01 Jun
01Jun

إزداد التغلغل الإيراني داخل “سوريا”؛ منذ اندلاع الحراك الثوري السوري عام 2011، بدرجة كبيرة على كافة المستويات، في محاولة لكسب مناطق نفوذ في المنطقة؛ حيث سعت “إيران” إلى السيطرة على ثروات الدولة السورية، والاستفادة من الاستثمار في مختلف القطاعات، خاصةً قطاع الطاقة ومشاريع إعادة الإعمار، ومنافسة القوى الدولية الأخرى، لا سيما “روسيا”؛ صاحبة نصيب الأسد في الوجود في “سوريا”؛ بحسب “تحليل الموقف” الذي أعده مركز (إنترريغونال) للتحليلات الإستراتيجية. موضحًا: وبالرغم من أن الهدف المُعلن لـ”موسكو” و”طهران” واحد؛ وهو دعم نظام “الأسد”، فإن الوضع في الداخل السوري أكثر تعقيدًا من ذلك، وخاصة أن السنوات الماضية كشفت عن وجود تباينات بين “روسيا وإيران” داخل “سوريا”

ملء الفراغ.. 

يمكن القول إن هناك عدة عوامل تُفسر مسعى “إيران” لزيادة نفوذها داخل “سوريا”، في الوقت الراهن، ويمكن تناولها على النحو الآتي: توظيف إنشغال “موسكو” بالحرب لتعظيم النفوذ السياسي والعسكري: أدت الحرب “الروسية-الأوكرانية” إلى إنشغال “موسكو” بمحاولة تحقيق أهدافها والحسم العسكري في “أوكرانيا”؛ المدعومة من الغرب؛ ما جعلها فرصة لـ”طهران” لملء الفراغ الروسي في “سوريا” على الصعيد الاقتصادي، من خلال السيطرة على القطاعات المهمة والحيوية التي كانت “موسكو” تُسيطر عليها، كالطاقة والاستثمار، بالإضافة إلى إبرام اتفاقيات التعاون الاقتصادي مع النظام السوري

أما على الصعيد العسكري؛ فقد بادرت “إيران” إلى السيطرة على المناطق التي تنسحب منها القوات الروسية لدعم الوجود العسكري في “أوكرانيا”؛ وذلك لعدم إتاحة أي فرصة للمنافسين لها في “سوريا”، خاصةً “إسرائيل”، لاستغلال ذلك الفراغ لكسب مناطق نفوذ لهم. محاولة استقطاب النظام السوري؛ بعيدًا عن محيطه العربي: في إطار تعزيز العلاقات “الإيرانية-السورية”، استقبلت “طهران”؛ الرئيس السوري؛ “بشار الأسد”، في زيارة مفاجئة لم يُعلن عنها إلا بعد عودة “الأسد” إلى “دمشق”، وهي الزيارة التي أسفرت عن الاتفاق على إعادة تفعيل الخط الائتماني الإيراني لمد “دمشق” بالطاقة والاحتياجات الأساسية الأخرى؛ لسد النقص الحاد فيها، مع التعهد بتقديم الدعم الاقتصادي للنظام السوري

وقد جاء توقيت هذه الزيارة ليؤكد عزم “إيران” دعم وجودها الاقتصادي والسياسي في “سوريا” مع انخراط “موسكو” في حربها ضد “كييف”.

لكن ليس بالضرورة أن يكون هذا التدخل الإيراني ضد رغبة “روسيا”، في ظل عدم التوافق بين “روسيا” والغرب، بالإضافة إلى التوترات مع “تل أبيب” التي تُنافس الوجود الإيراني في “سوريا” وتستهدف نقاطًا عسكريةً للميليشيات الإيرانية دون اعتراض روسي. فلا يمكن استبعاد فرضية التنسيق “الروسي-الإيراني” للضغط على الغرب

بالإضافة إلى ذلك؛ تُحاول “طهران” فصل “سوريا” عن محيطها العربي؛ بعد زيارة “الأسد” إلى أول دولة عربية منذ بداية الحرب، وهي “الإمارات العربية المتحدة”؛ لذلك تُريد “طهران” ضمان “دمشق” في صفها، ووأد أي سعي لعودتها إلى الحضن العربي

