باتت “المخاوف” الأمنية هي الدفاع الأول لتحركات رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، نحو المحيط العربي، في خطوة لضمان عدم تأثر العراق بمجريات الأحداث في سوريا، لكن هذه التحركات، خضعت لتشريح دقيق من قبل مراقبين، لتظهر جوانب عدة غير معلنة، أولها سرعة التوجه للدول العربية بعد “انحسار” للمحور الإيراني الذي كان العراق مرتبط به بشكل أو بآخر.
ووفقا للمراقبين، فإن العراق أتجه للدول القريبة من أمريكا، للحصول على ضمانات “أمنية ودعم”، لكن هذا التوجه أيضا يبقى مرهونا بموقف داخلي حاسم وهو ملف الفصائل المسلحة، فالتحركات الدبلوماسية للسوداني كان يجب أن يرافقها تطمين بهذا الملف، كما يرى المراقبون.
ويقول رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، خلال حديث ”، إن “زيارات رئيس الحكومة محمد شياع السوداني إلى الأردن والسعودية تندرج في خانة الاقتراب العراقي من المحيط العربي، خصوصا بوجود ملفات تسوية في غزة وسقوط نظام الاسد في سوريا”.
ويضيف الشمري، أن “ما يجري في المنطقة يمثل ملفا عربيا ضابطا، لأن سوريا مجاورة للأردن والعراق، لذلك التنسيق بالنسبة للبلدين يعتبر مهما لتوحيد الموقف وتبادل المعلومات الاستخبارية”، معتبرا لقاء السوداني بولي العهد محمد بن سلمان، بأنه “جاء من المعرفة بما تمثله السعودية من ارتكاز عربي دبلوماسي وسياسي بحكم علاقاتها الدولية، وهي الاولى بمنظومة الدول العربية قاطبة، وتمتلك الكثير من مفاتيح الحلول خاصة وأن المنظومة الغربية دائما تمر مقارباتها من خلال الرياض”.
ويتابع، أن “ذهاب العراق بالاتجاه العربي هو اتجاه صحيح في ظل أوضاع المنطقة، وهو جزء من محاولات الابتعاد أو الميول للرأي الإيراني بما يخص الملفات العربية الحساسة”، مبينا أن “السعودية والأردن هي الدول المعنية بشكل اكبر بكل ما يجري من تغيرات”.
ويوضح أن “العراق لم يكن له أي دور بالوضع في غزة، ولبنان كانت تشرف فرنسا وأمريكا على حصول الهدنة فيه، أما غزة فيشرف على وضعها أمريكا وإسرائيل ومصر وقطر”، مؤكدا أن “العراق اقتصر دوره على مستوى معين من الدعم الانساني وفي بعض اللحظات لعب دور ناقل الرسائل فيما يخص غزة ولبنان، ولكن في سوريا فقد قدم العراق خطوة ليضع نفسه ضمن السياق العربي عبر مبادرته لجمع الدول العربية على موقف واحد بعدما انهارت إيران وفقدت سيطرتها، وهذا بهدف عدم جعل الفراغ يملء من قبل دول إقليمية اخرى”.
وتوجه يوم أمس، رئيس الحكومة محمد شياع السوداني إلى المملكة العربية السعودية، والتقى في مدينة العلا ولي العهد محمد بن سلمان، وبحثا بحسب البيان الحكومي، آخر تطورات الأوضاع في المنطقة وأهمية الاتفاق على التنسيق المشترك بشأن تداعيات الاحداث في سوريا.
كما أكد السوداني حرص العراق على وحدة الأراضي السورية وعدم التدخل في الشأن الداخلي السوري واحترام الإرادة الحرة للسوريين، واستعداد العراق للتعاون مع الأشقاء والأصدقاء في المنطقة من أجل إرساء الأمن والاستقرار وإبعاد المنطقة عن خطر الصراعات والحروب، كما تطرقا لوضع غزة، وأكدا على أهمية تكثيف الجهود الدولية من أجل إيقاف فوري للحرب ومضاعفة الجهود الإغاثية لتخفيف معاناة الأهالي في غزّة.وكان السوداني، زار الأردن في 11 من الشهر الحالي، والتقى في العاصمة الأردنية عمّان الملك عبد الله الثاني بن الحسين، وذلك بعد أيام فقط من سقوط نظام بشار الأسد في سوريا.
يذكر أن لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا، أكدت في اجتماعها بمدينة العقبة الأردنية، يوم 14 من الشهر الحالي، وكان بمشاركة العراق، الوقوف إلى جانب الشعب السوري وتقديم كل العون والإسناد له في هذه المرحلة الانتقالية، واحترام إرادته وخيارته، داعية إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية جديدة “جامعة”.
وشدد البيان الختامي الصادر عقب الاجتماع، على دعم عملية انتقالية سلمية سياسية سورية جامعة، تتمثل فيها كل القوى السياسية والاجتماعية، بما فيها المرأة والشباب والمجتمع المدني بعدالة، وترعاها الأمم المتحدة والجامعة العربية.إلى ذلك، يبين المحلل السياسي هيثم الخزعلي، خلال حديث ، أن “مصر والأردن والسعودية تستشعر الخطر من الوضع في سوريا، ولا يناسبها وجود جماعات متطرفة خلفيتها من جماعة الأخوان المسلمين واخرى من السلفية والقاعدة، لأن ذلك سيمنحها أرضية شعبية في هذا البلد”.
ويؤكد الخزعلي، أن “العراق بالنسبة له يخشى من عودة سيناريو داعش في سوريا، ولذلك يحاول تقوية الاتفاقات مع الدول العربية لايجاد صيغة حلول للحد من نفوذ الجماعات الإرهابية ذاتها”، مبينا أن “الحكومة العراقية لا تريد الذهاب باتجاه موقف عدائي تجاه الجماعات التي اصبحت تحكم سوريا، بل تريد التعامل بشكل محترم كدولة لأخرى وفقا للاتفاقيات الدولية”.
ويلفت إلى أن “اشتراك العراق في اجتماعات العقبة هدفه ضمان حصول موقف تجاه قيام نظام في سوريا يكون مدنيا ويحافظ على حقوق الأقليات والطوائف والأماكن المقدسة عبر الجهود الدبلوماسية والاطراف الفاعلة، وعلى رأسها الولايات المتحدة، مع توظيف مصالحه أيضا ضمن هذا السياق”.
وفي ظل الحراك الدبلوماسي في المنطقة، فقد أجرى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، جولة في المنطقة العربية، وقد هبط في العراق بشكل مفاجئ، والتقى السوداني، وشدد خلال اللقاء، وفقا لما نقلت وكاةل “رويترز” على “التزام الولايات المتحدة بالشراكة الاستراتيجية الأمريكية العراقية وبأمن العراق واستقراره وسيادته”.وأضافت أن الوزير ناقش أيضاً الفرص والتحديات الأمنية الإقليمية، بالإضافة إلى الدعم الأمريكي الدائم للمشاركة مع جميع المجتمعات في سوريا لإنشاء انتقال شامل”.
وعقب سقوط النظام السوري في 8 كانون الأول ديسمبر الحالي، عقدت إدارة العمليات العسكرية برئاسة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) اجتماعا مع رئاسة حكومة النظام السابق، وتبع ذلك تسليم الحكومة السابقة لملفات الوزارات والإدارات العامة إلى حكومة إنقاذ، لتصبح حكومة تسيير أعمال مؤقتة لمدة أقل من 3 أشهر، يرأسها محمد البشير.من جانبه، يعتقد رئيس المركز العربي الاسترالي للدراسات الاستراتيجية، أحمد الياسري، خلال حديث أن “القاعدة التي ينطلق منها العراق ضمن الملف السوري، هي محاولة طلب استعانة للأمر مع اقتراب القمة العربية، لأنه كلما انحسر النفوذ الإيراني يصبح اتجاه الدول التي في محورها نحو المحور العربي، وهو نفسه ما فعله بشار الأسد سابقا”.ويبين الياسري، أن “اهمية المنظومة العربية وتوحدها هو لكسر الكماشة التركية – الإيرانية الدبلوماسية، والسوداني قد تحرك ضمن فضاء الدول العربية ضمن النفوذ الأمريكي لكسب دعم هذه الحكومات كي يقوم بالتأقلم حول الوضع في سوريا، منطلقا من قضية عودة داعش وهي ابرز المخاوف التي تشترك بها مع جميع الدول المحاذية”.
ويستطرد أن “داعش إذا تمكن من الوصول إلى الأنبار، فقد اصبح على اعتاب السعودية وهذا ما يجعل العراق يذهب باتجاه بناء موقف داخلي بضرورة الذهاب ضمن المنظومة العربية كي يعطي قوة للرؤى التي يريد أن يصدرها ضمن المفكرة السورية الداخلية، ويجعل الأمر منظما بالتعامل مع دول الفضاء الأمريكي، فضلا عن محاولة تجنبه لاحتمالات وتطورات وتأثيرات ربما تكون قادمة في سوريا بعد دخول إسرائيل للأراضي المطلة على لبنان والأردن وسوريا، وهي كلها تمثل خشية لدى العراق من تفاعلها اكثر”.
ويكمل الياسري حديثه: “العراق أيضا يحاول إيصال رسائل للجانب الأمريكي بما يخص الفصائل، عبر الهدوء والاتجاه بقراره الداخلي السياسي نحو الدول العربية، وقد اصبح منفكا عن التأثيرات الإيرانية، ولكن كل هذه الرسائل ليس لها جدوى دون أن تكون مصحوبة بتفاهمات داخلية تدعم حركته خارجيا، لأن حركته في الخارج دبلوماسيا لن تؤثر إذا لم تكن مشفوعة بقرار داخلي ثابت يطمئن دول الجوار وأمريكا”.
ويشدد على أن “السوداني عليه الانطلاق بتثبيت القرار الداخلي قبل انطلاقه خارجيا بجولات عربية، لأن المبادرات يجب أن تكون حقيقية وليست مبادرات طوارئ، بالتالي العراق عليه اثبات الفعل ثم تصديره للخارج عبر المسار الدبلوماسي”.ونقلت وسائل إعلام عن “مصادر سياسية”، يوم السبت الماضي، عن نقل بلينكن رسائل “تهديد” مباشرة الى السوداني بشأن الفصائل المسلحة المدعومة من إيران في العراق، وقالت المصادر، إن “بلينكن نقل بشكل واضح ومباشر رسائل تهديد من واشنطن خلال اجتماعه مع السوداني بشأن الفصائل المسلحة في العراق، ومستقبل تلك الفصائل وتحركاتها”.
من جانبه، يرى عضو مركز الرافدين للحوار، سليم سوزة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “تحركات العراق الأخيرة على دول الجوار، هي محاولة لإيجاد دور له وسط أدوار الفاعلين الأساسيين في سوريا”.
ويوضح سوزة: “ثمة رؤيتان إقليميتان اليوم بشأن الأحداث السورية الحالية، رؤية تفاؤلية وداعمة للمعارضة السورية تقودها تركيا وقطر وأخرى متحفظة ومتخوفة من هيمنة الإسلاميين على سوريا كرؤية الأردن والامارات والسعودية”.
ويتابع: “العراق يحاول أن يكون في الوسط، لا مع هذه الرؤية ولا تلك، على الرغم من تقاربه مع الرؤية الثانية المتمثلة بالأردن، السعودية، الامارات”، مبينا أن “العراق يخشى من سيطرة التنظيمات الإسلامية الراديكالية ومنها داعش على مناطق سوريا الشرقية على الحدود العراقية، خصوصا إذا انسحبت القواعد الأمريكية من هذه المناطق كما وعد دونالد ترمب اثناء حملته الانتخابية، حيث سيكون لهذا الأمر تداعيات على الأمن القومي العراقي، لذلك تسعى حكومة السوداني التواصل مع الجانب الأمريكي والدول العربية التي لديها نفس تخوفات العراق لإيجاد حلول مبكرة لهذه المسألة، بعدما ضعفَ الدور الايراني في المنطقة ولم يعد الحل الإيراني ممكنا في ظل هذه الظروف”.
ويؤكد سوزة، أن “الأمريكان والفرنسيون بدورهم أعطوا ضمانات للعراق من انه سيكون آمنا في ظل عملية سياسية سورية شاملة تشترك فيها كل قوى المعارضة السورية، لكن هذه الوعود غير مطمئنة وغير كافية إن قرر ترمب في أول أسابيع حكمه سحب القوات الأمريكية من شرق سوريا كما وعد في حملته الانتخابية، لذلك يتحرك العراق اليوم على دول عربية يشترك معها في مخاوفه من هيمنة إسلامية راديكالية على سوريا بغية الوصول إلى تفاهم أولي على خطوات مستقبلية لاحقة في حال لم تنجح العملية السياسية السورية في صناعة الاستقرار في سوريا”.ويختم حديثه بـ”من المبكر القول إن ثمة تحالفا ينشأ بين العراق وبين هذه الدول العربية، لكنه حتى الآن تقارب في وجهات النظر لم تصنعه السياسة أو الاقتصاد، بل الأمن والمخاوف فحسب”.
يذكر أن “العالم الجديد”، ناقشت في تقرير موسع انهيار ما يسمى بـ”محور المقاومة”، فانهيار نظام بشار الأسد، في سوريا قطع الطريق، وبدد نظرية “الهلال الشيعي” على نحو سريع ومفاجئ، وبحسب باحثين ومراقبين، فإن عملية طوفان الأقصى كانت بداية النهاية لهذا المحور الذي حمل إيران كلفة اقتصادية وبشرية هائلة، فيما شككوا بقدرة إيران “التوسعية” مستقبلا بعد موت “وحدة الساحات” ونشاط الداخل الإيراني “المعارض”.
ويشير مصطلح محور المقاومة أو الممانعة، إلى تحالف عسكري وسياسي غير رسمي مناهض لإسرائيل والولايات المتحدة، ويضم إيران وسوريا والفصائل العراقية الموالية لطهران، وحركة حماس الفلسطينية، وحزب الله اللبناني، وحركة أنصار الله اليمنية (الحوثيون)، وتصنف الولايات المتحدة معظم تلك الجماعات كمنظمات إرهابية.