24 Apr
24Apr

يعود الصحفي والمخرج العراقي ميثاق الخطيب بالذاكرة إلى الأسبوع السابق على الغزو. يقول "دخلت إلى غرفة المعيشة، وجدت عمي يضع شريطا لاصقا على النوافذ. سألته عن السبب. قال: حتى لا يتحول الزجاج إلى شظايا.

 وبينما كان يقوم عمي بعمله ذاك، كنت أرى صدام حسين في ظهوره الأخير على شاشة تلفزيون المنزل".

في 19 مارس/ آذار 2003 بدأ تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة الأميركية بشن غاراته على العراق. في اليوم التالي بدأ الهجوم الأرضي. كان ميثاق الخطيب وقتها في السابعة من عمره.

في ذلك الوقت كانت عائلة الخطيب تقيم في الرمادي على بعد 110 كيلومترات إلى الغرب من بغداد. 

غادرت الأسرة منزلها في بداية الغزو، لكنها لم تجد في مدينة هيت التي قصدتها في محافظة الأنبار المقومات الأساسية للحياة، فعادت أدراجها إلى الرمادي، لتجد أن القوات الأميركية أقامت قاعدة عسكرية لها على بعد أمتار من المنزل.

يقول الخطيب "كان الأمر في الجوار إشكاليا للغاية بوجود قاعدة أميركية على مقربة. 

كنا نعيش دائما أسرى الخوف من وقوع هجوم عليها. يمكنني الآن أن أتذكر، أننا كنا نتوقعه مرة كل أسبوع".

يشار إلى أن هجمات تنظيم القاعدة في 11 سبتمبر/أيلول 2001 هي التي دفعت الولايات المتحدة لغزو أفغانستان بغرض سحق شبكات التنظيم وإطاحة زعيمه أسامة بن لادن. 

وفي وقت لاحق استخدمت الولايات المتحدة مزاعم امتلاك صدام حسين أسلحة دمار شامل لتبرير غزوها للعراق باعتباره أيضا استمرارا لحربها على الإرهاب.

أطيح بصدام ونظامه، ولم يتم العثور على أسلحة دمار شامل. 

وبدلا من الديمقراطية الموعودة، تسبب الغزو الأميركي والدمار المصاحب له في بث الرعب في العراقيين وألحق الأذى بثقافتهم.

موجات تهجير ولجوء متعاقبةبعد ظهور تنظيم داعش الإرهابي في العراق والشام المنبثق عن تنظيم القاعدة وسيطرته على مساحات واسعة من أراضي العراق وسوريا عام 2014، نزحت عائلة الخطيب عن الرمادي.

يقول ميثاق الخطيب "خلال حرب داعش خسرنا منزلنا. وأنا مصر على ربط تلك الحرب بحرب 2003. 

اضطررنا للنزوح، ولم نعد نتمتع بالحياة التي نستحق. 

كل ما نطالب به هو حياة أسرية عادية".4.4 ملايين ضحايا التهجيراستمر غزو أميركا للعراق واحتلاله لغاية عام 2011. 

وقد أدى إلى سلسلة كبيرة من موجات النزوح. وارتفع عدد المهجرين داخل العراق من صفر عام 2003 إلى 2.6 مليون عام 2007.

بمرور الوقت أوقفت الولايات المتحدة عملياتها العسكرية داخل العراق في ديسمبر/ كانون الأول 2011، كان عدد المهجرين قد بلغ 1.3 ملايين. 

وبين صعود تنظيم داعش الإرهابي وأفوله أعوام 20013-2019 كان عدد النازحين العراقيين قد تضاعف وبلغ ذروته عام 2015 عندما بلغ 4.4 ملايين.

3 ملايين لاجئإلى جانب أولئك الذين نزحوا داخل العراق، تحول عراقيون آخرون يعدون بالملايين إلى لاجئين. 

وقد وصلت نسبتهم إلى الذروة عام 2007 عندما بلغ عدد الذين فروا من العراق 2.3 ملايين. 

وقد حلت غالبية هؤلاء في الدولتين الجارتين، الأردن وسوريا.وأحصت الأمم المتحدة في عام 2022 انتقال 345 ألفا و305 لاجئين إلى ألمانيا (44%) الأردن (10%) وإيران (10%). 

انتشار العنفوأدت الإطاحة بالرئيس السابق صدام حسين إلى فراغ في السلطة ما لبث أن تحول إلى توتر طائفي أدى إلى حرب أهلية. 

يقول ميثاق الخطيب "باعتقادي أن الوضع تغير، كل شيء تغير لا أحب الخيارات المطروحة أمامي كشاب عراقي. إذا كان الاختيار بين الحرب وصدام، فهذا ما لا أريده كذلك".

وتفيد معطيات برنامج معلومات مركز أوبسالا الخاصة بالنزاعات، أن 7966 اشتباكا سجلت في عموم العراق بين أعوام 2003 و2021. 

أي ما معدله اشتباك واحد يوميا على مدى 19 عاما.وقد سجلت 60% من حالات العنف (4955 اشتباكا) في 3 محافظات هي نينوى وبغداد والأنبار. 

عدم الاستقرار الاقتصاديمنذ غزو العراق، عانت البلاد من فترة طويلة من التضخم المرتفع. 