استغلال انخفاض المساعدات الإنسانية لـ”سوريا” وتفاقُم الأزمات

كانت الدولة السورية هي الأكثر تأثرًا بالظروف العالمية المتمثلة في إنشغال المجتمع الدولي وتحويل كل الجهود لحل الصراع في “أوكرانيا”؛ بتقديم المساعدات الإنسانية للشعب الأوكراني، الذي يُعاني من ويلات الحرب؛ فقد وصل عدد اللاجئين الأوكرانيين إلى: 5.5 مليون لاجيء إلى الدول الأوروبية المجاورة، بالإضافة إلى: 07 ملايين نازح داخل الحدود الأوكرانية. يُضَاف إلى ذلك استمرار الآثار الاقتصادية والصحية المدمرة لجائحة (كوفيد-19)؛ التي ضربت الاقتصاد العالمي لتُزيد حاجة الدول إلى المساعدات الطبية للحماية والسيطرة على الوباء

وحيث إن وضع الاقتصاد السوري المُدمر من آثار الصراع في حالة يُرثَى لها إلى حدٍ لا يستطيع معه مواجهة الهزات العنيفة المتتالية على الساحة الدولية، فإن طول أمد الصراع الداخلي، الذي أدى إلى سوء الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية، زاد الحاجة الماسَّة إلى المساعدات الاقتصادية والإنسانية

تُجدر الإشارة في هذا الصدد؛ إلى أن المساعدات الدولية كانت في معظمها قاصرة عن حل أزمة الشعب السوري نتيجة تدخل العديد من الأطراف الدولية، وعلى رأسها “الولايات المتحدة، وروسيا، وتركيا، وإيران”، بزعم السعي إلى تهدئة الأوضاع وتقديم المساعدات، ولكن في حقيقة الأمر لم تكن الجهود سوى أجندات لكل طرف لمحاولة كسب مناطق نفوذ على حساب أمن واستقرار الدولة السورية. في ظل هذه التدخلات، تعقَّد الوضع السوري ولم تستطع الأطراف الوصول إلى حلٍ سياسي توافقي. وبعيدًا عن الصراعات السياسية، فإن الخاسر الأكبر هو الشعب السوري؛ بحسب تقييم المركز البحثي

علاوة على ذلك؛ جاءت الحرب “الروسية-الأوكرانية” لتُزيد حدة هذه الأزمة في ضوء قلة المساعدات الإنسانية لـ”سوريا” عن المطلوب توفيره بنسبة أكثر من: 90%؛ ليصل حجم المساعدات التي تم توفيرها إلى ما قيمته: 416 مليون دولار تقريبًا من إجمالي ما تعهَّدت به الدول المانحة والمنظمات الدولية بقيمة: 4.5 مليار دولار، وهو رقم صغير جدًا مقارنةً بما يحتاجه الشعب السوري في ظل التحديات الداخلية والدولية التي يواجهها

ويعود ذلك إلى توجيه الاهتمام الدولي بكل أذرعه – سياسية كانت، أو اقتصادية، أو إعلامية – إلى أزمة “أوكرانيا”. فـ”سوري”ا على وشك أن تُصبح أزمة منسية؛ كما صرَّحت “غويس مسويا”؛ مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ونائبة منسق الإغاثة في حالات الطواريء، أثناء زيارتها إلى “سوريا” التي استمرت ثلاثة أيام، وأضافت أن عدد الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، كالغذاء والمستلزمات الطبية والمأوى، قد بلغ: 4.1 مليون سوري، كما أعلنت “منظمة الأمم المتحدة للطفولة”؛ (يونيسيف)، أن أكثر من: 6.5 مليون طفل في “سوريا” بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وهي النسبة الأعلى منذ بدء الصراع؛ ما يدل على تفاقُم الأزمة مع مرور الوقت، وزيادة الحاجة إلى الاهتمام الدولي لحل الصراع

تعزيز الحضور في الاقتصاد السوري المُنهك بالحرب والعقوبات

على مدار 11 عامًا، ظلت الدولة السورية تُعاني من تداعيات الحرب الطويلة التي استنفدت ثرواتها، بالإضافة إلى الأزمات التي اندلعت في دول الجوار، مثل الأزمة المالية في “لبنان”؛ التي أدت إلى انقطاع مورد هام للدعم كان يصل إلى الأراضي السورية، بالإضافة إلى “العقوبات الغربية” المفروضة عليها؛ المتمثلة في (قانون قيصر)، المفروض من “الولايات المتحدة”. وكذلك إرتباط النظام السوري بالجانب الروسي، ودعمه له يجعله عرضة للمزيد من “العقوبات الغربية”؛ التي تطال كل من يتعاون مع “موسكو”.

علاوة على ذلك، فإن الآثار الناجمة عن تفشي فيروس (كورونا) قد أثرت سلبًا على الاقتصاد العالمي والتبادل التجاري، فكانت “سوريا” من أشد المتأثرين بتلك الجائحة؛ بسبب ضعف اقتصادها وعدم قدرته على تلقي الصدمات

وتضافرت كل تلك الأسباب – علاوة على إنقطاع الدعم الروسي – لتعصف بالاقتصاد السوري؛ فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي لـ”سوريا” أكثر من: 60% منذ عام 2011؛ إذ وجدتها “طهران” فرصة سانحة لتعزيز حضورها الاقتصادي خلفًا لـ”موسكو” المُنافِس الأول لها

وبالرغم من زيادة النفوذ العسكري والسياسي لـ”طهران” في “سوريا”، يظل حجم الاستفادة الاقتصادية ضئيلاً مقارنةً بالمجالات الأخرى؛ فالتبادل التجاري بين “دمشق” و”طهران” يُعد ضعيفًا؛ مقارنةً بما كان عليه الحال قبل الثورة السورية؛ حين كانت “سوريا” تُعَد متنفسًا للاقتصاد الإيراني في ظل “العقوبات الغربية”؛ المفروضة عليها؛ حيث كان حجم صادرات “إيران” إلى “سوريا”؛ 

في عام 2011، يبلغ: 456 مليون دولار مقابل: 25.6 مليون دولار صادرات الجانب السوري؛ وذلك قبل أن ينخفضا ليصلا إلى: 156 مليونًا و6.31 مليون دولار في آخر الإحصاءات المعلنة في 2018. وتسعى “إيران” إلى استعادة دورها الاقتصادي مع بداية استقرار الأوضاع في “سوريا”، ووجود العديد من فرص الاستثمار، خاصةً في إعادة إعمار ما خلفته الحرب، وهي الفرص التي كانت تُسيطر عليها “موسكو”، بالإضافة إلى تلبية حاجة السوق الاستهلاكية السورية التي يُعاني من قلة الموارد والاحتياجات الأساسية.

ورقة ضغط.. 

خلاصة القول: تُحاول “إيران” الاستفادة مما يحدث في الساحة الدولية حاليًا لزيادة الحضور في “سوريا”؛ للضغط على الغرب، ومن ثم فإن تضافُر كل الظروف السابق ذكرها جعل “سوريا” تربة خصبة للتدخل الإيراني؛ فهي تستغل الصراعات في المنطقة العربية لتعزيز نفوذها الإقليمي، كما يُعتبَر الحضور الإيراني في المنطقة محاولة منها لكسر العزلة السياسية والاقتصادية بسبب “العقوبات الغربية”، وتعثر المفاوضات بشأن “الاتفاق النووي”

في المقابل؛ لن يكون طريق التدخل خاليًا من التحديات؛ حيث إن القوى الدولية لن تقبل بـ”إيران” لاعبًا وحيدًا في الساحة السورية، خاصةً “الولايات المتحدة”؛ التي تتعرض لضغوط كثيرة أهمها التضخم في الداخل، والحرب “الروسية-الأوكرانية”، وأزمة الطاقة والغذاء العالمي دوليًا، بالإضافة إلى المحيط العربي الذي يسعى جاهدًا إلى إخراج “سوريا” من محنتها ومساعدتها على وقف نزيف الاقتصاد السوري وإعادة إعمار ما دمرته الحرب، وهو ما يُعطي هامش مناورة كبيرًا للرئيس السوري في مواجهة النفوذ الإيراني لزيادة الاعتماد على الدول العربية القادرة على مد “سوريا” بالدعم اللازم، في ظل تقاعس المجتمع الدولي.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة