ما إن تقرر ركن سيارتك على مقربة من أي رصيف في شوارع العاصمة العراقية بغداد، حتى تواجه شخصاً يحمل دفتراً صغيراً بيديه يطالبك بدفع أجرة الوقوف التي قد تصل إلى 5 آلاف دينار (نحو 3 دولارات)، وفي حال تقاعست عن الدفع أو رفضت، فإن الأمر قد يتطور إلى تشابك بالأيدي ينتج عنه غالباً ضرر جسدي أو مادي.ولا يقتصر فرض الإتاوات بهذا الشكل على شارع دون غيره، بل بات ظاهرة شائعة في معظم شوارع العاصمة، وفي غيرها من المدن، ويوجد فارضو الإتاوات في كل الأوقات، في النهار والليل، وعادة ما يتحججون بكون عملهم قانونيا، وبعلم السلطات الأمنية، على الرغم من نفي السلطات ذلك.ورغم أن أمانة بغداد حددت تسعيرة الكراجات بعدد الساعات، على أن تبدأ التسعيرة من ألف دينار (أقل من دولار أميركي) للساعة الواحدة، وتصبح 3 آلاف دينار (دولارين) في حال تجاوزت مدة الوقوف أكثر من ثلاث ساعات، إلا أن أصحاب الكراجات لا يلتزمون بهذه التسعيرة، ويفرضون على أصحاب المركبات دفع 3 آلاف دينار، حتى لو كان التوقف لبضع دقائق.
وفي حين تعد أمانة بغداد الجهة المسؤولة، فإن مشكلة تسعيرة الكراجات ليست الوحيدة التي يعاني منها سكان العاصمة، إذ ثمة أزمة في توفر الكراجات الرسمية، وتشهد شوارع بغداد على مدار الأسبوع زحاماً متبايناً بسبب الزيادة الكبيرة في الاستيراد، وعدم "تسقيط" السيارات القديمة، فيما لا تتسع شوارع العاصمة القديمة لهذه الزيادات المتسارعة في أعداد السيارات والدراجات النارية، والتي تجاوز عددها 3 ملايين مركبة، في حين أن الطاقة الاستيعابية لشوارع العاصمة لا تتجاوز 250 ألف مركبة فقط.
ويقول المتحدث باسم أمانة بغداد، محمد الربيعي، إن "الجماعات التي تستولي على الشوارع مخالفة للضوابط لأن الأمانة لا تؤجر الشوارع، وعليه فإنهم يتحملون المسؤولية القانونية. هناك حملة كبيرة ستطاول هؤلاء بالتعاون مع عمليات بغداد والأمن الوطني، والحملة ستطاول أيضاً أصحاب الكراجات القانونية الذين لا يلتزمون بالتسعيرة الرسمية".ويقول أحد الأشخاص الذين يمارسون هذه المهنة التي تتطلب عراكاً مع رافضي دفع المال لقاء ركن سياراتهم إنه لجأ إلى هذه المهنة بسبب عدم توفر فرص العمل.
ويضيف "مثلما تطالبنا الدولة بعدم التجاوز على الشارع، يفترض بها أن توفر فرص عمل تليق بنا كمواطنين، وتحد من انتشار البطالة، فالمستوى المعيشي الجيد للمواطن يجعله يحترم القانون ولا يتجاوز على الممتلكات العامة. إذا كان المواطن لا يمتلك قوت يومه، فسيضطر للتجاوزات من أجل الحصول على عمل يلبي متطلبات الحياة البسيطة، وأغلب العاملين في تلك المهنة ينتمون إلى عائلات فقيرة".
بدوره، يؤكد الخبير الاقتصادي، حسن العجر، أن عدم توفر فرص العمل وانتشار البطالة بات شماعة لانتشار مهن غير قانونية، مضيفاً أن "هناك الكثير من المهن المنتشرة التي لا يمكن أن يمارسها الشخص كونها تخالف القانون.
غياب فرص العمل لا يبيح اللجوء إلى مهن غير قانونية لأن ذلك سيحول المدينة إلى غابة يسود فيها حكم القوي".ويتهم العراقي عباس حسين الجهات الحكومية بالتواطؤ مع هذه المجاميع وحمايتها، ويروي تفاصيل تعرضه لمشكلة عندما طالبه صاحب كراج غير رسمي بدفع 5 آلاف دينار بعد أن ترك سيارته لبضع دقائق لشراء الخبز من أحد مخابز منطقة الكرادة في وسط بغداد، وعندما رفض هدده فارض الإتاوات بكسر زجاج سيارته.
يقول حسين "كانت قوة أمنية قريبة من موقع الحادثة، وقد استنجدت بها، لكنها لم تحرك ساكناً واكتفى أفرادها بتوعد فارض الإتاوات من دون اتخاذ أي إجراء. بعض أفراد القوات الأمنية، وحتى بعض الضباط، متواطئون مع هؤلاء، وبعضهم يحصلون على أموال منهم مقابل حمايتهم، أو توفير حصانة لهم في حال رفض أي مواطن الدفع. للعشائرية والانتماء الحزبي دور في انتشار هذه المهن، وإن بشكل غير مباشر، إذ إن كثيرا من أصحاب هذه المهن يلجؤون إلى العشيرة أو الحزب في حال تعرضهم للمحاسبة، فتتم حمايتهم".
ويرى محمد يعقوب، وهو سائق تاكسي، أن الجهات الرسمية تبدو عاجزة عن اتخاذ أي إجراء قانوني إزاء تلك الظاهرة التي باتت أكبر من الجهات الرقابية أو التنفيذية.
ويطالب يعقوب أمانة بغداد بالعمل على محاسبة من يمارسون تلك المهنة من دون ترخيص رسمي عبر تكثيف الجولات الميدانية، وتشديد الرقابة والمتابعة، للحد من الظاهرة التي تشوه شوارع العاصمة.