10 Apr
10Apr

أكد مراقبون للشأن السياسي، فشل حكومة محمد شياع السوداني، في أول اختبار لها بشأن السيطرة على المظاهر المسلحة للفصائل، وذلك على خلفية استعراض فصيلين لسلاحهما ودخولهما بصراع في بغداد دون أي موقف أو رد فعل رسمي، ما جدّد الحديث حول عجز الدولة عن السيطرة على سلاح الفصائل رغم وجود قوانين عدة بهذا الصدد، فيما وصفوا "السلام" الذي ظهر خلال هذه الحكومة، بـ"الهش" والقابل للنسف في أية لحظة.

ويقول الباحث في الشأن السياسي والأمني نزار حيدر في حديث له ، إن "الوقائع تثبت مرة أخرى، أن موضوع السيادة الوطنية ما زال خارج متناول الدولة وإرادتها، فلقد فشلت الحكومة في ضبط مصدرين أساسيين يتجاوزان باستمرار على سيادة الدولة وهيبتها؛ أولها الاعتداءات العسكرية المتواصلة لدول الجوار على الأراضي العراقية، وآخرها العدوان التركي على مطار السليمانية الدولي، فلقد اكتفى رئيس الجمهورية وعدد من الزعامات السياسية بالشجب والاستنكار، فيما لاذ القائد العام للقوات المسلحة بالصمت، وكأن الأمر لا يعنيه وأن حماية سيادة الدولة ليس من اختصاصه".

ويضيف حيدر: "أما الثاني فما شهدته العاصمة بغداد من انتشار مفاجئ لمسلحين تجاوزوا على سيادة الدولة وهيبتها، والذي تعامل معه القائد العام بالتجاهل فلاذ بالصمت أيضاً، وكأنه ليس هو المسؤول عن ضبط السلاح -السياسي تحديداً- تحت إمرته، إذ يتساءل العراقيون باستمرار عن سبب فشل كل الحكومات المتعاقبة في ضبط السلاح تحت سلطة الدولة على الرغم من النص الدستوري بهذا الصدد والذي منع الاحتفاظ بأي سلاح خارج سلطة الدولة بالإضافة إلى نفاذ قانون هيئة الحشد الشعبي رقم 40 لسنة 2016 والذي كان قد شرعه مجلس النواب وحدد المسارات القانونية للسلاح، وتحديداً سلاح الفصائل المُسلَّحة".

ويبين، أن "الجواب واضح على هذا السؤال وهو أن عجز الدولة عن ضبط السلاح دليل على أنه ما زالت الدولة العميقة هي التي تتحكم في الدولة، وهي أقوى منها ومن كل مؤسساتها، وهنا تكمن الخطورة، فإن عجز الدولة عن ضبط السلاح وتفكيك الفصائل يضعها على كف عفريت وفي مهب الريح، وقد يعرضها هذا السلاح لمخاطر جمة في أية لحظة ومنها التهديد بقطع أذان القائد العام للقوات المسلحة، كما حصل مع القائد العام السابق"، بحسب وصفه.

ويتابع حيدر، أنه "على الرغم من كل النصوص الدستورية والقانونية التي رسمت مسارات ضبط السلاح بيد الدولة إلا أن تصريح السوداني قبل عدة أيام وقوله (نعمل مع التحالف الدولي لوضع أفكار تفضي إلى اتفاق بهدف نزع السلاح من كل التيارات قريباً) يثير الكثير من الشكوك والريبة، فما دخل التحالف الدولي في ملف داخلي من المفترض أن لا تتعامل معه ولا تتدخل فيه إلا مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائيَّة".

وشهدت بغداد، ليلة أمس الأول، خلافا نشب بين كتائب حزب الله وسرايا السلام، بسبب قطعة أرض كبيرة في منطقة الدورة جنوبي العاصمة، ووفق ما تم تداوله فأن كتائب حزب الله حاولت الاستيلاء على الأرض، التي هي حاليا تحت سيطرة سرايا السلام.

الخلاف يوم أمس، تسبب بتحشيد كل فريق لعناصره، واستدعاء أرتال مدجّجة بالسلاح، وتنفيذ استعراضات في العاصمة، والتوجه إلى منطقة الدورة، وانتشرت فيديوهات توثق توجّه عشرات العجلات المحملة بالعناصر والسلاح.

واستمر الخلاف بين الطرفين لساعات قبل أن ينتهي بالتفاهم، لصالح التيار الصدري، الذي أكد حسب منشورات له شراءه للأرض، دون أي بيان موقف من قبل كتائب حزب الله.

يذكر أن استعراض الفصائل المسلحة بالسلاح وسط العاصمة بغداد، تكرر كثيرا خلال الحكومة السابقة، حيث عمدت الكثير من الفصائل إلى الاستعراض بعجلاتها وسلاحها لتهديد رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة السابق مصطفى الكاظمي.

