27 May
27May

يعبق مقهى الشعب الذي يتوسط سوق السراي في السليماني برائحة الماضي، إذ طالما كان شاهداً ثقافياً على تاريخ المدينة وحاملاً لذكرياتها، وظل يحتضن الأدباء والمثقفين ويروي قصصاً يومية عن منجزاتهم.
ويعد المقهى قبلة سياحية وتراثية وثقافية لأهل المدينة وزوارها وضيوفها، كما ويشكل ملاذاً للراحة والتقاء الشخصيات التي ترتاده وتمضي فيه أوقاتها، فمنهم من يفضل لقاء الأصدقاء القدامى والجدد ومنهم من يتحاور في أمور الثقافة والأدب، لكن منهم من يفضل قضاء الوقت بلعب الدومينو، الأمر الذي يثير حساسية مرتادي المقهى القدامى.
ويقول الكاتب الكردي سردار أحمد، خلال حديث لـه، إن “مقهى الشعب الشهير وسط السليمانية واحة للمثقفين والشعراء والكتاب وملتقى للرواد من أجيال فكرية وسياسية مختلفة”.
ويضيف أحمد أن “المقهى حضي برعاية من جانب الحكومة المحلية في المحافظة، ومن الرئيس العراقي الأسبق الراحل جلال طالباني، إذ تم ترميمه خشية انهياره، لكن المقهى برغم سمعته الثقافية، كمقهى الزهاوي والشابندر البغداديين، إلا أنه لم يتمكن من المحافظة على مكانته كمَعلم ثقافي ترتاده العقول من كل حدب وصوب”.
إذ يشير الكاتب إلى أنه “بات مرتعاً لهواة لعبة الدومينو، وهو ما أضعف من دوره الفكري في الفترة الأخيرة، فيما تحاول استعادته أوساط مختصة بالفكر والثقافة وحريصة على معلم مقهى الشعب كمصدرِ إلهام وتجمع للمثقفين الطامحين للمحافظة على مشاريع الثقافة وتنميتها في السليمانية”.
ويحتوي المقهى على مكتبة لا بأس بها توفر لمرتاديه المطالعة والقراءة، ومن المتعارف عليه أن المقهى الذي يتوسط ساحة السراي في قلب المدينة، يضمن أيضا استعارة بعض الكتب القديمة والنادرة التي يحويها، كما أن بعض الرواد يجده فسحة للراحة بعد جولات في الأسواق أو مكان لارتشاف الشاي بعد وجبة أكل دسمة.
الكاتب والشاعر الكردي سلام شاهوز أكد من جهته، خلال حديثه لـه، أن “مقهى الشعب يمثل ذاكرة مدينة السليمانية وراويا لقصصها، كما أنه يعتبر معلماً من معالم المدينة القديمة”.
ويلفت شاهوز إلى أن “المقهى الذي تم إنشاؤه في خمسينيات القرن الماضي في سوق السراي ونهاية شارع كاوه، ظل محافظاً على مكانته ورونقه الخاص، ولكن بعد الترميم الأخير قبل فترة قريبة افتقد إلى روحانيته وماضيه القديم”.
ويتابع الكاتب أنه “كان من المفترض تشكيل لجنة تتولى مسؤولية الإشراف على ترميم الأماكن التاريخية، لأنها لم تعد ملكاً خاصاً، بعد أصبحت ملكية عامة”.
وعن ذكريات المقهى يروي شاهوز أحداثاً كانت تجري أيام السبعينيات والثمانينيات، حيث أوضح بأن، “مقهى الشعب كان ينقل الرسائل لثوار الانتفاضة الذين كانوا يواجهون النظام السابق، وأيضاً عبارة عن ملتقى سياسي لتبادل الآراء بين المعارضين للنظام، كما كان تجمعاً لكل الطبقات الأدبية والثقافية والفنية”.
ويرتاد المقهى عدد كبير من السياح الذين يقصدون السليمانية للتنزه في المصايف، حيث يؤكد الكاتب والصحفي خالد القره غولي وهو من أهالي الأنبار أنه، كلما زار السليمانية لا بد له من المرور بمقهى الشعب لما فيه من خصوصية وحركة ثقافية.
ويوضح القره غولي، خلال حديثه لـه أنه يجد الراحة عندما يقضي وقته هنا، كما أن “المقهى فرصة للقاء الأصدقاء والمعارف في السليمانية، وخاصة في أيام العطل والأعياد”، كما يقول.
ويستدرك، “لكن اليوم وجدت تغييراً كبيراً فيه هذه المرة، بسبب كون المقهى أصبح مكتظاً بكثير من الزبائن، وأكثرهم من الشباب الذين همهم الوحيد تمضية الوقت وليس الاستفادة من رواده القدماء وشخصياته المعروفة آنذاك”، لافتا إلى أن “ديكورات المقهى تغيّرت بعد الترميم وأيضاً افتقد إلى شخصياته أيام زمان، لأنه كان ملتقى جامعا للمثقفين والسياسيين ونخب المجتمع وكان حضورهم كبيرا في نقاشاتهم وحواراتهم الساخنة في كل صغيرة وكبيرة اجتماعية أم سياسية”.
ومنذ 2021 جرت إعادة افتتاح مقهى الشعب، وتبنت مؤسسة “مام” الإنسانية مشروع ترميم المقهى “حرصاً منها على إحياء التراث الثقافي الكردي القديم”، بحسب رئيس المؤسسة فلاح صلاح الذي شدد على “ضرورة ديمومة الإرث الحضاري لمدينة السليمانية”.
صاحب مقهى الشعب بكر شريف، يؤكد من جهته، خلال حديث لـه، أن “رواد المقهى يأتون من كل مكان، والغالبية منهم من يحب أن يتواجد هنا بسبب موعد مع صديق أو زميل له ليناقشوا أي شيء سواء في العمل أو مناقشة كتاب أو التداول في موضوع منشور في صحيفة أو ليستذكروا أيام زمان لأن أجواء المقهى تنقلهم لتلك الأيام”.
ويضيف شريف أن “هذا المقهى ورثناه عن والدي الذي افتتحه في عام 1950 وكانت النخبة الثقافية من الرواد هم الأكثر إقبالاً من الأدباء والشعراء، ويكون يوم الجمعة هو الأفضل بين أيام الأسبوع”.
كما يحتوي المقهى على صور كثيرة لمختلف أوجه المجتمع وشخوصه منها لرياضيين وسياسيين وعسكريين وشعراء وأدباء ومن نخب اجتماعية كانت حاضرة في تلك الحقبة للمدينة.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة