أثار قرار المحكمة الاتحادية العليا في العاصمة العراقية بغداد، مساء أمس الثلاثاء، بعدم دستورية تمديد عمل برلمان إقليم كردستان، جدلاً جديداً بين الحزبين الكرديين الرئيسين في الإقليم (الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني)، وهي خطوة تضع الإقليم أمام خيار العودة إلى قانون الانتخابات القديم بإجراء انتخاباتهم البرلمانية، وهو ما رفضه "الاتحاد الوطني".
وكانت المحكمة الاتحادية العراقية العليا قد قررت خلال جلسة عقدتها، أمس الثلاثاء، الحكم بعدم دستورية قرار تمديد عمر برلمان الإقليم سنةً إضافية، واعتبرت أنّ كل القرارات الصادرة عنه منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي (تاريخ تمديد هذه الدورة) "باطلة".
ومدد برلمان الإقليم المكون من 111 مقعداً مدة دورته لعام إضافي، مؤجلاً الانتخابات التي كان يفترض أن تجرى في الشهر نفسه، على خلفية خلافات سياسية عميقة بين الحزبين الرئيسين في الإقليم حول كيفية تقسيم الدوائر الانتخابية. بعد ذلك، حددت الانتخابات أخيراً في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
وينسجم قرار المحكمة الاتحادية مع تطلعات الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي يطالب بالعودة إلى قانون الانتخابات القديم الذي لا يقر بتعدد الدوائر الانتخابية.
وعلى إثر قرار المحكمة، دعا الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في الإقليم بزعامة مسعود بارزاني، الأحزاب الكردية، إلى التعاون لإنجاح العملية الانتخابية، وقال المتحدث باسم الحزب محمود محمد، في بيان له، إنّ "الحزب ليس بصدد التحدث عن خطواته ومحاولات لإنجاح العملية الانتخابية، إنما يدعو جميع الأطراف السياسية ومواطني الإقليم إلى أن يكونوا متعاونين لإجراء الانتخابات النزيهة والشفافة".
وأكد أنّه على حكومة الإقليم والمؤسسات المعنية "اتخاذ الخطوات اللازمة لإنجاح الانتخابات"، مضيفاً أنّ "ما يهم الحزب الديمقراطي الكردستاني، هو إجراء وإنجاح عملية انتخاب برلمان إقليم كردستان".
في مقابل ذلك، رفض حزب الاتحاد الوطني الكردستاني العودة إلى قانون الانتخابات القديم، وقال القيادي في الحزب برهان شيخ رؤوف: "نحترم كافة القرارات الصادرة عن المحكمة الاتحادية العليا، وهي ملزمة لنا، لكن المحكمة الاتحادية مطالبة بتوضيح ما هي الإجراءات القانونية والدستورية لإجراء الانتخابات في الإقليم بعد هذا القرار، وكيف يمكن تعديل قانون الانتخابات ومن سيدير الملف الانتخابي".
وشدد رؤوف، في تصريح صحافي، أمس الثلاثاء، على أنّ "العودة لقانون الانتخابات السابق غير ممكنة، فهذا القانون عليه اعتراضات من جميع القوى الكردية في الإقليم عدا الحزب الديمقراطي الكردستاني، ولهذا نعتقد أنّ قرار المحكمة الاتحادية صب في صالح الديمقراطي سياسياً".
وأشار إلى أنّه "سيكون لنا حراك سياسي نحو المحكمة الاتحادية ونحو مجلس النواب العراقي الاتحادي، لبحث إمكانية إجراء تعديل لقانون الانتخابات بالإقليم عبر هذه المؤسسات الدستورية، والبحث عن الجهة التي ستدير انتخابات الإقليم، خصوصاً وأنّ الأزمة السياسية تتعمق بشكل كبير داخل الإقليم ولا حل لهذه الأزمة إلا بإجراء الانتخابات".
وحذر الباحث في الشأن السياسي العراقي مهند الجنابي، من تداعيات القرار على الإقليم، وقال في تغريدة له، أمس الثلاثاء: "منعطف سياسي كبير في إقليم كردستان بعد قرار المحكمة الاتحادية بعدم دستورية استمرار برلمان الإقليم، إذ ستتحول حكومة الإقليم إلى حكومة تصريف أمور يومية"، مؤكداً أنّ "آثار هذا القرار ستمسّ جوهر النظام الفيدرالي في العراق.. ماذا تبقّى من الفيدرالية؟ وهل لا تزال حاضرة في التطبيق؟".
وأشار إلى أنّ "الإقليم أمام طريق واحد، وهو خوض الانتخابات وفق القانون الأخير".
والأسبوع الماضي، قدمت كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني في إقليم كردستان العراق، طلباً إلى رئاسة برلمان الإقليم، لتفعيل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، والاستفتاء في الإقليم، وتعديل قانون الانتخابات، وسط جدل بين الأحزاب الكردية بشأنها.
ونهاية مارس/آذار الماضي، كانت الأحزاب الكردية قد توصلت إلى اتفاق بشأن أزمة انتخابات برلمان الإقليم، بعد أكثر من عام على الخلافات السياسية التي دفعت الأمم المتحدة وأطرافاً دولية إلى التدخّل، وحددت رئاسة الإقليم 18 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل موعداً تجرى فيه الانتخابات، إلا أنّ الأمور لا تبدو مستقرة بين الحزبين الرئيسيين رغم الوساطات ومحاولات التسوية.
تعليقات مرحّبة من قوى المعارضة
وفي أول تعليق من المعارضة في إقليم كردستان، أكد المتحدث باسم حراك الجيل الجديد (بزعامة شاسوار عبد الواحد)، ريبوار عبد الرحمن، أنّ هذا القرار يعد "انتصاراً لروح الديمقراطية".
وبيّن، في تصريح، اليوم الأربعاء، أنّه "منذ البداية كان قرار تمديد عمل البرلمان مخالف للقانون والدستور، والغرض منه فرض الهيمنة من قبل أحزاب السلطة الحاكمة، ومنع المعارضة من ممارسة دورها"، مضيفاً أنّ "هناك خشية من الحزبين الحاكمين؛ الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، من صعود أسهم المعارضة وحظوظها الكبيرة بالفوز بمقاعد عديدة تقلل من نفوذهم داخل إقليم كردستان".
وأشار إلى أنّه "الآن ينبغي أن تمنح مفوضية الانتخابات العراقية حق الإشراف التام على إجراء الانتخابات في كردستان، لأن مفوضية الإقليم منتهٍ عمرها بالقانون، ولا يجوز التمديد لها، وأيضاً المفوضية العراقية تتمتع بجانب كبير من الاستقلالية، عكس ما هو موجود في كردستان، من جهة خاصة للنفوذ السياسي".
وفي 6 أكتوبر/تشرين الأول عام 2022، انتهت الدورة التشريعية الخامسة لبرلمان إقليم كردستان، لكن رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني مدّد الدورة التشريعية سنة إضافية، وصوّت البرلمان على تمديد عمره.
وأوضح الخبير في الشأن القانوني فرمان حسن، أنّ "قرارات المحكمة الاتحادية ملزمة لجميع السلطات في جميع المدن العراقية، بما فيها إقليم كردستان".
وأضاف، اليوم الأربعاء، أنّ "القرار لم يكن مفاجئاً، وعلى سلطات الإقليم الالتزام بهذا القرار، وهو فرصة لتثبيت مبادئ الديمقراطية في الإقليم، والعمل على إجراء الانتخابات بسرعة كبيرة".
ولفت إلى أنّ "التمديد لعمل البرلمان كان مخالفة قانونية صريحة، والقرار يعد فرصة لإعادة الهيبة للمؤسسة التشريعية في الإقليم، وعلى حكومة الإقليم العمل على تهيئة كافة مستلزمات إجراء الانتخابات قبل نهاية هذا العام"، وفق قوله.
خلافات سابقة على قانون الانتخاباتوشهد إقليم كردستان خلافات واسعة بين مختلف الأطراف الكردية، نتيجة عدم الاتفاق على توزيع مقاعد المكونات الدينية "الكوتا" من المسيحيين والتركمان والإيزيديين.
وفي وقت سابق، اتفقت الأحزاب الكردية على تقسيم الإقليم إلى 4 دوائر انتخابية، واعتماد سجل الناخبين في مفوضية الانتخابات العراقية، وأيضاً تم الاعتماد على بيانات وزارة التجارة في تحديد الناخبين.
وأكد عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني دلشاد شعبان، أنّ حزبه لن يتأثر بهذا القرار، كونه مستعد لإجراء الانتخابات في أي وقت وتحت أي قانون.
وأشار، اليوم الأربعاء، إلى أنّ "الاتحاد الوطني هو من طلب تأجيل الانتخابات، كونه يعاني من انقسامات وانشقاقات داخلية، وخشي من الخسارة، لذلك تم التمديد لبرلمان كردستان".
وحصل الحزب الديمقراطي الكردستاني في الانتخابات التي جرت نهاية سبتمبر/أيلول من عام 2018، على المرتبة الأولى بـ 45 مقعداً، وجاء الاتحاد الوطني الكردستاني ثانياً، بحصوله على 21 مقعداً، فيما حل الجيل الجديد ثالثاً، بـ 12 مقعداً.