أمرت محكمة العدل الدولية، أعلى محكمة في الأمم المتحدة، يوم الجمعة، إسرائيل باتخاذ إجراءات لمنع ومعاقبة التحريض المباشر على الإبادة الجماعية في حربها في قطاع غزة.
وقالت المحكمة "على دولة إسرائيل.... أن تتخذ كل الإجراءات التي في وسعها لمنع ارتكاب جميع الأفعال ضمن نطاق المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية".
وصوتت أغلبية كبيرة من أعضاء لجنة محكمة العدل الدولية المكونة من 17 قاضيا لصالح اتخاذ إجراءات عاجلة تغطي معظم ما طلبته جنوب أفريقيا باستثناء توجيه الأمر بوقف العمل العسكري الإسرائيلي في غزة.
وأمرت المحكمة إسرائيل بالامتناع عن أي أعمال قد تندرج ضمن اتفاقية الإبادة الجماعية، وكذلك ضمان عدم ارتكاب قواتها أي أعمال إبادة جماعية في غزة. لكنها لم تصل إلى حد الدعوة إلى وقف لإطلاق النار على الفور.
وقالت المحكمة، في قرارها في القضية التي تقدمت بها جنوب أفريقيا، إنه يتعين على إسرائيل ضمان عدم ارتكاب قواتها إبادة جماعية واتخاذ إجراءات لتحسين الوضع الإنساني للمدنيين الفلسطينيين في القطاع.
وصوت 15 من أصل 17 قاضيا في لجنة محكمة العدل الدولية لصالح إجراءات الطوارئ التي تغطي معظم ما طلبته جنوب إفريقيا، مع استثناء ملحوظ وهو الأمر بوقف العمل العسكري الإسرائيلي في غزة.
وأشاعت العملية العسكرية الإسرائيلية الدمار في القطاع المكتظ بالسكان وقتلت أكثر من 25 ألف فلسطيني في أربعة أشهر تقريبا، وفقا للسلطات الصحية في غزة.
وقالت المحكمة إنها "تشعر بقلق بالغ" على مصير الرهائن في غزة ودعت حماس والجماعات المسلحة الأخرى إلى إطلاق سراحهم على الفور دون شروط.
لكن الحكم الذي رحب به الفلسطينيون يمثل إحراجا لإسرائيل وأقرب حلفائها بما في ذلك الولايات المتحدة.
وطلبت إسرائيل من المحكمة رفض القضية برمتها قائلة إنها تحترم القانون الدولي ومن حقها الدفاع عن نفسها.
وقالت المحكمة "على دولة إسرائيل... أن تتخذ كل ما في وسعها من إجراءات لمنع ارتكاب جميع الأفعال التي تدخل في نطاق المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية".
وقالت المحكمة إنه يتعين على إسرائيل أن تقدم تقريرا إليها بشأن الخطوات التي تتخذها في غضون شهر.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن اتهام الإبادة الجماعية الموجه لإسرائيل "شائن" وإن بلاده ستتخد كل ما هو ضروري للدفاع عن نفسها.
وأضاف في بيان "المحاولة الدنيئة لحرمان إسرائيل من هذا الحق الأساسي هي تمييز صارخ ضد الدولة اليهودية، وهذا مرفوض عن حق".
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت إن إسرائيل لا تحتاج إلى محاضرات في الأخلاق. وفي الأيام التي تلت هجوم السابع من أكتوبر تشرين الأول، قال جالانت إن إسرائيل ستفرض حصارا شاملا على غزة في إطار معركة ضد "الحيوانات البشرية".
وأضاف في بيان إن "محكمة العدل الدولية في لاهاي ذهبت بعيدا وتجاوزت الحدود حين وافقت على طلب جنوب أفريقيا المعادي للسامية لمناقشة مزاعم الإبادة الجماعية في غزة، وهي الآن ترفض رفض الدعوى برمتها".
لكن على الرغم من أن قرارات محكمة العدل الدولية نهائية وغير قابلة للاستئناف، لكنها لا تمتلك أي وسيلة لتنفيذها.
ولم تصدر المحكمة قرارا في جوهر القضية التي تقدمت بها جنوب أفريقيا بشأن ما إذا كانت إبادة جماعية وقعت في غزة. لكنها اعترفت بحق الفلسطينيين في غزة في الحماية من أعمال الإبادة الجماعية.
وشوهد نائب رئيس جنوب أفريقيا بول ماشاتيل ووزير العدل رونالد لامولا وهما يهتفان ويرقصان في تجمع لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم عقب صدور حكم المحكمة.
وقالت جنوب أفريقيا قبل أسبوعين إن الهجوم الجوي والبري الإسرائيلي يستهدف "تدمير السكان" في غزة.
وتنص اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 التي صدرت في أعقاب القتل الجماعي لليهود في المحرقة النازية (الهولوكوست)، على أن الإبادة الجماعية "أفعال ترتكب بقصد التدمير، كليا أو جزئيا، لمجموعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية".
وتشمل أعمال الإبادة الجماعية المذكورة في الاتفاقية، قتل أعضاء جماعة، وإلحاق أذى بدني أو ذهني خطير بأفراد جماعة، وتعمد التسبب في أحوال معيشية يراد بها تدمير جماعة كليا أو جزئيا.
وذكرت المحكمة أنها لن ترفض الدعوى كما طلبت إسرائيل.
ولا يتناول الحكم الذي تصدره محكمة العدل الدولية يوم الجمعة الاتهام الأساسي في القضية، وهو ما إذا كانت هناك إبادة جماعية، ولكنه سيركز على التدخل العاجل الذي تسعى إليه جنوب أفريقيا.
وقضى القرار على آمال الفلسطينيين في إصدار أمر ملزم بوقف الحرب في غزة لكنه يمثل أيضا انتكاسة قانونية لإسرائيل التي كانت تأمل في إسقاط القضية المرفوعة بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية التي تأسست بعد المحرقة (الهولوكوست).
وقالت وزارة الخارجية الفلسطينية إن القرار تذكير مرحب به بأنه "لا توجد دولة فوق القانون". وقال سامي أبو زهري رئيس الدائرة السياسية في الخارج لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) لرويترز إن القرار "تطور مهم يسهم في عزل الاحتلال وفضح جرائمه في غزة، وندعو لإلزام الاحتلال تنفيذ قرارات المحكمة".
عدم إصدار أمر بوقف إطلاق النار
ورحب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقرار محكمة العدل الدولية بعدم إصدار أمر بوقف إطلاق النار، لكنه رفض ادعاءات ارتكاب إبادة جماعية ووصفها بأنها "شائنة" وقال إن إسرائيل ستواصل الدفاع عن نفسها.
ولم تبت المحكمة في مزاعم الإبادة الجماعية وهو الأمر الذي قد يستغرق سنوات. وقرارات المحكمة غير قابلة للاستئناف، لكن المحكمة ليس لديها آلية لتنفيذ قراراتها.
وتحدثت القاضية جوان دونوجو، رئيسة محكمة العدل الدولية، في أثناء النطق بالحكم عن معاناة الفلسطينيين في غزة وأشارت إلى الأذى الذي لحق بالأطفال واستشهدت بأحاديث مفصلة أدلى بها مسؤولون في الأمم المتحدة عن حالة الطوارئ الإنسانية.
وقالت إن هذا يفسر قرار المحكمة اتخاذ إجراءات طارئة لمنع حدوث ضرر لا سبيل لإماطته. وكشفت أيضا عن دعوات أطلقها مسؤولون إسرائيليون لشن حملة قوية، وهو الأمر الذي قالت إنه يفسر لماذا أمرت المحكمة إسرائيل بمعاقبة المشاركين في أعمال تحريضية.
ووصفت إسرائيل مزاعم جنوب أفريقيا بأنها كاذبة و"مشوهة بشكل صارخ". وتقول إنها تحركت في غزة دفاعا عن النفس ضد عدو هاجمها أولا وإنها تبذل قصارى جهدها لحماية المدنيين ملقية باللوم على حماس في الإضرار بالمدنيين بسبب تنفيذها عمليات وسطهم وهو ما تنفيه الحركة.
وأشادت جنوب أفريقيا بقرار المحكمة ووصفته بأنه "نصر حاسم" لسيادة القانون الدولي. وقالت جنوب أفريقيا والاتحاد الأوروبي إنه يتعين على إسرائيل تنفيذ قرار المحكمة فورا وبالكامل.
وأشارت الولايات المتحدة إلى أن الحكم لم يتوصل إلى نتيجة بشأن الإبادة الجماعية، وقالت إنه جاء متماشيا مع وجهة نظرها بأن إسرائيل لديها الحق في اتخاذ إجراءات وفقا للقانون الدولي لمنع أي تكرار لهجمات السابع من أكتوبر تشرين الأول.
وقال فلسطينيون يحتمون بملجأ في جنوب غزة إنهم يشعرون بالإحباط بسبب عدم إصدار المحكمة أمرا بوقف إطلاق النار، لكنهم عبروا عن أملهم في أن يؤدي الحكم إلى محاسبة إسرائيل.
وقال مصطفى إبراهيم، الناشط في مجال حقوق الإنسان "ما حدث كان انتصارا".
وفي إسرائيل، قال جوناثان ديكل تشين، الذي لديه ابن محتجز في غزة، إنه شعر بالتفاؤل بعدما طالبت محكمة العدل الدولية بإطلاق سراح المحتجزين، وهو ما قال إنه يعكس نقطة مهملة إلى حد كبير وهي أن هجوم حماس هو الذي أشعل الحرب.
ويقول الفلسطينيون إن إسرائيل تحاصر المستشفيات مما يجعل من المستحيل على فرق الإنقاذ الوصول إلى القتلى والجرحى. وتنفي إسرائيل محاصرة المستشفيات وتقول إن مقاتلي حماس هم المسؤولون عن ذلك بسبب تنفيذهم عمليات بالقرب من المستشفيات.
وقال أشرف القدرة المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة "لا يزال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات.. يمنع الاحتلال وصول طواقم الاسعاف والدفاع المدني الوصول اليهم".
وفي انتكاسة جديدة لمعاناة الفلسطينيين، قالت الولايات المتحدة إنها أوقفت تمويلا موجها لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بعد أن زعمت إسرائيل أن 12 من موظفي الوكالة متورطون في هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر تشرين الأول.
وقالت الأونروا إنها تجري تحقيقا عاجلا وإنها ستحاسب "أي موظف في الأونروا متورط في أعمال إرهابية".
في رفح في جنوب قطاع غزة، قال محمد رابعة (٣٦ عاماً) النازح مع عائلته منذ 70 يوماً "أتمنى أن تقوم محكمة العدل الدولية بإنصافنا في العالم ولو لمرة واحدة في حياتنا".
وأضاف لوكالة فرانس برس "نريد أن نعيش بسلام. يكفي ما يحدث لنا، كل من استشهدوا هم اطفال ونساء وكبار في السن وشباب، نحن بشر كباقي العالم".
وتابع "أتمنى أن تقرر المحكمة إدانة اسرائيل وأن تتوقف الحرب ونعود إلى منازلنا".
مانديلا سيبتسم في قبره
وأقرت بريتوريا بـ"ثقل المسؤولية" في اتهامها إسرائيل بـ"الإبادة الجماعية"، لكنها أكدت أنها ملزمة احترام واجباتها عملا بالاتفاقية. وأشادت "بالنصر الحاسم" لحكم القانون الدولي.
وقالت وزارة العلاقات الدولية والتعاون في جنوب أفريقيا في بيان إن "اليوم يمثل انتصارا حاسما لسيادة القانون الدولي وعلامة بارزة في طريق البحث عن العدالة للشعب الفلسطيني".
وأضافت "تأمل جنوب أفريقيا بصدق ألا تعمل إسرائيل على تقويض تطبيق هذا القرار، كما هددت علنا بالقيام بذلك، ولكن العمل بدلا من ذلك على الالتزام به بالكامل، لأنها ملزمة بذلك".
وقالت إن جنوب أفريقيا ستواصل العمل في إطار المؤسسات الدولية لحماية حقوق الفلسطينيين في غزة.
وقال سيريل رامابوسا رئيس جنوب أفريقيا يوم الجمعة إنه يتوقع من إسرائيل الالتزام بحكم محكمة العدل الدولية بأن تتخذ تدابير لمنع ارتكاب الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في غزة.
وقالت وزيرة العلاقات الدولية في جنوب أفريقيا يوم الجمعة بعد قرار محكمة العدل الدولية إن إسرائيل سيتعين عليها وقف القتال في قطاع غزة المحاصر إذا أرادت الالتزام بقرار المحكمة.
وتحدثت الوزيرة ناليدي باندور على سلم المحكمة في لاهاي الهولندية قائلة "كيف يمكن تقديم المساعدات الإنسانية والمياه دون وقف إطلاق النار؟ إذا قرأت القرار، فهذا يعني ضمنا أن وقف إطلاق النار يجب أن يحدث".
وقال رونالد لامولا وزير العدل في جنوب أفريقيا إن الزعيم الجنوب أفريقي الراحل نيلسون مانديلا "سيبتسم في قبره" بعد أمر محكمة العدل الدولية بفرض تدابير طارئة على إسرائيل بسبب حربها في غزة.
وأَضاف لامولا لرويترز على هامش اجتماع لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم "نعتقد أن الرئيس السابق نيلسون مانديلا سيبتسم في قبره بصفته أحد المدافعين عن اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية".
ولطالما دافع حزب المؤتمر الوطني الأفريقي لعقود عن القضية الفلسطينية، وهي علاقة تشكلت عندما رحبت منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات بنضال الحزب ضد حكم الأقلية البيضاء.
وشبّه حزب المؤتمر الوطني الأفريقي ما تفعله إسرائيل بسياسات الفصل العنصري التي واجهها الحزب في جنوب أفريقيا، وهي مقارنة رفضتها إسرائيل التي قالت إن اتهامات جنوب أفريقيا بارتكاب إبادة جماعية هي اتهامات "مشوهة بشكل صارخ" وإنها تبذل قصارى جهدها لتجنب سقوط قتلى أو جرحى من المدنيين.
وذكر لامولا أن رفع جنوب أفريقيا الدعوى لدى لاهاي تصرف شجاع دافعه الرغبة في الدفاع عن نظام عالمي تحكمه قواعد.
وأضاف أن هذا "انتصار للقانون الدولي بألّا تكون هناك استثناءات لأي جزء في العالم وألا يكون بإمكان إسرائيل أن تكون مُعفاة من الامتثال لالتزاماتها الدولية".
أبرز ردود الفعل
قال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي إن "القرار المصيري لمحكمة العدل الدولية يذكر العالم أن لا دولة فوق القانون وأن العدل يسري على الجميع ويضع حداً لثقافة الإجرام والإفلات من العقاب لإسرائيل والتي تمثلت بعقود من الاحتلال والتطهير العرقي والاضطهاد والفصل العنصري".
اعتبرت حركة حماس الفلسطينية أن قرار محكمة العدل الدولية يعد تطورا مهما يسهم في عزل إسرائيل وفضح جرائمها".
رحّبت قطر بقرار محكمة العدل الدولية الذي طالب إسرائيل الجمعة ببذل كل ما في وسعها لمنع وقوع أي أعمال إبادة في قطاع غزة، معتبرة أنه "انتصار للإنسانية".
وقالت وزارة الخارجية القطرية في بيان إنها "ترحّب بالتدابير المؤقتة التي أمرت بها محكمة العدل الدولية ... وعدّتها انتصاراً للإنسانية وسيادة حكم القانون والعدالة الدولية".
دعت السعودية الجمعة إلى "محاسبة" إسرائيل، في معرض تأييدها لقرار محكمة العدل الدولية القاضي بمطالبة الدولة العبرية ببذل كل ما في وسعها لمنع وقوع أي أعمال إبادة في قطاع غزة.
أكدت وزارة الخارجية الكويتية في بيان أن قرار المحكمة وعلى الرغم من عدم تلبيته لمطلب وقف إطلاق النار "يمثل خطوة مهمة في سبيل وضع حد لممارسات الاحتلال الإسرائيلي التي طالت بالتدمير جميع جوانب حياة ومرافق الشعب الفلسطيني".
ودعت الكويت "إلى العمل الجماعي وبحزم أكبر لوقف إطلاق النار ورفض عمليات التهجير القسري، وضمان الوصول الفوري للمساعدات الإنسانية والإغاثية إلى قطاع غزة".
قال رئيس الوزراء الاشتراكي الإسباني بيدرو سانشيز "نرحب بقرار محكمة العدل الدولية ونطلب من الأطراف تنفيذ الاجراءات المؤقتة التي صدرت عنها".
وأضاف "سنواصل الدفاع عن السلام وإنهاء الحرب والإفراج عن الرهائن والوصول إلى المساعدات الإنسانية وإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل حيث يتعايش البلدان بسلام وأمن".
قال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان "اعتبر قرار الأمر القضائي المؤقت الذي اتخذته محكمة العدل الدولية بشأن الهجمات اللاإنسانية في غزة قرارا قيما وأرحب به".
وأضاف "نأمل أن تنتهي هجمات إسرائيل على النساء والأطفال والمسنين".
أكد الاتحاد الأوروبي أن قرارات "محكمة العدل الدولية ملزمة للأطراف وعليها الالتزام بها. ويتوقع الاتحاد الأوروبي تنفيذها الكامل والفوري والفعّال".
قالت فرنسا الجمعة إن قرار محكمة العدل الدولية بشأن غزة "يعزز تصميمها" على العمل من أجل وقف إطلاق النار، وأضافت أن جريمة الإبادة الجماعية، التي تتهم بعض الدول إسرائيل بارتكابها، تتطلب "إثبات النية".
رحبت الخارجية الأردنية بقرار المحكمة مؤكدة "ضرورة تنفيذ هذه الإجراءات التدبيرية بشكل فوري لوقف قتل الأبرياء في غزة وتدمير كل مقومات الحياة فيه".
قالت المديرة المساعدة لبرنامج العدالة الدولية في منظمة هيومن رايتس ووتش بلقيس جراح إن "قرار المحكمة الدولية التاريخي ينبه إسرائيل وحلفاءها إلى ضرورة اتخاذ إجراءات فورية لمنع الإبادة الجماعية والمزيد من الفظائع ضد الفلسطينيين في غزة".
نصر وانتكاسة
بدورهم قال فلسطينيون إن محكمة العدل الدولية خذلتهم بعدم إصدار أمر بوقف الهجوم العسكري الإسرائيلي في غزة لكنهم وصفوا الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا بأنها انتصار بعث في نفوسهم الأمل في إمكانية محاسبة إسرائيل.
وأمرت المحكمة إسرائيل بمنع أي أعمال إبادة جماعية ضد الفلسطينيين وطالبتها ببذل المزيد من الجهود للتخفيف من معاناة المدنيين. لكن المحكمة لم تصل إلى حد الأمر بوقف إطلاق النار كما طلبت جنوب أفريقيا.
وبُثت وقائع الجلسة على الهواء مباشرة يوم الجمعة في أنحاء العالم العربي وفي إسرائيل، التي ترفض مزاعم جنوب أفريقيا بأنها ارتكبت إبادة جماعية.
وفي ملجأ للنازحين الفارين من القصف الإسرائيلي بجنوب غزة، تجمع سكان حول مذياع لمتابعة الأخبار.
وقال مصطفى إبراهيم الناشط في مجال حقوق الإنسان "نحن النازحين والعائلات الثكلى وأولئك الذين فقدوا بيوتهم كان عندنا طموح أن يصدر عن المحكمة قرار بوقف إطلاق نار فورا".
وأضاف إبراهيم، وهو أحد سكان مدينة غزة والذي يعيش الآن في ملجأ مع أسرته المكونة من سبعة أفراد في مدينة رفح جنوب القطاع "رغم ذلك، فإن ما حدث كان انتصارا".
وتسببت الحملة العسكرية الإسرائيلية في تدمير جزء كبير من قطاع غزة ونزوح معظم سكانه البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة.
وفي انعكاس للانتقادات الموجهة لإسرائيل بسبب حكم المحكمة، نشرت صحيفة جيروزالم بوست الإسرائيلية عنوانا رئيسيا قالت فيه "محكمة العدل الدولية توبخ إسرائيل لمدة 35 دقيقة، ثم تفوز إسرائيل".
وبدد القرار آمال الفلسطينيين في إصدار أمر ملزم بوقف الحرب في غزة لكنه يمثل أيضا انتكاسة قانونية لإسرائيل التي كانت تأمل في إسقاط القضية المرفوعة بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية التي تأسست بعد المحرقة (الهولوكوست).
شكرا جنوب أفريقيا
في الضفة الغربية المحتلة، شاهد فلسطينيون وقائع الجلسة على شاشة كبيرة بقاعة المسرح البلدي في رام الله. وحمل أحدهم لافتة كتب عليها "شكرا جنوب أفريقيا".
وقال سامي أبو زهري رئيس الدائرة السياسية في الخارج لحركة حماس لرويترز إن القرار "تطور مهم يسهم في عزل الاحتلال وفضح جرائمه في غزة، وندعو لإلزام الاحتلال بتنفيذ قرارات المحكمة".
وقال السياسي الفلسطيني مصطفى البرغوثي إن قبول محكمة العدل الدولية للقضية "يعني محاكمة إسرائيل لأول مرة على جرائمها و انتهاء حصانتها المشبوهة التي دامت 75 عاما أمام القانون الدولي".
وقالت مهى ياسين (42 عامًا) من رفح بقطاع غزة "أشعر بفخر إزاء قرار المحكمة، إنها المرة الأولى التي يقول فيها العالم لإسرائيل إنها تجاوزت الحدود".
وأضافت مهى ياسين وهي واحدة من نحو 1,7 مليون فلسطيني نزحوا جرّاء القصف الإسرائيلي الكثيف على غزة والقتال المستمر "ما تفعله بنا إسرائيل في غزة منذ أربعة أشهر لم يحدث في التاريخ. أشعر على الأقلّ أن العالم بدأ يتعاطف معنا".
وتابعت "دماؤنا وشهداؤنا وخسائرنا الجسدية والنفسية لم تذهب هباءً".
في رام الله بالضفة الغربية المحتلة، سادت خيبة الأمل بين عشرات الفلسطينيين المجتمعين في صالة سينما لمشاهدة البث المباشر للجلسة. وكان بعضهم يحمل لافتات كُتب عليها بالإنكليزية "لا أحد حرًّا ما دام الجميع ليسوا أحراراً".
وقالت هلا أبو غربية حاملة علم جنوب إفريقيا "من غير المقبول أن يقف العالم إلى اليوم ... وهو لا يزال متفرجًا ولم يقتلع قرارًا فوريًا بوقف إطلاق النار وإدخال الأغذية والأدوية وإجلاء الجرحى".
واعتبر محمد حمارشة المقيم في رام الله أن قرار المحكمة هو "تصريح لدولة الاحتلال باستمرار حربها ضدّ غزة ولكن أن تكون حربًا ناعمة"، مضيفًا "كان مطلوبًا من محكمة العدل الدولية أن تصدر قرارًا بوقف إطلاق النار فورًا".
في محيط مدينة خان يونس بجنوب قطاع غزة، ينشر الجيش الإسرائيلي منذ الخميس رسائل باللغة العربية على شبكات التواصل الاجتماعي يحث فيها السكان على إخلاء مناطق محددة من المدينة حيث تمركزت مركبات مدرّعة.
يحاول عشرات آلاف الفلسطينيين الفرار من خان يونس والبحث عن ملجأ في جنوب القطاع المحاصر الذي تبلغ مساحته 365 كيلومترًا مربعًا، بينهم الكثير من الأطفال.
بعضهم يجلس على الأرض في البرد أمام جامعة الأقصى غرب خان يونس، فيما يمشي آخرون وهم لا يحملون غير بطانية.
وقال شهود لوكالة فرانس برس إن الجيش الإسرائيلي فتّش مئات الأشخاص وفتح النار.
تعليقًا على قرار محكمة العدل الدولية، قال مشتهى مسلّم (56 عامًا) الذي نزح مع 12 من أفراد عائلته من مدينة غزة إلى رفح إنه "نشعر بالامتنان لدولة جنوب افريقيا لأنها رفعت قضية ضد اسرائيل ... هذا بحد ذاته انجاز لصالحنا، لكن بالعودة للتاريخ فان اسرائيل لا تعترف بالقرارات الدولية لذلك لا ارجح ان يكون القرار لصالحنا ... قرارات مجلس الامن لا يتمّ تنفيذها منذ 75 عاما".
والقرارات الصادرة عن محكمة العدل الدولية التي تبتّ في النزاعات بين الدول، مبرمة وملزمة قانونا، لكن المحكمة لا تملك أي وسيلة لتنفيذ أحكامها.
وقالت إيناس النجّار "نعيش في الذلّ. أوقفوا الحرب. أوقفوها!".