قرار رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، بتشكيل لجنة لإعادة النظر في مشروع قانون المحكمة الاتحادية، أثار الجدل مجددا حول إمكانية تمريره التي تأجلت منذ قرابة العقدين، وفيما انتقد خبير قانوني تلك الخطوة الحكومية دون إشراك المحكمة الاتحادية لإعادة النظر في قانونها، أكد نواب على عزمهم تمرير القانون خلال الدورة الحالية، إلا أنهم رهنوا ذلك بالإرادة والقرار السياسي.
ويقول الخبير القانوني عدنان الشريفي، خلال حديث لـه إن "المحكمة الاتحادية مشكلة بموجب قانون رقم 30 الصادر قبل إقرار الدستور واستمرت بمهامها وفق هذا القرار حتى الآن، وهنا سينظم قانون المحكمة الاتحادية الذي من المفترض أن يكون قد أقره البرلمان طيلة العقدين الماضيين، عمل المحكمة ويحدد صلاحيات رئيسها التنظيمية فقط".
ويوضح الشريفي، أن "الدستور وفي المادة 92 منه وبالفقرة ثانيا من هذه المادة، حدد أن المحكمة تتكون من قضاة وخبراء بالفقه الإسلامي وفقهاء بالقانون، وهذا الإشكال في القانون، فهؤلاء ليسوا قضاة، وسبق للمحكمة الاتحادية أن فسرت تلك المادة بأنهم مستشارون لغرض الاسترشاد، فهم ليسوا قضاة وليسوا أصحاب قرار".
ويضيف أن "المادة 93 من الدستور، حددت بشكل واضح ومطلق، صلاحيات المحكمة الاتحادية، وهنا لا يمكن لأي قانون أن يغير تلك الصلاحيات سواء بتوسيعها أو تقليلها".
ويتابع أن "قانون المحكمة هو تنظيمي فقط لآلية عمل القضاة ومن يرشحهم، فحاليا يتم ترشحيهم من مجلس القضاء الأعلى ويصدر رئيس الجمهورية مرسوما بتعيينهم، لكن مثلا ربما في القانون الجديد يكون التصويت عليهم من قبل البرلمان، لكن إذا حدث هذا فسيخضع قضاة المحكمة للخلافات السياسية والمحاصصة، وهذه أزمة، فيجب إبقاء القضاء بعيدا عن السياسة".
وينتقد الشريفي، تشكيل رئيس الحكومة للجنة تضم رئاسة الجمهورية وأمانة مجلس الوزراء ومجلس الدولة، حيث يبين أن "تشكيل هذه اللجنة دون وجود المحكمة الاتحادية خطأ كبير، فما علاقة هذه الجهات بقانون المحكمة الاتحادية، فكان الأجدر بالحكومة أن تطلب من المحكمة إرسال مسودة القانون، وبعدها الحكومة تحول المسودة لمشروع قانون وترسله للبرلمان، لأن المحكمة هي الأدرى بالقانون وتعرف المشاكل ومواضع الخلل القانونية".
وكان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، كلف يوم أمس الأربعاء، مستشاره للشؤون الدستورية حسن الياسري بتأليف لجنة تضم ممثلين عن رئاسة الجمهورية ومجلس الدولة والأمانة العامة لمجلس الوزراء، لإعادة النظر في مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا الذي سبق وأعدته الحكومة في عام 2015 وقامت بإحالته إلى مجلس النواب.
كما أكد السوداني، أن الحكومة سعت من خلال مسوّدة مشروع القانون، لإعادة النظر ببعض المسائل والنصوص التي كانت محلّ اعتراض على مشروع القانون في الدورات البرلمانية السابقة، وتم تحسينه من الناحيتين الشكلية والموضوعية، وتأكيداً على دعم الحكومة لاستقلالية السلطة القضائية، والتزاماً بالدستور الذي منح المزيد من الاختصاصات للمحكمة الاتحادية العليا أكثر مما تتمتع به الآن بمقتضى قانونها الحالي رقم 30 لسنة 2005 المعدل.
وتعدّ المحكمة الاتحادية في العراق أعلى سلطة قضائية في البلاد، وبحسب الدستور فانها تتولّى الفصل في النزاعات في القضايا الاتحادية، وتسلّم الاعتراضات والطعون في القرارات الصادرة من الرئاسات الثلاث (رئاسات البرلمان والجمهورية والحكومة)، فضلا عن المصادقة على نتائج الانتخابات التشريعية.
وفي العام 2021، طرح التصويت على القانون في مجلس النواب، وأثار في تلك الدورة النيابية لغطا كبيرا، وقد رأت بعض الكتل أن القانون ووجود الفقهاء في المحكمة الاتحادية سيحولها إلى مؤسسة دينية، فضلا عن وجود مكونات أخرى في العراق، لا يوجد لهم تمثيل فيها واقتصر وجود الفقهاء على الدين الإسلامي فقط، وفي النهاية جرى تعديل قانونها الحالي المعتمد على قرار رقم 30، والتصويت عليه، لقرب الانتخابات المبكرة آنذاك، وأهمية وجود المحكمة للمصادقة على نتائج الانتخابات.
وفي تصريح مقتضب، يوضح عضو اللجنة القانونية النيابية يوسف السبعاوي، من جهته، خلال حديث لـه، أن "قانون المحكمة الاتحادية وفي حال وصوله للبرلمان سيمر، فهناك توجه نيابي لإقراره في هذه الدورة النيابية".
ويردف أن "اللجنة لغاية الآن لم تطلع على المسودة التي تعدها الحكومة، ولا تعرف تفاصيلها، فهي تنتظر وصول مسودة القانون بشكل رسمي من الحكومة، ومن ثم بعدها تبدأ بمناقشتها".
يشار إلى أن النائب عن المكون المسيحي السابق جوزيف صليوا، قال في تصريح صحفي قبل عامين، أن الدفع باتجاه السيطرة على المحكمة الاتحادية من خلال فقهاء الدين، بادرة خطيرة جداً، فالبعض يريد تحويل هذه المحكمة الى ولاية الفقيه في ايران والبعض يريدها ان تكون كالمحاكم الشرعية التابعة لتنظيم داعش.
يذكر أن المحكمة الاتحادية ومنذ انتخابات مطلع العام الماضي، برز دورها الكبير في الأزمة السياسية التي عصفت بالبلد بعد الانتخابات المبكرة، وقد أصدرت قرارات كثيرة حلت فيها النزاعات السياسية، فضلا عن حسمها لكثير من الدعاوى التي رفعت أمامها بشأن ملفات سياسية واقتصادية، وتحولت إلى المقصد الأول لكافة القوى السياسية المتخاصمة في البلد.
من جهته، يوضح النائب ثائر مخيف، خلال حديث لـه، أن "المحكمة الاتحادية بدأت تقول كلمتها إزاء المخلفات والمشاكل التي ترتكبها بعض الكتل السياسية، وهناك بعض القوى اهتزت عروشها بقرارات المحكمة الاتحادية".
ويردف مخيف، أن "المحكمة الاتحادية وخاصة بقضية الأخوة الكرد، ومن خلال تماديهم بملف النفط والغز وغيرها من الأمور السياسية، فقد أصدرت قرارات عدة دفعت الأحزاب الكردية إلى المطالبة بإلغاء المحكمة الاتحادية، واليوم، نجد توجها لتوسيع وتعزيز دور المحكمة وصلاحياتها، وهذا أمر جيد، فغيابها سيترك فراغا كبيرا".
ويؤكد أن "البرلمان من المفترض أن يمرر القانون في حال وصوله من الحكومة، لكن القضايا الإشكالية حول الفقهاء وغيرها، فهذه مرهونة بالإرادة السياسية، فإذا كان الهدف بناء البلد فيجب عدم التوقف عندها والعودة للطائفية عبر تحديد فقهاء من مذهب معين، لكن الوضع الراهن والصراع على إدارة المحافظات وغيرها، لا يبشر بخير وربما لن يمر هذا الأمر، وفي هذه الحالة سيتجه البلد للانحدار، فعودة هذه المسميات والصراع لمذهبي لن يساهم بتقدم البلد".
ومن الخلافات التي أثيرت حول قانون المحكمة الاتحادية، هي آلية التصويت في المحكمة، فيما إذا كان الإجماع مطلوباً لتمرير القرارات أو الأغلبية البسيطة.