يُعدّ الفساد ظاهرة تاريخية عابرة للزمن، رافقت البشرية منذ فجر الحضارة. وشهدت مختلف أنحاء العالم، منذ العصور القديمة، لا حصر لها من حوادث الفساد، التي أثرت سلبًا على الأنظمة الاقتصادية والسياسية.
في ظلّ عولمة الاقتصاد وتشابكه، أصبح الفساد قضية عالمية تُهدد استقرار وتقدم الأمم. ورغم جهود العديد من المنظمات الدولية لمكافحة الفساد، إلا أنّ هذه الظاهرة الخطيرة ما زالت تُشكل تحديًا كبيرًا، خاصةً في الدول النامية.
ولم يُشكل العراق استثناءً من هذه الظاهرة، حيث يعاني من تفشي الفساد منذ عقود طويلة.
ومن أمثلة الفساد في العراق، يشير المؤرخ الفلسطيني حنا بطاطو إلى أنّ رئيس الوزراء في العهد الملكي نوري السعيد قد أخذ رشوة من شركة نفط العراق.
لم يتورّع نوري السعيد عن اشتراط منصب وزير الدفاع عند ترشحه لرئاسة الوزراء، مستغلًا ميزانية الوزارة السخية لإقامة الحفلات الفارهة، كما تكرّرت مثل هذه الممارسات الفاسدة في العهد الجمهوري.
ويُجمع الخبراء على أنّ الفساد في العراق قد تفاقم بعد عام 2003، حيث طالت فئة محدودة من أصحاب النفوذ، ممّا أدّى إلى استغلالهم لمناصبهم على حساب مصالح الشعب.
وفاقم نظام المحاصصة الطائفية من تفشي الفساد، ووفر غطاءً للفاسدين تحت مسميات طائفية ومذهبية.
وفي هذا الشأن، أكد عضو لجنة النزاهة النيابية عبدالامير المياحي أن محاسبة الفاسدين وسارقي المال العام تصطدم بمصدات كثيرة منها الحماية السياسية التي توفرها بعض الأطراف لهم.
وقال المياحي في تصريح له إن “انعدام الرقابة منذ سنوات طويلة أدى إلى تفاقم ملفات الفساد في دوائر ومؤسسات الدولة”، منوهاً إلى “تضخم ثروات المسؤولين وحتى المواطنين العاديين سببه الفساد وسرقات المال العام”.
وأضاف أن “الفساد متجذر منذ سنوات طويلة ويصعب القضاء عليه، خاصة بعد ما مر به العراق من حروب واجتياح داعش وغيرها من الأمور التي تشغل الحكومة وتؤثر على دورها الرقابي”، مشيراً إلى أن “هذه الأوضاع سهلت حركة ونقل الأموال العراقية داخل وخارج البلاد”.
وأوضح المياحي أن “الفساد أصبح آفة كبيرة ولا يمكن السيطرة على المال العام بسهولة، فبعضه تحول إلى خارج البلاد والبعض الآخر مشاريع استثمارية”، داعياً “الحكومة إلى اتخاذ إجراءات جادة وتفعيل قانون من أين لك هذا”.
وأشار إلى أن “أكثر أصحاب الثروات اليوم هم أشخاص متنفذين بالدولة ولديهم غطاء سياسي، وهذا ما يصعب عملية محاسبتهم ومساءلتهم”، مبيناً أن “تدخل بعض الجهات منع فتح الكثير من الملفات الخطيرة”.
وتابع المياحي أن “الحكومة لديها الرغبة في القضاء على الفساد، لكن الأمر ليس بهذه السهولة، الفساد تعمق كثيراً، ما يجعل المهمة صعبة وبحاجة إلى معالجات جادة بعيداً عن الضغوط السياسية”.