بعد أن غصت السجون العراقية بأعداد كبيرة من السجناء بقضايا متنوعة ومختلفة تبدأ من الجنح وتختم بالقضايا الجرائم الكبيرة كالمخدرات والقتل والخطف، وافقت رئاسة مجلس النواب على إدراج مقترح “شراء الحرية” على جدول أعمالها بهدف تقليل الاكتظاظ في السجون، وكذلك كمورد إضافي لخزينة الدولة، الأمر الذي وصفه مدونون ومراقبون بـ”الفصل العشائري” وفق القانون هذه المرة دون الجلوس بمضيف عشائري لما هنالك من تشابه كبير.
ويقول المحامي أحمد يعرب الباوي، خلال حديث لـه، إنه “بعد فشل الكتل السياسية المنضوية تحت قبة البرلمان في إقرار قانون العفو العام جاء اليوم مقترح قانون شراء الحرية وهو قانون موازي أو بديل عنه”.
ويضيف “هذا المقترح لن يعالج الأزمة الحقيقية بل ممكن أن يكون ضارا أكثر من نفعه، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه مطبق في بعض دول الاتحاد الأوروبي إلا أن البيئة المجتمعية العراقية تختلف جذريا عن البيئة في تلك الدول”.
ويكمل الباوي “بدلا من أن تعالج الكتل أسباب ومسببات ارتكاب الجرائم ذهبت إلى أخذ بدل نقدي مقابل إطلاق سراح المجرم وهنا سيزداد المجرم إجراما، خاصة من يمتلك الأموال لأنه يعلم أن بإمكانه شراء حريته مقابل بدل مادي”.
ويشير إلى أنه “لمعالجة أزمة اكتظاظ السجون من المفترض بناء سجون جديدة والاهتمام أكثر بالمؤسسة الإصلاحية إلا أن ما يحصل هو العكس فالمجرم يخرج بعد انقضاء مدته أكثر جرما ووحشية جراء ما شاهده من تعامل معه في السجن وهو يؤشر خللا كبيرا في هذه المؤسسة”.
ويبين أن “مثل هكذا قوانين لها ظروف خاصة لا تنطبق حاليا على الواقع العراقي المتأزم فنحن بحاجة إلى مبدأ الثواب والعقاب بصورة صحيحة وعدم استخدام السجناء لأغراض انتخابية مبكرة”.
وينبه الباوي إلى “ضرورة دراسة القانون بصورة أكبر وإشراك وزارة العدل ومجلس شورى الدولة ومجلس القضاء الأعلى لإنضاج القانون وتجنب السلبيات التي من الممكن أن تكون ذات عواقب وخيمة على الواقع العراقي”.
وتعاني السجون العراقية من إهمال كبير ومن غياب للدور الرقابي المنوط بالجهات الحكومية وكذلك تلك المسؤولة عن حقوق الإنسان، في وقت يجري الحديث عن سيطرة بعض الجهات السياسية على السجون.
وفي تموز يوليو 2023، أقرت وزارة العدل العراقية بانتشار أمراض في السجون، بسبب الاكتظاظ الكبير فيها، مبينة أنها تسعى إلى التنسيق مع وزارة الصحة لمتابعة أوضاع السجناء الصحية، وسط دعوات لإيجاد حلول للواقع المؤلم في داخل السجون.
من جانبه، يرى الخبير القانوني أمير العبادي، خلال حديث لـه، أن “شراء الحرية للسجناء سيرفد الدولة بأموال طائلة ويقلل من الأعداء الهائلة التي تغص بها السجون العراقية، وهذان العاملان يتقدمان على الجانب السلبي في المقترح”.
ويوضح أن “الجانب السلبي للموضوع هو أن أشخاصا مجرمين سيغادرون السجن فقط لامتلاكهم الأموال بالوقت الذي من الممكن أن هنالك سجين آخر لا يمتلك الأموال الكافية لشراء حريته والخروج من السجن”.
ويقترح أن “معالجة اكتظاظ السجون لا يجب أن يعالج بهذه الطريقة، ومن الأفضل أن يكون هناك عفو عام ويستثنى منه مرتكبو جرائم القتل العمد والإرهاب والجرائم الكبيرة الأخرى، بل يشمل المسجونين بالجرائم البسيطة من أجل التخفيف من نفقات الدولة على السجناء”.
ويختم العبادي بأن “العراق بحاجة إلى قانون العفو العام وليس بحاجة إلى موضوع شراء الحرية من قبل الذين يمتلكون أموالا فقط، لاسيما أن الكثير ممن محكوميتهم تتجاوز العشرة سنوات لا يشملهم هذا المقترح”.
وفي وقت سابق، قال عضو اللجنة القانونية النيابية رائد المالكي إن رئاسة مجلس النواب وافقت على المقترح وأدرجته في جدول الأعمال، مبينا أن مقترح القانون يتضمن منح المحكوم بعقوبة الحبس ثلاث سنوات الحق بطلب استبدال المتبقي من مدة محكوميته بمبلغ مالي كغرامة، تم تقديره بعشرة آلاف دينار عن كل يوم.
من جهته، يؤكد الباحث الاجتماعي أحمد مهودر، خلال حديث لـه، أن “مشروع قانون شراء الحرية الذي حصل على موافقة رئاسة مجلس النواب لإدراجه في ضمن جلساته والمتضمن شراء الحرية بالنسبة للمحكومين بمدد لا تتجاوز الثلاث إلى خمس سنوات فما دون، مقترح وقانون يشجع المجرمين على ارتكاب الجرائم”.
وينوه إلى أن “هذا المقترح يشرع للفساد والجريمة ويشجع الأفراد على ارتكاب الجرائم دون أن يكون هنالك رادع أو مانع لهم باعتبار أنه أصبح بالإمكان شراء مدة المحكومية بمبالغ مالية زهيدة”.
ويلفت مهودر إلى أن “الخزينة العراقية لا تحتاج هذا القانون لكي تزود بالأموال وأنما هي بالأساس خزينة ثقيلة بما يحتويه العراق من خيرات نفطية وغير نفطية”.
ويشير إلى أن “هذا القانون سنته الأحزاب أو تحاول أن تسنه الطبقة السياسية حتى يساعدون الفاسدين والمفسدين والذين اختلسوا وسرقوا المال العام على الإفلات من العقوبة مقابل مبالغ مالية، حيث أن الصفقات بملايين الدولارات أو بعشرات الملايين من الدولارات وبالتالي يدفع مبلغ بسيط وينفذ من العقوبة والسجن”.
وكان وزير العدل خالد شواني قد أعلن في الرابع من نيسان أبريل الجاري، عن إفراغ مدينة الكاظمية بشكل تام من السجون، مؤكدا أن اكتظاظ السجون سينتهي بحلول عام 2026.
وما من إحصائية رسمية عن عدد السجناء في العراق، لكن أرقاما متضاربة تؤكد أنها تقارب ذ00 ألف سجين يتوزعون على سجون وزارات العدل والداخلية والدفاع، بالإضافة إلى سجون تمتلكها أجهزة أمنية مثل جهاز المخابرات والأمن الوطني ومكافحة الإرهاب والحشد الشعبي، وسط استمرار الحديث عن سجون سرية غير معلنة تنتشر في البلاد وتضم آلاف المعتقلين، وفق مراقبين.
وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قد دعا في العام 2023 ضحايا عمليات التعذيب في السجون والمراكز الأمنية إلى رفع شكاوى معززة بالأدلة، وخصص بريدا إلكترونيا لاستلام الشكاوى.
وكان المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب قد كشف في تقرير له، نهاية العام الماضي، عن وفاة نحو 50 معتقلا نتيجة عمليات التعذيب والإهمال الطبي في السجون، مبينا أنه ما بين كانون الثاني يناير وآب أغسطس 2023 توفّي 49 معتقلاً، 39 منهم في سجن الناصرية المركزي، وثمانية في سجن التاجي شمالي بغداد، بالإضافة إلى توثيق حالة انتحار في مراكز شرطة إجرام الموصل في محافظة نينوى (شمال)، ووفاة واحدة في مركز تابع لمكافحة الإجرام في العاصمة بغداد.