“بقدم عرجاء”، احتفل العراق أمس الجمعة، باليوم العالمي لحرية الصحافة، كما يصف مدافعون عن الحريات الصحفية، بسبب مئات الانتهاكات التي تعرّض لها الصحفيون خلال العام الماضي وما سبقه، وفيما لفتوا إلى أن هذه الانتهاكات تؤشر منهجية “عدوانية” للسلطات ضد الصحفيين، أكدوا أن السلطات المستقلة والنقابات كانت أدوات ساندة لهذه المنهجية، لافتين إلى أن نقص التشريعات التي تحمي الصحفيين وفوضى الحريات هي أسباب تحد من سقف حرية الإعلام في العراق.
ويقول رئيس جمعية الدفاع عن حرية الصحافة، مصطفى ناصر، خلال حديث لـه ، بأنه “لا جديد في ملف حرية الصحافة، فالجمعية سجلت ارتفاعا بأعداد حالات الاحتجاز والاعتقال والملاحقات والمضايقات المتنوعة والأحكام القضائية وأوامر القبض بحق الصحفيين”.
ويضيف ناصر، أن “هذه الانتهاكات تؤشر منهجية عدوانية تستخدمها السلطات بشكل فج، تارة من الجهات السياسية والمتنفذين، وتارة أخرى بالإيعاز للأجهزة الأمنية بمطارده الصحفيين في الشوارع ومنعهم من التصوير كما حصل في البصرة بأوامر من قائد شرطة المحافظة”.
ويردف أن “الهيئات المستقلة والنقابات الصحفية برزت هي الأخرى كأدوات ساندة لمنهجية الترهيب والقمع بحق الصحفيين ونال بعض الصحفيين عقوبات فصل ونقل وتهميش وإقصاء من قبل رؤساء بعض المؤسسات الصحفية”، لافتا إلى أن “هذه المنهجية البوليسية تتنافى مع وعود رئيس وزراء محمد شياع السوداني الذي تعهد فور تسنمه للسلطة بحماية حرية الإعلام وترسيم الديمقراطية والحريات”.
وكان رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، قد عبر في تغريدة له على منصة “أكس”، أمس الجمعة، عن دعمه الكامل للصحفيين في ممارسة عملهم دون تضييق أو قسر “من أجل أن يمارسوا عملهم بحرية تامة، وفقا لدستورنا الذي يضمن الحريات العامة”.
ويشير رئيس جمعية الدفاع عن حرية الصحافة، إلى أن “هذه الانتهاكات تشي بتنفيذ منهجية تهدف إلى خفض سقف حرية العمل الصحفي المنخفضة أصلا، بعد أن فرضت القوى الحاكمة سيطرة شبه مطلقة على جميع الهيئات المستقلة والكيانات التي ضمن الدستور استقلالية قراراتها”، مطالبا بـ”إعادة محكمة النشر والإعلام والتي ألغاها من القضاء الأعلى بحجة عدم وجود قانون لها، وكذلك التزام المحاكم بتوصيات مجلس القضاء بخصوص قضايا النشر وعدم اعتبارها جرائم جنائية”.
كما يطالب ناصر، مجلس النواب بـ”القيام بمهامه في إصلاح المنظومة القانونية الحامية لحرية العمل الصحفي وإقرار قانون عادل لحق الحصول المعلومة، وكذلك رئيس الوزراء بالإيفاء بوعوده بشأن حماية الصحفيين من بطش وعنف الأجهزة الأمنية ومحاسبة مصدري الأوامر بقمع الصحفيين وفق أهواء شخصية، والعمل الجدي على ملف إنهاء الإفلات من العقاب ضد مرتكبي الانتهاكات ضد الصحفيين”.
إلى ذلك، وثقت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة خلال الفترة من أيار مارس 2023 حتى الشهر الحالي، انتهاكات طالت الصحفيين ووصلت إلى 333 انتهاكا توزعت بين الاحتجاز والاعتقال والإصابات، فضلا عن المداهمة او الاقتحام بهجوم مسلح على منازل الصحفيين ومقار وسائل الإعلام، إذ وصلت حالات الاحتجاز 53 حالة، والإصابات 6 حالات، وهجمات مسلحة 12 حالة، منع وعرقلة وضرب 232 حالة، رفع دعاوى ضد الصحفيين، 22 حالة، وانتهاكات أخرى 8 حالات.
وبحسب رصد الجمعية، فإن شهر نيسان أبريل الماضي سجّل أعلى الانتهاكات بـ57 حالة، يليه شهر آب أغسطس 2023 بـ47 حالة من المجموع الكلي للانتهاكات خلال عام، وعلى صعيد المحافظات احتلت بغداد صدارة المدن الأكثر انتهاكا للصحفيين بـ66 حالة تليها أربيل بـ64 حالة، ثم البصرة بـ54 حالة.
من جهته، يؤكد عضو تحالف الدفاع عن الحريات علي عبد الزهرة، خلال حديث لـه ، أن العراق يحتفل في اليوم العالمي لحرية الصحافة بقدم عرجاء حتى هذه اللحظة، فبعد 21 عاما من التجربة الديمقراطية، لم نلمس الديمقراطية في العمل والتعامل مع الصحفيين من قبل السلطات المتعاقبة تحديدا منذ 2005 حتى هذا اليوم”.
ويرى عبد الزهرة، أن “ذلك يعود لسببين؛ الأول هو نقص التشريعات لتوفير المظلة القانونية للحريات الصحفية وضمنها حق الحصول على المعلومة والتصرف بها وقانون جرائم المعلوماتية، فحتى هذا اليوم لا يزال الصحفيون معرضين للمساءلة وفق قوانين العهد الدكتاتوري ضمن قانون العقوبات وتطبيق مواده القاسية بحق أي صحفي يمكن أن يتنقد فساد جهة حكومية أو سياسية تحت بند إهانة السلطات أو إفشاء أسرار الدولة إذا ما نشر الصحفي مستندات أو ملفات فساد”.
وكان مجلس النواب قرأ في تشرين الثاني نوفمبر 2021، مشروع قانون جرائم المعلوماتية القراءة الثانية، مجددا اللغط حول القانون الذي طرح في النسخة التي قدمت من مجلس الوزراء عام 2011، وتم رفضه من قبل الشارع العراقي ومنظمات دولية، لما تضمنه من عقوبات تحد من حرية التعبير عن الرأي التي كفلها الدستور.
ويضيف عضو تحالف الدفاع عن الحريات، أن “السبب الآخر، هو أن هناك فوضى حتى اليوم، بتنظيم الحريات، ما جعل السياسيين والمسؤولين التنفيذيين يتغولون على الصحفي، وشاهدنا وزير التخطيط كيف تعاملت حماياته قبل مدة مع صحفيين واحتجزت كادر مؤسسة لأنها تواجدت أمامه”.
ويلفت إلى أن “حرية الصحافة والإعلام غائبة حتى اليوم، لذا نحتاج إلى توعية وتشريعات حقيقية، نعم هناك قانون حق الحصول على المعلومة مطروح في البرلمان الآن لكنه قانون اكتفى بالاسم فقط، لأن محتواه ومواده تقيد الوصول إلى المعلومة، بل لم تذكر أي حق للصحفيين للحصول على المعلومة وربطت المعلومات بأصحاب العلاقة إذ على الصحفي أن يطلب معلومات عن ملف فساد من الجهة نفسها وفق إجراءات بيروقراطية طويلة”.
ويخلص إلى أن “القوانين المطروحة مفرغة من محتواها، وهي قوانين بوليسية كتبت بعقلية أمنية لا تؤمن بالشفافية، لذا فهي تحجب المعلومات عن الصحفيين، وليس كما يفترض تمنحهم حقهم في الوصول إليها وفقا للاتفاقيات الدولية التي وقعها العراق”.
ويحتفل العالم في الثالث من أيار مايو من كل عام باليوم العالمي لحرية الصحافة، وهو يوم حددته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو، لتحيي عبره ذكرى اعتماد إعلان ويندهوك التاريخي الذي تم في اجتماع للصحافيين الأفارقة في 3 أيار مايو 1991.
وتخصص الأمم المتحدة هذا اليوم للاحتفاء بالمبادئ الأساسية، وتقييم حال الصحافة في العالم، وتعريف الجماهير بانتهاكات حق الحرية في التعبير، والتذكير بالعديد من الصحفيين الذين واجهوا الموت أو السجن في سبيل القيام بمهماتهم في تزويد وسائل الإعلام بالأخبار اليومية.
وتصدّرت جزر القمر، مؤشر حرية الصحافة في العالم العربي للعام 2024، فيما حل العراق بمرتبة متدنية 169 رغم مرور أكثر من 21 عاما على الإطاحة بالنظام الشمولي السابق، وفق تقرير صدر العام الماضي عن منظمة “مراسلون بلا حدود” الدولية، وبحسب التقرير نفسه، جاءت الكويت بالمرتبة 131 والكويت 140 والسعودية 166 ومصر 170 والبحرين 171 وسوريا بالمرتبة قبل الأخيرة (179).