ألقت الزيارة المرتقبة لرئيس الحكومة محمد شياع السوداني، إلى الإمارات، الضوء على الانقسام داخل "الإطار التنسيقي"، بحسب محللين أشاروا إلى وجود "إطار سلطة" يعتبر الزيارة توجها صحيحا، مقابل "إطار سياسي" يتهم الدولة الخليجية بالوقوف خلف تزوير الانتخابات والسماح بنقل الأموال المسروقة إليها.
ويقول المحلل السياسي محمود الحسيني، خلال حديث له إن "زيارة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني إلى الإمارات، مهمة جدا، لاعتبارات عديدة منها الاندماج مع المحيط العربي".
ويضيف الحسيني أن "السوداني سيتقمص دور سفير السلام بين بعض القوى السياسية العراقية التي تتهم بعض دول الخليج والعرب بالمشاركة بأحداث دامية سابقة، ومنها الإمارات"، مبينا أن "الجغرافيا في المنطقة تفرض على العراق التعامل مع هذه الدول حتى لو كانت هناك مشكلات سابقة".
ويتابع، أن "الابتعاد عن هذا المحيط بعيد عن الحكمة جملة وتفصيلا، إذ أن العراق من الناحية التاريخية، هو أهم دولة بالمنطقة، ومهما مرت عليه ظروف قاهرة لابد له أن يتواصل ويحتك بمحيطه وفق المصالح المشتركة بينه وبين هذه الدولة ومنها الإمارات العربية المتحدة".
وكان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، ذكر يوم أمس، أن زيارته إلى الإمارات تأتي بحثاً عن شراكة مستدامة، مشددا على ضرورة عدم نسيان دور الإمارات الدبلوماسي لدعم العراق، وأن الإمارات، بحسب قوله تعد من أبرز الشركاء التجاريين للعراق خاصة وأن حجم التبادل التجاري يفوق الـ16 مليار دولار.
كما قال السوداني، أنه سيبحث مع رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان التطورات السياسية والدبلوماسية الأخيرة في المنطقة والنتائج الإيجابية من (قمة بغداد 2).
يشار إلى أن لغطا كبيرا أثير حول دور الإمارات وتدخلها بالشأن العراقي الداخلي خلال الحكومة السابقة، ووجه الإطار التنسيقي اتهامات عديدة لها، سواء من قبل قادته أو المقربين منه، وذلك لأسباب عديدة أبرزها مشاركتها بتزوير الانتخابات التي جرت في تشرين الأول أكتوبر 2021، عن طريق السيرفرات والخوادم الإلكترونية.
من جانبه، يشدد المحلل السياسي علي البيدر، خلال حديث لـه على "الفصل بين مواقف إطار السلطة ومواقف إطار المعارضة، فالأول بدأ يفكر بعقلية الدولة وإطار المعارضة كان يفكر بعقلية الفوضى".
ويبين البيدر أن "طريقة التفكير هذه أنتجت سلوكا مغايرا فالإطار اليوم أكثر براغماتية ويسعى إلى تحقيق مصالحه بأي طريقة كما يسعى إلى تعزيز مكانته ووجوده في السلطة أكثر فأكثر".
ويتابع: "أياً كان رئيس الوزراء إطاريا أو من طرف آخر، فنحن كدولة لا نستطيع أن ننفك عن المنظومة العربية أيا كانت توجهات هذه المنظومة ومثل هكذا زيارات ممكن أن تسهم في خلق جو ايجابي بين البلدين، ولا ننسى أن هنالك جالية عراقية كبيرة في الإمارات فكلما ازدادت العلاقات كانت الحياة أفضل بالنسبة لتلك الجالية".
ويضيف البيدر أن "الإمارات من البلدان الناجحة التي علينا أن نستفيد من تجاربها في الإدارة والاستثمار والتطور الحياتي واستقطاب الشركات التجارية، كما نتمنى أن تبتعد الدولة العراقية عن سياسة المحاور وان تسعى بأي شكلٍ من الأشكال لتقديم مصالحها على مصالح تلك الأطراف التي لا تفكر سوى بالانتهازات التي تتحقق جراء الأزمات لاسيما وأننا اليوم بحاجة إلى أن نكوّن تواصلا مع الجميع".
كما جرى اتهام الإمارات بالتدخل في جهاز المخابرات الوطني، وذلك بعد قضية تغيير 300 عنصر فيه ونقلهم لدوائر مدنية في الحكومة السابقة، ومن ثم اتهمت أيضا بإيواء المتهمين بسرقة القرن واستقبالها للأموال التي هربت لها جراء هذه السرقة.