وتفيد أرقام صندوق النقد الدولي أن التضخم الاستهلاكي بلغ ذروته عام 2006 ووصل إلى 53%.

ورغم سعي الولايات المتحدة للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي وسعيها بعد عام 2003 لإعادة بناء البنية التحتية لقطاع النفط، فقد أسهم العنف المستشري ونقص السلع والدولرة والسياسة النقدية غير المستقرة إلى ارتفاع منسوب التضخم.تمت السيطرة على التضخم في عام 2008. 

ومع ذلك فقد ارتفعت تكاليف المعيشة في العراق مجددا في السنوات الأخيرة. وفي عام 2020 أدى انخفاض أسعار النفط إلى انخفاض قيمة الدينار العراقي -حسب أرقام البنك الدولي- فقد أتت 99% من عوائد العراق من صادرات النفط ومثلت كذلك 42% من ناتجه المحلي الإجمالي خلال العقد الأخير.

انفجرت الاحتجاجات في جنوب العراق في مارس/آذار من العام 2022 مع الارتفاع الحاد في أسعار السلع. وألقى مسؤولون باللائمة على غزو روسيا لأوكرانيا.

يقول الخطيب: "على الأقل في النظام السابق، كان هناك دولة تعمل رغم الدكتاتورية، ولديها بنية تحتية، واقتصاد يعمل رغم العقوبات والبيروقراطية في الحكومة، وهو أمر استغرق بناؤه عقودا. من الواضح أن الحكومات التي ظهرت بعد عام 2003 لم تدرك ذلك. 

لم يفعلوا ذلك بشكل صحيح".الكلفة الإنسانية للحربيقول الخطيب "أتذكر أحيانا أشياء مرت بي عام 2003، فأقول في نفسي لهذا أنا متوتر للغاية ولهذا أنا مكتئب قليلا"، ويضيف "شيء يشبه مزيج الفوضى التي تركها الأميركيون في بلدي يلاحقني مثل ظلي في هذه الحرب".

وفقا لإحصاء عراقي، استشهد ما لا يقل عن 210 آلاف و90 مدنيا في أعمال عنف مرتبطة بالحرب منذ عام 2003. 

وكانت أعلى الوفيات السنوية في عام 2006 عندما استشهد حوالي 30 ألف مدني. ويقدر مشروع تكاليف الحرب أن مئات الآلاف من العراقيين ربما لقوا حتفهم من آثار الصراع.

وفقا لوزارة الدفاع الأميركية، قُتل 4431 جنديا في المعارك وفي أحداث غير قتالية وجُرح 31 ألفا و994 جنديا في القتال أثناء حرب العراق.الدمار في قطاع التعليمكان تأثير الحرب على قطاع التعليم شاملا. 

فقبل اندلاعها كان هذا القطاع يتمتع بموارد جيدة وكان متاحا للنساء، لكن الغزو الأميركي أثر عليه بشدة وقيد استفادة شرائح معتبرة من المجتمع من خدماته. ويفيد مسح أجرته وزارة التربية والتعليم العراقية في أكثر من 3200 مدرسة ثانوية في جميع أنحاء البلاد أنه بين يونيو/حزيران وأغسطس/آب 2003، أصيب 80% من المدارس إما بأضرار متوسطة أو شديدة.

وكانت النجف أكثر المحافظات تضررا (90% من مدارسها)، تليها نينوى (80%)، أما الأقل تضررا فكانت محافظتا أربيل والسليمانية، علما أنه لم تتوفر معلومات عن الدمار في مدارس بغداد.

دفعت الإطاحة بالحكومة العراقية عام 2003 عدد من الأكاديميين إلى مغادرة البلاد. 

وكانت غالبيتهم قد غادرت بتأثير العقوبات التي فرضت على العراق في التسعينيات، وكذلك بتأثير كبت حرية التعبير. 

تقول روبسون: "كان هناك تأثير فوري على زملائي"، مضيفة أن العديد من الأكاديميين قتلوا بعد الغزو.وتضيف روبسون "كانت الفوضى سائدة وتم اغتيالهم أو قتلهم في خضمها بطريقة مروعة.. باستثناء اثنين منهم، أتذكر أنهما وجدا طريقة للهروب".

أما ميثاق الخطيب فيقول "كانت أمي معلمة في إحدى المدارس القريبة، في واحدة من المراحل، بدأ تنظيم القاعدة ببسط سيطرته القوية على مدينتنا. 

ذات يوم عادت أمي إلى المنزل وقالت أبلغوني أن علي ارتداء النقاب لأن الحجاب وحده لم يعد مقبولا".عن أمله في المستقبل قال الخطيب إنه يريد لعائلته فقط أن تهتم بأمورها العادية. 

وأضاف "أريد أن أضمن التحاق شقيقتي في الجامعة التي تحبها، وألا يجد والدي مشقة في تبديل سيارته، وأن تذهب والدتي في عطلة حيثما تشاء، وأن يتنقل شقيقي على راحته".

ويمضي الخطيب قائلا "ما زلنا نعاني كثيرا من كل هذه القرارات (التي اتخذت منذ بداية الحرب في العراق)، لذا فإن ما أريده حقا هو مجرد أن أحظى بحياة طبيعية، وأن أترك وحدي، وألا أجبر على القيام بأشياء لا أريدها".

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة