مع بداية حزيران يونيو الحالي افتتحت معاهد التدريس الخصوصي أبوابها لطلاب السادس الإعدادي قبل حلول العام الدراسي الجديد، لذا فكر الطالب مقداد عادل (17 عاما) بشراء دراجة هوائية قبل أسبوع، لتقله من وإلى المعهد الذي يبعد عن داره بمسافة كيلومتر واحد.
قبل أعوام، كانت ترصف العشرات من الدراجات الهوائية أمام معاهد التدريس أو المدارس، كوسيلة نقل يسيرة للطلبة، لكن الآن لا يبدو هذا المشهد حاضراً، فحتى الطالب عادل تراجع عن المجيء بدراجته التي اشتراها قبل أسبوع.
يقول عادل ، إن “الطقس حار جدا، جربت أن أذهب فيها مرتين إلى الدرس لكنني أصل إلى هناك وأنا أتصبب عرقا، لاسيما أن المحاضرة تبدأ الساعة العاشرة والنصف”.
الدراجة الهوائية، والتي يسميها العراقيون “البايسكل”، نقلا عن الإنجليزية، لم تعد بحال أفضل، فقد أصبحت تختفي من الشوارع إلى حد ما، بالمقارنة مع الدراجة النارية ووسائل النقل الأخرى، ولكن ليست حرارة الطقس وحدها من ساهمت في الحد من استخدام هذه الوسيلة صديقة البيئة.
ويؤكد المهندس المختص في تنظيم المدن، محمد النصراوي خلال حديث لـه، إن “حركة الدراجات الهوائية بدأت تنعدم في الشوارع بسبب عدم وجود مساحة لها، وانعدام توفير طرق مخصصة لقيادة وسيلة النقل هذه، لأن الشارع ممتلئ بالسيارات والدراجات النارية، وفي الفترة الأخيرة عربات التكتك والستوتة”.
ويضيف أن “الشوارع العراقية عشوائية في التصميم والتنفيذ، فلا أرصفة منتظمة ولا خطوط تراعي المارة، وليست طرق الدراجات الهوائية منعدمة فحسب، بل لم تراع الشوارع أيضا توفير مسارات لذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن وفاقدي البصر، وهذه خدمات إنسانية قد تكون أهم من طرق الدراجات الهوائية”.
ويتابع النصراوي، أن “التجربة الشخصية مع الدراجة أثبتت أن من الصعب ممارسة هذه الرياضة أو الهواية أو استخدامها كوسيلة نقل صديقة للبيئة، ففي المرات التي كنت أقود الدراجة، أعود خائبا ومتربا وربما امتلئ بالوحل والطين”.
ويتساءل المهندس، عن “كيفية سير الدراجة، وسط فوضى الشارع، فأصحاب السيارات لا يفتحون أي مسار للدراجة إضافة إلى أنهم يرصفون العجلات على جوانب الشارع في غير الأماكن المخصصة، أما الأرصفة فإضافة إلى عدم توفرها على مسارات، قد تحتوي على العديد من التجاوزات سواء من أصحاب المنازل في المناطق السكنية أو عربات الباعة في المناطق التجارية”.
وخصصت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 3 حزيران يونيو، يوما عالميا للدراجة الهوائية، اعترافًا بالخاصية المتفردة للدراجة الهوائية وتعدد استخداماتها منذ أكثر من قرنين من الزمن، ويأتي تخليد هذا اليوم العالمي إدراكا من هيئة الأمم المتحدة لأهمية مساهمة الدراجة الهوائية في تحقيق الأهداف الـ 17 التي حددتها في ما يتعلق بالتنمية المستدامة، معتبرة الدراجة الهوائية “وسيلة نقل بسيطة، في المتناول وموثوقة ونظيفة ومستدامة وصديقة للبيئة وتحافظ على الصحة”.
وفي العراق، أكد بيان للجنة الأولمبية العراقية، أمس، أن عقيل مفتن رئيس اللجنة، شارك في مسابقة للدراجات الهوائية في بغداد، احتفاء بهذا اليوم، فيما وعد بتقديم دعم خاص لاتحاد الدراجات بغية توسيع قاعدة اللعبة وانتشارها بشكل كبير في ربوع العراق، مشيراً إلى أنه وبقية أعضاء اللجنة الأولمبية عازمون على عودة رياضة الإنجاز العالي إلى وضعها الصحيح بعد سبات طويل لم يتحقق فيه إنجاز أولمبي يتلاءم وحجم العراق سكانياً والدعم الحكومي، لاسيما في عهد رئيس الوزراء محمد شايع السوداني الداعم الأول لرياضة العراق.
وتروي المصادر التاريخية أن الدراجة الهوائية دخلت إلى العراق منذ عام 1906، وكان البغداديون قد أطلقوا على هذه الدراجة اسم الحصان الحديدي، وكان ذلك زمن الوالي العثماني مجيد بيك، الذي حكم بغداد من سنة ١٩٠٥ حتى سنة ١٩٠٦.
وتعتبر الدراجة الهوائية وسيلة نقل سهلة لا تكلّف من يمارسها إلا خسارة الوحدات الحرارية، كما تتميز بفوائد كبيرة على الجانب البيئي والصحي للإنسان.
ويقع العراق في المراتب الأخيرة على مؤشر الأداء البيئي العالمي، ففي بغداد، تكمن بعض أسباب هذا التلوث في استخدام وسائل النقل المضرة، إذ تشكل عوادم السيارات “نسبة أكثر من 60 بالمئة من مجموع الانبعاثات الملوثة للهواء في بغداد، حيث تتكون من الملوثات الغازية والدقائقية الناتجة عن محركات الاحتراق الداخلي العاملة بالبنزين والكازاويل”، بحسب مدير قسم مراقبة وتقييم نوعية الهواء والضوضاء في وزارة البيئة، علي جابر لفتة.
وأضاف لفتة، أن “تلك الانبعاثات تزداد خطورتها على الصحة العامة بسبب انبعاثات أكاسيد الكاربون والنتروجين والكبريت المسببة لمختلف الأمراض التنفسية، إضافة إلى التأثير المسرطن للملوثات الهيدروكاربونية المتطايرة والجسيمات ذات الحجم المتناهي في الصغر (اقل من 2.5 مايكرون)”.
وعلى عكس العراق، تشير الإحصاءات إلى أن عدد مستخدمي الدراجات الهوائية في العالم يزداد بشكل مستمر، حيث بلغ عدد المستخدمين اليوميين للدراجات الهوائية ما بين 35 إلى 40 مليون شخص يوميا في أوروبا وحدها، وفقًا للجمعية الوطنية للصحة واللياقة البدنية.
إلى ذلك، يعود النصراوي، ليطالب بـ”تخصيص مسارات جانبية للدراجات وتخصيص أماكن وقوفها كما في الدول الأخرى، وتذليل العقبات التي تواجه حركة أصحاب الدراجات الهوائية، لان هذا التجمع يحمل رسالة إنسانية نبيلة، فضلا عن أنها رياضة محببة وممتعة وتستطيع اغلب فئات المجتمع ممارستها”.