إنقسام الإطار
إلى ذلك، يبين المحلل السياسي المقرب من الإطار التنسيقي كاظم الحاج، خلال حديث لـه، أن "شعار حكومة السوداني هو الانفتاح على جميع الدول وخاصة الدول العربية وفقا لما تعلنه الحكومة على أنه من أجل مصالح العراق، على الرغم من أن هناك الكثير من علامات الاستفهام حول الإمارات أثيرت من قبل كتل سياسية في مواقف سابقة وخاصة في ما يتعلق بمسألة الانتخابات والتدخل فيها".
ويشترط الحاج إذا كان هناك "توجه حقيقي لحكومة السوداني في أن تكون مصلحة العراق أولا، يجب أن يكون هناك كشف لكل القضايا التي تدخلت بها الإمارات كدولة في الشأن العراقي، اخذين بنظر الاعتبار أن الإمارات هي إحدى الدول المطبعة مع الكيان الصهيوني، وبالتالي على الحكومة العراقية أن تبين موقفها في ما يخص هذا الأمر".
ويتابع أن "المسؤولين السابقين في حكومة مصطفى الكاظمي عندما تكون لهم هناك زيارة أو تبادل للزيارات بين الحكومتين عادة ما يكون هناك اعتراض من قبل بعض القوى السياسية المؤيدة الآن لزيارة السوداني إلى الإمارات وعليه يجب على الحكومة أن تكون أكثر صراحة وشفافية مع الشعب العراقي في التغيّر مع الإمارات وبعض الدول الأخرى".
ويكمل الحاج أن "الدول العربية لها علاقات خارجية ممتازة وخصوصا مع الولايات المتحدة الأمريكية، وقد رأينا دور الأردن في الاتفاق الذي تم في اسطنبول كما أن هناك مفاوضات جديدة مع البنك الفيدرالي من قبل البنك المركزي العراقي"، لافتا إلى أن "العراق يحتاج أن يكون له تواصل مع الدول التي لها علاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، والإمارات لها ثقل اقتصادي مهم جدا في الخليج وفي المنطقة، لاسيما وان الأمر الأهم بالنسبة لحكومة السوداني هو محاربة الفساد واسترداد الأموال العراقية المهربة وخاصة لدى الإمارات وكذلك إيواؤها لبعض الشخصيات التي عليها مؤشرات من قبل النظام السياسي العراقي والحكومة العراقية الحالية".
يذكر أن الإمارات، شاركت في القمة بين العراق ومصر والأردن، فبعد أن كانت ثلاثية شاركت الإمارات فيها في الجولة التي عقدت في مصر، وذلك أيضا خلال الحكومة السابقة.
من جانبه، يبين المحلل السياسي المقرّب من الإطار التنسيقي جاسم الموسوي، خلال حديث لـه أن "العراق منفتح على الجميع، وحكومة السوداني ذكية، إذ تتعامل مع الدول وفق مصالح العراق، والإطار يعتقد أن الإمارات دولة مهمة في المنطقة وميناء مهم في مستقبل التجارة البحرية مع ميناء الفاو، وعندما تفتح أبوابها لحكومة سوّقت على أنها حكومة إيرانية ومنكمشة وغير فاعلة، فإن هذا يعني إثبات نجاح حكومة السوداني نجاحا ساحقا في إقامة العلاقات مع الجميع".
ويضيف الموسوي، أن "التغيير الحالي يكمن في أن العراق الآن يؤمن مصالحه، على عكس ما كان الوضع في عهد رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، فلأول مرة نشاهد الروس والألمان وفرنسا والأردن كلها تتسابق على العراق".
كما شاركت الإمارات، مؤخرا في قيمة بغداد 2 التي عقدت في العاصمة الأردنية عمان، وذلك بعد مشاركتها في قمة بغداد 1 التي عقدت سابقا في بغداد.
ومؤخرا، اتجه السوداني إلى تقوية العلاقات الخارجية للبلد، عبر زيارات أجراها للدول العربية والأوروبية، وعقد اتفاقيات عديدة اقتصادية وأمنية، فضلا عن محاولته تفعيل جولات الحوار بين السعودية وإيران، التي بدأت في عهد الحكومة السابقة.
ويعد ملف استرداد الأموال المهربة، من أبرز الملفات التي تعمل عليها الحكومة الحالية، وبين فترة وأخرى يعلن عن استرداد بعض المبالغ، والتي عدت قليلة جدا بما سرق وهرب، إلا أن هناك إشادات بهذه الخطوات.