على الرغم من مرور عشرين عاما على التغيير السياسي في البلاد، ومروره بالعديد من التجارب الانتخابية، إلا أن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ما زالت تقر بصعوبة السيطرة على "الجريمة الانتخابية" المتمثلة باستغلال موارد الدولة في الحملات الدعائية للمرشحين، ومع أن المفوضية تؤكد تطبيقها لقانون الأحزاب الهادف للحد من تلك الخروق، غير أن مراقبين سياسيين وقانونيين أشاروا إلى أن هذا القانون ما زال حبرا على ورق، مؤكدين أن تطبيقه يعني حرمان نصف الأحزاب من المشاركة في الانتخابات.
ويقول عضو الفريق الإعلامي للمفوضية العليا للانتخابات عماد جميل، إن "استغلال واستثمار موارد وأموال الدولة في الدعاية الانتخابية مشكلة أزلية لم نستطع معالجتها، إذ أن هناك الكثير من المرشحين ممن يمتلكون مناصب يستغلون موارد الدولة لحملتهم الدعائية، فغالبا ما يقف هؤلاء أمام مشاريع خدمية وينسبونها لأنفسهم بغرض الدعاية قبيل الانتخابات".
ولحل هذه المشكلة، يضيف جميل: "اقترحنا أن يمنح أصحاب الدرجات الخاصة وممن يملكون مناصب خدمية إجازة لا تقل عن ثلاثة أشهر، لكن لم نلق آذانا صاغية"، لافتا إلى أن "هؤلاء لو منحوا إجازة سيتجردون خلالها من صلاحيات الصرف واستخدام معدات الدائرة وإمكانياتها لصالح الدعاية الانتخابية".
وبشأن تطبيق قانون الأحزاب، يشير إلى أن "المفوضية تعمل على تطبيق القانون فالمرشحون الذين تقدموا لا يرتبطون بفصائل مسلحة أو تنظيم إرهابي وغير مرتبطين بحزب البعث وغيره من المحظورات".
وفيما يخص الذمم المالية للأحزاب، يؤكد أن "ما يخص عمل المفوضية هو تزويد هيئة النزاهة بأسماء رؤساء الأحزاب ومقراتها ومصادر التمويل الموجودة في سجلاتنا وهي التي يقع على عاتقها اتخاذ الإجراءات الكفيلة بذلك"، لافتا إلى أن "قانون الانتخابات لم يحدد مبالغ الدعاية الانتخابية، فإذا أجرينا حساب الكلفة على عدد الناخبين، فإن المبالغ ستصل إلى حجم كبير".
وكانت هيئة النزاهة، أعلنت أمس الأول السبت، البدء بإجراءات تدقيق الذمم المالية لرؤساء ومؤسسي الأحزاب، في إطار تحضيرات انتخابات مجالس المحافظات، وأكّدت الهيئة أنّها طلبت من الجهات المختصة إرسال أسماء المشمولين بـواجب الإفصاح عن الذمة المالية من رؤساء الأحزاب وأعضاء الهيئات المؤسّسة، وأسماء رؤساء منظمات المجتمع المدني، مشيرة إلى أن استجابة رؤساء الأحزاب "متدنية جدًا"، بالمقارنة مع الجهات الأخرى المشمولة بإجراءات كشف الذمم.
وكان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، حدد يوم 18 من شهر كانون الأول ديسمبر المقبل موعداً لإجراء انتخابات مجالس المحافظات لعام 2023.
وكشف تقرير سابق، عن استخدام كافة وسائل الدعاية الانتخابية، في الانتخابات الماضية منها عمليات تعبيد الطرق ووضع محولات الطاقة الكهربائية، وغالبا ما تكون ضمن استخدام موارد الدولة.
من جهته، يؤكد المحلل السياسي فلاح المشعل،أن "استغلال الإمكانيات المادية واللوجستية للدولة لصالح مرشحين أو أحزاب هي عادة سيئة جرت وتجري منذ 14 سنة إلى الآن، وهذه الممارسة تتم من قبل الجميع بلا استثناء، إذ تكاد هذه الظاهرة أن تكون متجذرة بالجسد السياسي العراقي، ولأن الجميع يمارسها فإن لا أحد يستخدم الفيتو ضدها، سواء من الشيعة أو السنة والكرد، فهي تشكل جزءا من السلوك السلبي للعملية السياسية في استغلال المنصب والمال العام وتوظيف إمكانات الدولة لخدمة الحزب أو الدائرة".
