بعد غياب لأكثر من عقد، حطّ أول رئيس وزراء عراقي في مطار دمشق حاملا في جعبته ملفات عدة، وفيما أكد مراقبون أن الزيارة ستشكل "استفزازا" لواشنطن، الرافضة لأي تطبيع مع الأسد، لفتوا إلى أن السوداني مكبل بقرارات "إدارة الدولة" المسؤول عن النشاط الحكومي، وسط إشارتهم إلى أن الزيارة شهدت طرح ملف ربما يشعل أزمة وتصعيدا مع الأمم المتحدة.
ويقول المحلل السياسي أحمد الشريفي، إن "هذه الزيارات لن تأتي بجديد، لأن مؤشر إدارة النشاط الحكومي بيد ائتلاف إدارة الدولة، وهذا الأخير ما زال متمسكا بقضية ارتباطه بإيران كحليف استراتيجي ويمارس التفافا على البرنامج الحكومي الذي على أساسه منحت الولايات المتحدة والأمم المتحدة الشرعية لحكومة السوداني بعد أن تعهد أن تنفذ حكومته اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية، وهذه الازدواجية بين البرنامج الحكومي للسوداني وكتلته السياسية تجعل هذه النشاطات غير مجدية أو مبطّنة بشيء آخر".
وكان السوداني، وصل أمس، إلى سوريا في زيارة رسمية التقى فيها الرئيس السوري بشار الأسد، وعقدا مؤتمرا صحفيا مشتركا، كشف خلاله السوداني عن بحثه إيجاد آليات للتنسيق والتعقب والمتابعة لمواجهة آفة المخدّرات، فضلا عن التعاون لمواجهة تحدي شح المياه. وجفاف الانهر، والتحرك على دول المنبع.
ويلفت الشريفي، إلى أن "الهدف المبطن من الزيارة بحسب المعلومات الواردة، هو أن هناك ملفا لتسليم معتقلين من المعارضة السورية يقيمان في العراق كلاجئين تحت مظلة الأمم المتحدة"، منوها إلى أن "هذه الخطوة فيها مجازفة وتحدٍّ لإرادة الأمم المتحدة لأن هؤلاء بحسب المعلومات لاجئون لدى العراق، والأمم المتحدة ترى أنهم في مرحلة الترانزيت حتى يصار تأمين بلد ثالث لاستيعابهم".
ويضيف الشريفي، أن "هؤلاء اعتقلوا على اعتبار أن فترة إقامتهم في العراق انتهت، ولكن قبل تسليمهم يفترض بالحكومة العراقية العودة إلى الأمم المتحدة لتقرير مصيرهم لا أن ترتجل وتحيلهم مباشرة إلى سوريا، لأن هؤلاء مصنفون كمعارضين وكان الأجدر ترحيلهم إلى بلد ثالث"، متوقعا أن "تشعل هذه القضية، لو صحّت، أزمة بين الأمم المتحدة وحكومة السوداني".
ويرجّح المحلل السياسي، أن "تشهد الأيام المقبلة تصعيدا داخل الأمم المتحدة في قضية تسليم اللاجئين من جهة، وتصعيدا آخر مع السفيرة الأمريكية بسبب زيارة سوريا، وهي سفيرة فوق العادة تمثل حكومة الولايات المتحدة ورئيسها بايدن، وغير مقيدة بالنشاط الدبلوماسي المتعارف عليه"، لافتا إلى أن "واشنطن ترى نوعا من التمدد الإيراني موجود في العراق وهو مرفوض أمريكيا إذ يجب أن يكون العراق حرا وفق المصالح العليا عندما ينفتح على المحيط وليس بتنسيق إيراني".
وتطرق السوداني خلال لقائه الرئيس السوري بشار الأسد، إلى أهمية العمل المشترك لمعالجة مشكلة اللاجئين وضمان العودة الآمنة لهم، حال استقرار الأوضاع في مناطق سكناهم.
وكانت القمة العربية التي عقدت في السعودية، في أيار مايو الماضي، قررت عودة سوريا لمقعدها، وقد حضر الرئيس السوري بشار الأسد للقنة، وشارك بشكل اعتيادي.
من جانبه، يعتقد رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، أن "هذه الزيارة محاولة لتدعيم العلاقة بين بغداد ودمشق خصوصا أنها أول زيارة لرئيس وزراء عراقي إلى دمشق بعد عقد من الزمان، وبعد أن جرى إتهام دمشق من قبل رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بأنها كانت مسؤولة عن إيواء الإرهاب وغيرها".
ويضيف الشمري، أن "الزيارة تهدف لبناء العلاقة بشكل جديد، وترتبط إلى حد كبير بمجموعة التطبيع العربي مع سوريا التي أقرت في القمة العربية في جدة، وهي تأتي أيضاً لغرض مناقشة بعض الملفات"، مؤكدا أن "التنسيق في ملف المخدرات مهم جدا، خصوصا أن سوريا تعد مصدّرا كبيرا جدا للمخدرات إلى العراق، وهذا يتطلب عملا كبيرا، أما ملف المياه فهو مرتبط بتركيا بالدرجة الأولى على اعتبار أن العراق وسوريا بلدا مصب، وسوريا لا تمتلك علاقة جيدة مع تركيا، فلن يحدث تقدم في هذا الملف".
ويرجح أن "تستفز زيارة السوداني إلى دمشق، واشنطن، لا سيما وأن الأخيرة ترفض عودة سوريا إلى الحضن العربي"، مشيرا إلى أن "العراق لا يستطيع التحرك بمنأى عن الولايات المتحدة، لأنه يعتمد مبدأ التوازن في علاقاته الخارجية، وهذا المبدأ يخضع لكل الظروف المحيطة في المنطقة والدول المؤثرة في الداخل العراقي، لذلك فإن بقاء مبدأ التوازن لن يحقق الاستقلالية للعراق في قراراته الخارجية".
يشار إلى أن رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، ترأس خلال شباط فبراير الماضي، وفد الاتحاد البرلماني العربي الذي يترأسه، إلى سوريا، والتقى خلالها الرئيس السوري بشار الأسد، وأكد تضامنه معها والوقوف مع شعبها، واستمرار تقديم الإمكانات اللازمة بعد حادث الزلزال.
ويأتي التوجه العراقي نحو إعادة سوريا لمحيطها العربي وكسر العزلة، بالتزامن مع تحرك إماراتي في ذات الصدد، حيث زار وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان، دمشق والتقى الأسد مطلع العام الحالي، وأكد أنه "من الطبيعي أن تعود سوريا إلى عمقها".
يذكر أن وزارة الخارجية الأمريكية، أكدت في أيار مايو الماضي، على موقف بلادها الرافض لتطبيع العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد، وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل إن الولايات المتحدة لن تطبع العلاقات مع نظام الأسد، كما أننا لا ندعم تطبيع الآخرين للعلاقات مع دمشق، مضيفا: لقد أوضحنا ذلك بشكل واضح لشركائنا.
بدوره، يؤكد المحلل السياسي علي البيدر، أن "السوداني خاض مع الأسد في ملفات الأمن والاقتصاد والجانب التجاري وطريق التنمية، فالمشتركات كثيرة بين البلدين وتتطلب مزيدا من الجهود، خصوصا في الملف الأمني الذي أشار له رئيس الوزراء في المؤتمر الصحفي، فالواقعان العراقي والسوري ملتصقان بشكل يتطلب توحيد الأهداف الاستراتيجية بعد المتغيرات الدولية الجديدة".
وحول إمكانية إحداث خلل في التوازن بالعلاقات الدولية، يعلق البيدر الذي رافق الوفد العراقي لزيارة دمشق، أن "السوداني منذ اليوم الأول لوجوده في السلطة يعمل بعيداً عن سياسة الأقطاب والمحاور، واتخذ منهجا جديدا هو الدبلوماسية المثمرة، وهذه النقطة جعلته يتجه نحو علاقات قويمة مبنية على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل"، لافتا إلى أن "علاقات التأثر والتأثير بسوريا يجب أن تجعلنا نقفز على جميع الملاحظات ووجهات النظر والاعتبارات الدولية الغربية على وجه التحديد، فالدول أسيرة مصالحها، والسوداني بهذه العقلية يثبت أنه يبحث عن مصالح العراق".
ولا يعتقد أن "التحرك تجاه خلق علاقة جديدة مع الجانب السوري ممكن أن يقود إلى أزمة مع الولايات المتحدة، فالأخيرة تتفهم أن العراق يسعى إلى تعزيز إمكانياته وقدراته".
يذكر أن العراق وسوريا، يعانيان من الجفاف بسبب قلة الإطلاقات المائية لنهري دجلة والفرات من قبل تركيا، ومؤخرا انهفضت مناسيب الفرات في العراق لمستويات قياسية، خاصة وأنه النهر الرابط بين العراق سوريا.
وكانت المتحدثة الإقليمية باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إيمان الطرابلسي، أكدت في حزيران يونيو الماضي، أن اللاجئين السوريين في الدول التي تعاني من أزمات اقتصادية تفاقمت معاناتهم، مشيرةً إلى أن 5 ملايين لاجئ سوري متواجدون في العراق وتركيا ولبنان والأردن.