بعد إغلاق المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، فترة تسجيل القوى والتحالفات السياسية، استعدادا للمشاركة في انتخابات مجالس المحافظات، يبرز ملف "القوى الناشئة" و"قوى تشرين"، التي حسمت أمرها بالانقسام والتشتت مجددا، في ظل امتناع جزء منها عن المشاركة، لتبدأ مرحلة "كيل الاتهامات"، كما جرى في الانتخابات الماضية، ما قد يضيع عليها فرصة المنافسة مع القوى التقليدية.
وعلى الرغم من ملاحظات القوى الناشئة والصغيرة على نظام "سانت ليغو" المتبع في الانتخابات المقبلة، بالإضافة إلى أن إلغاء مجالس المحافظات، كانت أحد مطالب تظاهرات تشرين، غير أن بعض القوى الممثلة لتلك التظاهرات، قد تجازف بمصداقيتها في المشاركة، كما يرى مراقبون.
يقول رئيس حزب البيت الوطني، حسين الغرابي، خلال حديث لـه إن "القوى المدنية الناشئة عن حراك تشرين، عملت على تأسيس تحالف قيم المدني، الذي ضمّ أحزابا عدة، ومن بينها البيت الوطني، وقد وصلنا إلى مراحل متقدمة، وقررنا أن نكون مجتمعين في تحالف واحد تحت اسم قِيَم، وهو الذراع الانتخابي لتحالف قوى التغيير الديمقراطية، بعد أن رفضت المفوضية قبول الاسم الأخير (قوى التغيير الديمقراطية)، إذ نعتقد أن هذا الرفض سياسي، لأن قوى التغيير اسم امتلك صدى واسعا بين الجماهير المدنية والأحزاب الناشئة".
وشكلت تظاهرات تشرين نقطة فارقة في تاريخ العملية السياسية بعد عام 2003، وأصبحت أيقونة عراقية جمعت كل أطياف المجتمع ووحدت مطالبهم، خاصة بعد القمع الذي رافقها، وأدى إلى مقتل أكثر من 600 متظاهر وإصابة 26 ألفا آخرين، لكن بريقها خفت نسبيا بعد تفشي وباء كورونا في العراق في شهر آذار مارس 2020، إلا أن خيام الاعتصام بقيت شاخصة في الساحات دون المساس بها من قبل القوات الأمنية لفترة وجيزة، ومن ثم جرت حملات لإزالتها بالكامل في عهد حكومة مصطفى الكاظمي، ودخلت بعض المدن مثل الناصرية بصراعات مع بعض الجهات المسلحة التي حاولت إزالة خيام الاعتصام بالقوة، ومن ثم تم التوصل لقرار يقضي بإزالتها بشكل نهائي.
يشار إلى أن البيت الوطني، قرر عدم خوض الانتخابات النيابية الماضية، ودخل في حينها بأزمات مع قوى أخرى تحمل عنوان تشرين، وجرى تبادل الاتهامات آنذاك، لحراك البيت الوطني، بأنه مقرب من الحكومة السابقة.
ويوضح الغرابي، أن "التحالف برئاسة علي الرفيعي والنائب المستقل سجاد سالم رئيس كتلة وطن"، لافتا إلى أن "المشاركة في الانتخابات تأتي من اعتقادنا بضرورة وجود طرف ثالث في المعادلة السياسية، إلى جانب الإطار التنسيقي والتيار الصدري".
ويلفت "نستمد القوة والثقة من المدونين والمثقفين والناس الذين يبحثون عن بديل حقيقي، فنحن ذاهبون لإدارة المحافظات، ونطرح أنفسنا كبدلاء حقيقيين عن أحزاب خارج المناطقية والمحاصصة والطائفية، ولكن إذا رافقنا الإخفاق بالتأكيد سنكون معارضة سياسية حقيقية وليست سلبية".
ويكمل الغرابي، أن "هاجس الخوف لدى القوى الناشئة يكمن فيما تمتلك القوى التقليدية من المال السياسي والسلاح المنفلت وموارد الدولة في التعيينات والخدمات والتأثير على إرادة الناخب، فضلًا عن النفوذ في المفوضية، لذلك نحن نطالب دائما بإشراف أممي على الانتخابات".
ويتكون تحالف قيم الذي تشارك تحت تسميته قوى التغيير في الانتخابات المحلية من أحزاب وكيانات شبابية نظّمت نفسها عقب انتهاء انتفاضة تشرين، ومن بينها البيت الوطني وحراك البيت العراقي وحركة نازل آخذ حقي، إضافة إلى التيار الاجتماعي والديمقراطي والحركة المدنية والحزب الشيوعي العراقي، وكذلك نواب من حركة وطن.
وتم الإعلان مؤخرا عن أكثر من تحالف يضم بعضا من قوى تشرين، فبالإضافة لتحالف قيم، هناك تحالف بزعامة رئيس الوزراء الأسبق، إياد علاوي، وآخر بزعامة النائب المستقل حسين عرب، الذي تحالف مع نواب كتلة نائب رئيس البرلمان محسن المندلاوي.
جدير بالذكر، أن تحالفات عدة شُكلت مؤخرا استعدادا للانتخابات المحلية، من أبرزها تحالفات الإطار التنسيقي، التي ضم أحدها كلا من كتلة بدر النيابية بزعامة هادي العامري، وإرادة المرتبطة بالنائب السابقة حنان الفتلاوي، إلى جانب كتلة صادقون المرتبطة بحركة عصائب أهل الحق، وكتل حقوق ومنتصرون وسومريون والصدق والعطاء والمنتج الوطني، في مقابل تحالف آخر ضم تيار الحكمة الوطني وائتلاف النصر، في حين دخل ائتلاف دولة القانون بشكل منفرد، وجاءت تلك التحالفات بعد قرار الإطار التنسيقي المشاركة في الانتخابات عبر قوائم متعددة وليس بقائمة واحدة.
يشار إلى أن تجربة النواب المستقلين الذين فازوا في انتخابات العام 2021، لم تكن مثالية بالنسبة لهم، وفق تقارير سابقة تناولت القضية، عبر تقارير عدة، وفيها بين العديد من الناشطين، عدم رضاهم عن أداء النواب المستقلين، نظرا لعدم توحدهم في كتلة لمواجهة الأحزاب التقليدية، فضلا عن انضمام البعض منهم للأحزاب الكبيرة مثل الكتلة الصدرية قبل انسحابها من البرلمان، إلى جانب الإطار التنسيقي الذي استقطب العديد منهم.
يذكر أن الانتخابات المقبلة، سواء لمجالس المحافظات أو النيابية، ستجري وفق نظام "سانت ليغو"، الذي أقره البرلمان، وهو ما شهد حملة اعتراضات واسعة من القوى الناشئة ما دفعها إلى تشكيل تحالفات للمشاركة بالانتخابات، نظرا لأن هذا القانون يعتمد على القوائم الكبيرة وليس الترشيح الفردي، كما جرى في الانتخابات الماضية، حيث اعتمد نظام الدوائر المتعددة.
المصداقية على المحك
من جانبه، يجد المحلل السياسي إحسان الشمري، خلال حديث لـه، أن "خطأ كبيرا وقعت به هذه القوى الناشئة في المشاركة بالانتخابات، فتحالف قيم، مكون من قوى كانت قريبة على حراك تشرين، وهي في الأصل رفضت الانتخابات المحلية، بل طالبت بإلغاء مجالس المحافظات، ومن ثم عادت مرة أخرى للاشتراك في هذه الانتخابات، وهذا ما جعل مصداقيتهم أمام الناخب على المحك، إضافة لعدم امتلاكهم المال السياسي، خصوصاً أنه متحكم فعال بالدعاية الانتخابية وتوجيه الناخب إلى حد كبير".
ويبين الشمري، أن "الانتخابات المحلية هي انتخابات خدمية، وبالتالي فإن هذه القوى لا تمتلك تجربة تجعل الناخب من خلالها يتعاطى معهم، لذلك فإن توقع حصولهم على شيء أمر بعيد المنال، مع الأخذ بنظر الاعتبار إمكانيات القوى السياسية التقليدية وتحالفاتها في المحافظات وتوظيف المال السياسي والسلاح وهذه كلها عوامل حسم لصالح الأخيرة"، من غير أن ينسى أن "قضية العزوف عن الانتخابات تجعل حظوظ القوى الناشئة ضعيفة، لذا فذهابهم نحو الانتخابات المحلية قرار خاطئ جداً".
يذكر أن مفوضية الانتخابات أعلنت عن انتهاء فترة تسجيل التحالفات السياسية، في 6 آب أغسطس الحالي، بعد فترة تمديد لمنح الفرصة أمام الكتل والتحالفات أمام التسجيل، بسبب قلة المشاركة، حيث لم يتم تسجيل سوى 24 تحالفاً بينها 15 تحالفاً جديداً و9 تحالفات قديمة.
وسبق لتقارير سابقة كشفت، أن موعد الانتخابات المحليّة يواجه خلافات عديدة داخل الإطار التنسيقي، بين قوى تطالب بتأجيلها للعام المقبل، وأخرى تسعى لإجرائها نهاية العام الحالي.
يشار إلى أن، مراقبين أكدوا سابقا أن تصويت مجلس النواب على اعتماد قانون الانتخابات، وفق نظام "سانت ليغو" والدائرة الواحدة، سيؤدي لتدني نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة مقارنة بسابقتها، لانعدام ثقة الناخب بالقانون المؤدي إلى سيطرة الكتل الكبيرة على البرلمان.
وقد شهدت نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة، تراجعا كبيرا وكانت أقل نسبة تسجل في جميع الانتخابات العراقية، بواقع 41 بالمئة، حسب المعلن من قبل مفوضية الانتخابات في حينها، فيما رجحت منظمات معنية بالانتخابات أن تكون النسبة أدنى من المعلن.
الرافضون للانتخابات
إلى ذلك، يعلق واثق لفتة، مسؤول المكتب السياسي لجبهة تشرين، وعضو تحالف واحد، خلال حديث لـه، بالقول: "خضنا مجموعة من الحوارات مع تحالفات أخرى مختلفة، لكننا لم نحرز الاطمئنان المطلوب في التفاهم مع جميع هذه التحالفات".
وينوه لفتة: "رائحة أحزاب السلطة تنتشر في كل مكان بتلك التحالفات، لذا قررنا في تحالف واحد، عدم المشاركة بهذه الانتخابات، والذهاب إلى البناء التأسيسي لجمع قوى احتجاجية وتيارات وحركات أكبر".
ويشير إلى أن "القطب الرئيس المنافس موجود ومتحكم بالمال السياسي، والقضاء ومفوضية الانتخابات في خدمة هذه القوى، لذا فإن عدم المشاركة في هذه الانتخابات أفضل خيار، خصوصا وأن مجالس المحافظات هي حلقة زائدة وباب من أبواب الفساد، لكن الإلحاح على المشاركة في العمل السياسي، هو ما جعلنا نخوض في تلك التفاهمات".
وانطلقت في تشرين الأول أكتوبر 2019، احتجاجات شعبية واسعة، سرعان ما تحولت إلى اعتصامات شملت 10 مدن عراقية، بمشاركة كافة شرائح المجتمع، وأدت في حينها لتقديم حكومة عادل عبد المهدي استقالتها، بعد الضغط الجماهيري، إلى جانب طرح مطالب عدة، أبرزها تشكيل حكومة مستقلة بعيدا عن سيطرة الأحزاب وتغيير قانون الانتخابات وبالأخص نظام سانت ليغو وحل مجالس المحافظات.
مجلس النواب من جانبه، صوت في 26 تشرين الثاني نوفمبر 2019، على إنهاء عمل مجالس المحافظات غير المنتظمة بإقليم ومجالس الأقضية والنواحي الحالية التابعة لها، وكلف أعضاء البرلمان بمهمة مراقبة عمل المحافظ ونائبيه في كل محافظة على حدة، وذلك استجابة للتظاهرات.
وبعد تسنم رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، منصبه بدأ بخطوات إعادة مجالس المحافظات عبر الانتخابات، وذلك استجابة لقرار المحكمة الاتحادية التي أشرت أن الغاءها يتطلب تعديل الدستور، لذا يجب أن تجرى انتخاباتها، لاسيما وأن آخر انتخابات لمجالس المحافظات جرت في عام 2019.
بدوره، يؤكد الناشط محمد عفلوك، خلال حديث لـه أن "القوى الناشئة ما زالت مشتتة وفوضوية وتعاني من لا مركزية، وبالمقابل فإن قوى الاطلاعات الإيرانية والحرس الثوري عمدت إلى إنشاء تحالفات ناشئة بوجه جديد، وتشكلت حركات تدعي بالوطنية والنهج التشريني، لكنها بعيدة عن هذا النهج".
ويلفت عفلوك، أن "التحالفات الناشئة بعضها ذهبت مع تحالف وتد الذي يتزعمه محسن المندلاوي والبعض الآخر ذهب مع تحالف يسمى بالأغلبية، وهذا الأخير لا يخلو من الأحزاب التقليدية"، مشيرا إلى أن "هناك أحزابا ذهبت مع إياد علاوي، أما بالنسبة لقوى التغيير أو قيم، فما زال يتعرّض لانشقاقات مستمرة، ولن يصمد حتى الانتخابات".