من جهته، يرى الخبير العسكري سرمد البياتي، خلال حديث لـه، أن "ما حدث في العاصمة بغداد لا يحتمل أي تفسير، غير تفسير واحد وهو فقدان سيطرة الدولة على قضية السلاح خارج الدولة، وهذا الأمر منذ زمن حكومة العبادي ولغاية هذه الحكومة".

ويبين البياتي، أن "الحكومة إذا حاولت فرض سيطرتها بالقوة، فهذا الأمر سوف يدفع إلى صدامات مسلحة وخسائر بشرية، بما لا يقبل الشك، وهناك امتعاض كبير من قبل المواطنين بسبب استمرار فقدان الدولة السيطرة على السلاح".

ويضيف أن "الجميع كان يعتقد أنه خلال حكومة محمد شياع السوداني، ستكون هناك سيطرة أكبر على السلاح خارج الدولة، كون هذه الحكومة مشكلة من قبل الإطار التنسيقي، لكن يبدو أن السلام الذي كنا ننشده سلام هش وممكن أن ينسف في أي لحظة وما حصل تطور خطير وربما تكون له تداعيات في قادم الأيام".

ومن أبرز الاستعراضات، هو دخول إحدى الفصائل للمنطقة الخضراء واستعراضها قرب مقر إقامة الكاظمي ومن ثم وضع صورته تحت أقدام عناصرها، على خلفية اعتقال عناصر منها بتهمة إطلاق الصواريخ على السفارة الأمريكية.

كما استعرض فصيل آخر، بعد اعتقال أحد قادته بتهمة استهداف المصالح الأمريكية أيضا، وذلك إلى جانب ما شهدته المنطقة الخضراء من مظاهر مسلحة وتهديد للكاظمي، بعد اعتقال قائد لواء الطفوف بالحشد الشعبي قاسم مصلح بتهمة اغتيال المتظاهرين، وفي حينها وصف ما جرى بـ"زلزال" في العاصمة.

وكانت فصائل قد هدّدت في وقت سابق بـ"قطع أذن الكاظمي"، على خلفية خطواته التي حاول فيها اعتقال قيادات في الفصائل بتهم مختلفة.

جدير بالذكر، أنه منذ تشكيل حكومة محمد شياع السوداني، خفتت هذه المظاهر المسلحة، لكون الفصائل مرتبطة بالإطار التنسيقي الذي شكل الحكومة، ولم تشهد العاصمة أو أي محافظة أخرى مظاهر مسلحة أو صدامات، خاصة وأن التيار الصدري انسحب من العملية السياسية واقتصر حراكه على تظاهرات متقطعة فقط.

بالمقابل، يجد رئيس المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية غازي فيصل، أن "الاحتكاك الذي حصل ما بين سرايا السلام وكتائب حزب الله، يؤكد على استمرار خطورة ظاهرة السلاح المنفلت وظاهرة الدولة العميقة، وسيطرة التنظيمات فوق القانون وفوق النظام، وتتصرف وفقا لقياداتها الذاتية في الشارع العراقي".

ويبين فيصل، أن "سعي الأطراف المسلحة للحصول على قطع أراض تابعة للدولة، تؤكد وجود صراع مصالح شخصية ما بين تلك الأطراف، واستمرار ظاهرة السلاح المنفلت في الشارع والاستعراض العسكري، يشكل تهديدا خطير على الأمن القومي الوطني العراقي ولاستقرار النظام، وهذا ما دفع الكثير من التقارير الصادرة من الأمم المتحدة والإدارة الأمريكية، باعتبار الوضع في العراق غير مستقر وغير آمن، بسبب هذا الانفلات المسلح".

ويردف أن "استمرار ظاهرة السلاح المنفلت والتهديد بالاستعراض العسكري بين الفصائل المسلحة، قد يدفع إلى صدامات خطيرة وكبيرة ونهايات غير معلومة وغير محسوبة، وكل هذا يحصل في ظل صمت الحكومة العراقية الحالية، وعدم اتخاذها أي موقف، ولهذا أي شيء يحصل تتحمله الحكومة بسبب فقدانها السيطرة على الوضع الأمني".

وكان وزير الداخلية عبد الأمير الشمري، بحث في آذار مارس الماضي، مع مديرة البرنامج العالمي للأسلحة النارية في مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات سيمونيتا غراسي، السيطرة على السلاح المنفلت، وجرى الاتفاق آنذاك على إجراءات نظامية وقانونية مشددة لتنفيذ حصر السلاح بيد الدولة وترخيص الأسلحة بشكل قانوني وردع استخدام غير المرخصة منها.

وسبق لرئيس الحكومة محمد شياع السوداني، وأن أورد في منهاجه الوزاري، فقرة تخص السيطرة على السلاح المنفلت وحصره بيد الدولة، وهي الفقرة ذاتها التي وردت في كافة البرامج الحكومية لرؤساء الحكومات السابقة، لكن لم تنفذ، لا سابقا ولا حاليا.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة