خلّفت ماكنةُ الحرب التي تدور في العراق منذ أربعة عقود، جيشاً من الأرامل على قارعة العوز والاستغلال، وبالرغم من العدد الهائل للنساء التي رملتها الحروب، إلا أن متحدثا حكوميا أشّر أن معدل الترمل الطبيعي (والذي يشمل كل من تعدى عمرها الخمسين) أعلى من الترمل غير الطبيعي (بسبب الحروب والنزاعات)، دون إحصاءات وأرقام توضح العدد الحقيقي للأرامل في العراق.
ويصادف يوم غد، الثالث والعشرون من حزيران يونيو اليوم العالمي للأرامل الذي تم توثيقه من قبل الأمم المتحدة وهو يوم عمل لمواجهة "الفقر والظلم الذي تتعرض له الملايين من الأرامل وعائلاتهن في العديد من البلدان".
وتؤكد الأمم المتحدة أن 258 مليون أرملة في العالم، تعيش عشرهن في ربقة فقر مدقع، لافتة إلى أن ندرة البيانات الموثوقة والتي لا يمكن الاعتماد عليها لا تزال إحدى العقبات الرئيسية التي تحول دون وضع السياسات والبرامج التي تهدف إلى التصدي للفقر والعنف والتمييز الذي تعاني منه الأرامل.
ففي العراق، لا تملك وزارة التخطيط إحصاءً دقيقا حول عدد الأرامل، إذ يقول المتحدث باسمها عبد الزهرة الهنداوي خلال حديث لـ"العالم الجديد" إن "الأرقام التي نمتلكها قديمة، وهي لا تظهر نتائج تتطابق مع الواقع الحالي، لكن الوزارة تعتزم العمل على مسح جديد لإحصاء هذه الشريحة".
وعلى الرغم من احتمال "تخطي العدد حاجز المليون"، لكن الهنداوي يشير إلى أن "النسبة الأكبر من الأرامل هي للترمّل الطبيعي، أي النساء التي يتعدين أعمار الخمسين عاما".
وتعود آخر إحصائية رسمية إلى 2016 إذ أكدت وزارة التخطيط أن عدد الأرامل في العراق من سن 12 عاما فما فوق بلغ 850 ألف أرملة، لافتة إلى أن هذا العدد لا يشمل محافظتي الأنبار ونينوى، غير أنه شمل محافظات إقليم كردستان أيضاً.
ويعجز العراق غالبا عن إجراء الإحصاءات، إذ يعود آخر تعداد سكاني إلى العام 1997، وهي عملية شابتها الكثير من المشاكل، فلم يشمل الاستطلاع إلا 15 محافظة بعد استبعاد محافظات إقليم كردستان، الأمر الذي دفع بعض الباحثين لعدم الاعتراف بنتائجه والاكتفاء ببيانات الإحصاء الذي سبقه بعشر سنوات وشمل جميع محافظات العراق.
ولا يتعلّق التعداد بإحصاء عدد السكان فقط، وإنما يحدد أدق تفاصيل التركيبة السكانية للدولة التي تعتمد عليها الحكومات لاحقا لبناء خططها في مجالات التربية والتعليم والصحة وغيرها، والأرامل هي إحدى تلك التركيبات التي تحتاج إحصاء.
وتؤكد رئيسة منظمة الأمل والناشطة النسوية هناء إدور، أن "معظم الإحصاءات تعود إلى وقت بعيد، وجرى تقدير عدد الأرامل آنذاك من مليون إلى مليوني أرملة"، لكنها تتوقع أن "العدد أصبح أكبر خلال العقد الماضي لما شهده من حروب وجائحة وبائية".
وتضيف إدور، أن "الكثير من الأرامل في العراق شابات ويمتلكن أطفالا صغارا، إذ يمررن بظروف قاسية في ظل التقاليد والأعراف التي تقيد وتحجر المرأة الأرملة في البيت، ما يفوت الكثير من حقوقها ويغلق عليها أبواب الفرص، حتى أن بعض الأرامل لا يملكن مستمسكات ثبوتية لأطفالهن".
وتكمل، أن "هذه الأعراف التي يتبعها الأهالي هي مصادرة لحقوق المرأة، تؤدي إلى حرمانها من العمل وتحصيل الدخل إضافة إلى حرمانها من حق تقرير مصيرها، إذ يتم إجبارها أحيانا على الزواج من شخص لا ترغب به، أو القبول بآخر يتخذها كزوجة ثانية، فالمجتمع يشجع على أن يكون الزواج الثاني من أرملة".
وعن دور الدولة تجاه هؤلاء النساء، تتابع أن "وزارة العمل موجودة، وتخصص منحا لهذه الشريحة، لكن معظمهن لا تملك إمكانية الخروج والتنقل لاستحصالها، وحاولنا كمجتمع مدني قدر الإمكان مساعدة هؤلاء النساء لاسيما ممن يسكنَّ القرى والأرياف واستطعنا مثلا في الشرقاط ومناطق صلاح الدين الأخرى جمع 100 امرأة وجرى تسجيلهن في برنامج الحماية الاجتماعية، على الرغم من أن هذه المنح تكفي لسد الجوع فقط، لكن العوز موجود على أي حال".
وتجد إدور، أن "الأرامل يحتجن إلى تأهيل أكثر من الحاجة إلى المساعدة المادية"، لافتة إلى أن "التعليم المسرّع والامتحانات الخارجية قد تفتح أبواب الأمل مرة أخرى أمامهن وتمنحن قدرة الوقوف والاعتماد على أنفسهن، ونحن نمتلك تجارب حيّة في هذا الشأن إذ ساهمنا في إحدى المرات بتأهيل أرملة تعيل سبعة أطفال، ونجحت في عبور الدراسة المتوسطة والإعدادية وحصلت على عمل".
وبشأن حالات التحرش والاستغلال التي تتعرض لها الأرامل أو المطلقات، تبدي الناشطة النسوية، أسفها لـ"وجود الكثير من الحالات المرصودة التي تثير الغضب والأسى، فقد تفاقمت الظاهرة الى حد كبير، وتحتاج إلى وقفة جادة ووضع حد لهذه التجاوزات"."، مشيرة إلى أن "هذه الحالات تجري خلال مراجعتهن الدوائر الحكومية ومراكز الشرطة، إذ يتم استغلال حاجتهن المادية ويتم الاعتداء على كرامتهن، وفي بعض الأحيان تصل الأمور إلى ابتزازهن باتهامات كيدية".
وتدور قصص كثيرة عن حالات التحرش بالأرامل والمطلقات في العراق أثناء مراجعتهن الدوائر الحكومية من أجل الاستحقاقات المادية، إذ يتم انتهاز ضعف الحالة المادية مقابل استغلالهن جنسياً.
من جهته، لا ينكر مستشار وزير العمل كاظم العطواني وجود هذه الحالات، إذ يكشف،أن "كمائن كثيرة جرى نصبها أوقعت معقبين وموظفين مرتشين ومنتحلي صفة باحثين اجتماعيين، وتم القبض على عدد كبير منهم، ولا تزال الوزارة بالتعاون مع الأجهزة الأمنية تتابع أي حالة شاذة وغير صحيحة".
وفيما يدعو العطواني "كافة النساء وكذلك الرجال للتبليغ عن أي حالة ابتزاز سواء داخل الوزارة أو خارجها"، يكشف أن "عدد النساء المستفيدات والمسجلات على منح الحماية الاجتماعية أكثر من 467 ألف مستفيدة غالبيتهن من الأرامل، وهناك فئات أخرى من النساء موزعة بين المطلقات وزوجات السجناء والمفقودين والمهجورات وغير المتزوجات ممن تجاوزت أعمارهن 35 سنة".
ويتابع، أن "كافة الأرامل مشمولات بالحماية الاجتماعية، لا سيما ممن ليس لديها راتب أو تقاعد أو مصدر رزق ثابت، ولا تزال الوزارة تستقبل طلبات الشمول للنساء فقط".
وتسجل نسبة الفقر في العراق مستويات مرتفعة قياسا بالدول المحيطة، وذلك بسبب الفساد الإداري والمالي، وغياب التخطيط، والخلافات السياسية، التي انعكست بشكل كبير على الواقع المعيشي للفئات الهشة ومنها الأرامل.
وتفيد البيانات الرسمية بأن قرابة 3 ملايين عراقي يتلقون منحا مالية شهرية من الحكومة. وهم من أصل 9 ملايين يستحقون المساعدة ولا تستطيع الحكومة تقديمها لجميعهم بسبب ضعف المخصصات.