ويضيف المشعل، أن "المؤسسات الرقابية لا تستطيع أن تمنع هذه السلوكيات، فهي الأخرى تخضع للأحزاب، إذ أن العراق لا يملك هيئة مستقلة بشكل تام، فالسلطات توزع بين الأحزاب التي تستحوذ على الأغلبية البرلمانية".
ويتابع أن "البرلمان يجب أن يكون هو المراقب، لكنه أيضا مستثمر سياسيا في الوزارات والهيئات"، لافتا إلى أن "هذا الموضوع يحتاج إلى قوى وطنية مستقلة ومترفعة عن استغلال موارد الدولة كما يحتاج إلى نضج سياسي، وفي هذا الوقت من الصعوبة تحقيق ذلك".
وبشأن تطبيق مواد قانون الأحزاب، يشير إلى أن "أحداً لا يلتزم بهذا القانون، لاسيما أن مصادر تمويلها ستكشف عن عمولات مليارية مرعبة ومواقع تجارية كبيرة وأملاك عديدة"، مشيرا إلى أن "هذا القانون شرع لأن الديمقراطية تفترض تشريعه، وتطبيقه يتوقف على الجهات الرقابية التي تخضع لضغط سياسي يمنعها من ذلك".
وكان مجلس النواب أقر في عام 2015 قانون الأحزاب، وهو أول قانون في العراق بعد 2003، وتضمن بنودا تقنن تمويل الأحزاب وموارده وطريقة إنفاقها، وورد في بنود تمويل الأحزاب ما يلي: مصادر تمويل كل حزب تشتمل على اشتراكات أعضائه، التبرعات والمنح الداخلية، عوائد استثمار أمواله وفقا لهذا القانون، الإعانات المالية من الموازنة العامة للدولة بموجب المعايير الواردة في هذا القانون، عند استلام التبرع، يتم التحقق من هوية المتبرع وتسجل في سجل التبرعات الخاص بالحزب، يتم نشر قائمة أسماء المتبرعين في جريدة الحزب، يمنع التبرع للحزب بالسلع المادية أو المبالغ النقدية المعدة أصلا لكسب منفعة غير مشروعة للحزب أو للمتبرع، لا يجوز للحزب السياسي أن يتسلم التبرعات من المؤسسات والشركات العامة الممولة ذاتياً، من الشركات التجارية والمصرفية التي يكون جزء من رأسمالها من الدولة.
من جانبه، يرى الخبير القانوني عدنان الشريفي، أن "قانون الأحزاب لو طبق بشكل دقيق لحرمت نصف الأحزاب من المشاركة أو الترشيح للانتخابات، فالماكنة الإعلامية الحزبية تنفق مليارات الدنانير من دون معرفة مصادر هذه الأموال، بينما رؤساء دول عظمى تتم مساءلتهم أمام البرلمانات والمجالس النيابية عن تبرع طفيف لدعاياتهم".
ويؤكد الشريفي، أن "القوانين وجدت حبرا على ورق، فعلى الرغم من وجود نصوص تمنع مشاركة أحزاب تمتلك أجنحة وميلشيات مسلحة، وكذلك تمنع مشاركة الضابط في قوى الأمن الداخلي أو الدفاع ما لم يقدم استقالته، لكن هذا غير مطبق".
ويعتقد أن "المشكلة تكمن في أن من يشرع القانون وهو البرلمان، يطلب منه تطبيقه، وهذا أمر بعيد المنال"، لافتا إلى أن "قانون الأحزاب شكلي لإضفاء الشرعية على النظام الديمقراطي الذي استوجب وجود مثل هذه القوانين، غير أنه نص على تطبيقها، لا من أجل تكون هذه القوانين شكلية".
ويلفت إلى أن "الأحزاب الحاكمة من خلال تطويع القوانين عرفت طريق البقاء في السلطة، وهناك أحزاب ناشئة تبحث عن هذا الطريق"، مؤكدا أن "الأحزاب الكبيرة بتغيير قانون الانتخابات من الدوائر المتعددة وإرجاعه لقانون سانت ليغو دقت النعش الأخير في احتمالية صعود أحزاب جديدة، فالوجوه قد تتغير لكن ضمن الأحزاب القديمة التي تمسك بزمام السلطة".
وكانت تقارير سابقة قد سلطت الضوء على قانون سانت ليغو، ووفقا لمراقبين بالشأن السياسي فأنه سيؤدي إلى خفض نسبة المشاركة بالانتخابات لمستوى أقل من الانتخابات الأخيرة، والتي عدت في حينها بأنها أقل نسبة مشاركة منذ العام 2003.