول هاشم، خلال حديث لـه، إن “تحضير الشاي عملية سهلة للجميع، لكن العبرة في النكهة والطعم، فإخراج الشاي بطعم جيد يحتاج إلى أشياء متعددة سواء في سر خلطة الشاي أو طريقة تحضيره”.
ويضيف أن “العملية تبدأ بخلط نوعيات محددة من الشاي، من كل نوع كمية محددة بحسب الرغبة، وهذا يعتمد على صانع الشاي في كيفية استخراج نكهة محببة هو يريدها، ولا بأس في أن يجرب خلطات متعددة حتى يصل للنكهة التي يريدها، هو شيء يشبه صناعة العطر، وبالطبع عندما يصل إلى هذه النكهة ستبقى سرا من أسرار المهنة التي يحافظ عليها إذا كان يعمل في مهنة صناعة الشاي”.
وإضافة إلى صناعة الشاي للشرب أمام عربته، أصبحت الخلطة التي يخلطها علي متوفرة للبيع أيضاً كماركة مسجلة باسمه، يتابع: “أبيع عشرات الكيلوغرامات يوميا، وأحضر هذه الكميات عندما أعود من عملي في العربة وأجلبها صباحا لمن يود شراءها”.
لكن ليست فقط الخلطة ما يميز الشاي، إذ يقول إن “نسبة 60 بالمئة من الطعم، تعود إلى طريقة التحضير”، والتي تبدأ بحسب هاشم بـ”غلي الماء مع الهيل عبر إبريق (كتلي)، ثم إضافة الشاي ونقل الإبريق إلى الفحم لينضج ببطء، ومن ثم نقله إلى إبريق من الفرفوري أضعه على رأس الإبريق السابق، وأخيرا تقديمه”.
ويحتفل العالم في الـ21 من أيار مايو من كل عام باليوم العالمي للشاي، كمناسبة دولية تحتفي بالمشروب الأشهر عالميا لتنفيذ الأنشطة الداعمة لإنتاج الشاي واستهلاكه على نحو مستدام، ورغم أن قرار تخصيص يوم عالمي للشاي مناسبة حديثة أقرت في 2019 بقرار من الأمم المتحدة، إلا أن الاحتفال بهذا المشروب يعود لسنوات قبل ذلك بكثير، حيث كانت الدول المنتجة للشاي تحتفل بهذا المنتج في يوم مخصص لها في 15 كانون الأول من كل عام.
ويعد الشعب العراقي أحد أكثر الشعوب استهلاكاً للشاي وتعلقاً به، إذ لا يبدو الشاي في العراق مشروبا عاديا فحسب، بل هو روتين يومي يبدأ عند الإفطار ويستمر بعد كل وجبة طعام وفي جلسات العراقيين وضيافتهم.
كما أن العراقيين يفضلون الشاي الأسود الذي يسمون طريقة تحضيره بـ”التخدير”، وهو ترك الشاي ينضج على نار هادئة، على العكس من باقي الشعوب التي تشرب الشاي مخففا أو تتناول الشاي الأخضر والشاي الصيني.
وبعيدا عن العراق، في أقصى شمال العالم، يحاول هادي ناصر، وهو لاجئ مقيم في كندا حمل أكبر ما يسمح به وزن حقيبته من الشاي عند كل زيارة للعراق، إذ تحدث لـه ، عبر الهاتف، عن معاناته مع الكثير من اللاجئين العراقيين هناك ممن يفتقدون الشاي العراقي، لكن ليس خلال العامين الأخيرين.
ويؤكد الرجل الستيني، أن “الأسواق هنا منذ عامين بدأت بإدخال الشاي السيلاني الموجود في أسواق العراق، وبدأنا نتذوق هذا الطعم الأثير الذي يخاطب الرأس مباشرة”، هكذا يعبّر.
ويعد العراق أكبر مستورد للشاي السريلانكي، وبحسب تقرير لصحيفة “صانداي اوبزرفر” السريلانكية، صدر في 2022، فإن العراق احتفظ بالمرتبة الأولى كأكبر مستورد للشاي السيلاني، بعدما سجل زيادة بوارداته بنسبة 25 بالمئة، خلال ستة أشهر من عام 2022، وجاءت روسيا في المرتبة الثانية، ودولة الإمارات ثالثة، وتبعتها تركيا وإيران وليبيا وأذربيجان.
وكما للشاي فوائد فإن له مضارا، إذ يحذر طبيب التغذية شاكر الفتلاوي، خلال حديث لـه، من إحدى أخطر مضار الشاي وهي “وضع كميات كبيرة من السكر الأبيض على المشروب، وهذا ما يفعله أغلب الناس لاسيما المدخنين، إذ يفضل استخدام السكر الصحي مع الشاي”.
ويضيف الفتلاوي، أن “العادة الأخرى التي جُبل عليها العراقيون هي تناول الشاي بعد وجبات الطعام، وهو ما يسهم من تقليل نسبة الحديد وضياع فائد الطعام، لذا يفضل شرب الشاي بعد فترة من وجبة الغذاء”.
لكن دراسة حديثة توصلت إلى أن شرب كوب من الشاي الداكن يمكن أن يساعد في التحكم في نسبة السكر بالدم، وتقليل خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني بنسبة 47 بالمئة، إذ أجرى الدراسة باحثون من جامعة أديلايد في أستراليا وجامعة جنوب شرق الصين، وشملت الدراسة 1923 شخصا بالغا، وكان 436 من المشاركين مصابين بمرض السكري، و352 مصابين بمقدمات السكري، و1135 لديهم مستويات طبيعية للغلوكوز في الدم.