وسط أزمة بطالة متنامية منذ سنوات، وبالرغم من وعود الحكومة بإيجاد فرص عمل للشباب، تكافح بعض النسوة لدخول سوق العمل والمنافسة الصعبة عبر مشاريع صغيرة داخل منازلهن برؤوس أموال بسيطة، تجنبهن مشقة التواجد خارج منازلهن لارتباطاتهن الأسرية، من أجل توفير مورد مالي لهن ولعوائلهن، وأبرز المشاريع، تلك التي تتعلق بإعداد الوجبات من الأكلات الشعبية وإيصالها للزبائن بعد الحجز الإلكتروني، أو عبر الاتصال.
وتقول سارة سلام (31 عاما) من العاصمة بغداد، خلال حديث لـها، إنها تخرجت “في العام 2018 من الجامعة باختصاص هندسة الاتصالات، لكنني لم أجد فرصة للعمل في الدوائر الحكومية رغم تقديمي على العديد منها وبمحاولات مستمرة، فاتجهت إلى شركات القطاع الخاص لكن الرواتب القليلة مقابل ساعات عمل طويلة”.
وتضيف “بعد ذلك أصابني اليأس لوجود منافسة شرسة بين المهندسين في سوق العمل وفرصه القليلة خاصة بهذا المجال حيث يعتمد الأمر على السيرة الذاتية والخبرات التي يجب أن تكون مثبتة حين التقديم”.
وتتابع سارة، أن الحياة ذهبت بها إلى الزواج من شخص يعمل موظفا في بداية سنواته الوظيفية، ما اضطرها إلى البحث عن عمل مناسب يجعلها تساعد زوجها في ترتيب مصروفات المنزل وتربية أولادهما والتكاليف التي تدفع شهريا للإنفاق على مختلف المتطلبات.
وتبين “شاهدت خلال التصفح في مواقع التواصل الاجتماعي عدة مشاريع لطبخ الأكلات الشعبية والترويج لها وإمكانية طلبها بشكل إلكتروني وتوصيلها عبر شخص ما يكون ضمن المشروع”.
وتوضح أن “الفكرة بدأت تنضج يوما بعد يوم حتى أصبحت وشيكة التنفيذ داخل منزلي، حيث قمت بوضع خطة وتوفير مواد الطبخ لمختلف الأكلات وتخزينها بكميات بسيطة، إضافة للاتفاق مع أحد الأشخاص أصحاب الدراجات لغرض تنفيذ الطلبات بحال حصولها مع احتساب أجرة له سواء بالمناطق القريبة أو البعيدة التي تستدعي ذهابه بسيارته الشخصية أيضا”.
وتؤكد أن “إحدى قريباتي قامت بمساعدتي في الترويج للأكلات، حيث تقوم بصنعها وتصويرها ثم نشرها في تجمعات نسائية على مواقع التواصل الاجتماعي مع وضع أرقام موبايل للحجز والاستفسار”.
وتواصل سلام “الطلبات بدأت في بداية الأمر بشكل بسيط وبمناطق قريبة حتى تصاعد العمل ليصل لأكثر من 25 طلبا في اليوم، وبأسعار متفاوتة للأكلات تتراوح من سبعة آلاف دينار (نحو خمسة دولارات) إلى 50 ألف دينار (نحو 33 دولارا)، ما عدا كلفة التوصيل التي تكون ثلاثة إلى خمسة آلاف”.
وتلفت إلى أن الأكلات التي يتم طلبها وتقوم هي بطبخها، كـ”الدولمة، والبرياني، والباجة، والمرق، والسمك المشوي، بالإضافة إلى الكبة، والبورك، والهمبرغر”، دائما ما تكون بسيطة، ومشتريها ممن لا يملكون وقتا للطبخ، وذلك بكميات وأسعار مختلفة”.
يشار إلى أنه وبحسب بيانات لمنظمة الأمم المتحدة عن العراق، فإن “13 بالمئة فقط من النساء مستعدات للعمل، بينما 8 بالمئة فقط من النساء يعملن بالفعل، وأقل من 1 بالمئة منهن استطعن الوصول إلى مناصب صنع القرار في مجالاتهن”.
كما تؤشر البيانات الدولية، أن “العراق يعد ثالث أدنى مرتبة من بين الدول الـ139 عالميا، في نسبة الشركات التي تضع النساء في وظيفة المدير العام، بنسبة نحو 2 بالمئة فقط، ومقابل كل شركة توظف امرأة في منصب المدير العام في العراق، هناك ثلاث شركات تديرها نساء في دول الشرق الأوسط”.
وفي السياق، تقول أمل محسن (45 عاما) وهي أيضا لديها مشروع للأكلات الشعبية وتجهيزها للزبائن في محافظة كربلاء، خلال حديث لـه أن “هذا المشروع يمثل مصدر رزقي الأول وليس لدي ما يعيل أولادي غيره”.
وتردف أمل، بأن “وفاة زوجي خلال معارك التحرير ضد داعش الإرهابي عندما كان متطوعا في صفوف الحشد الشعبي جعلتني أفكر بهذا المشروع لتوفير المصاريف في حياتنا اليومية وإكمال أولادي لدراستهم”.
وتنوه “لدي ثلاثة أطفال يدرسون في المدارس بمراحل دراسية مختلفة ووالدهم كان يعمل في محل للعطارة في سوق المدينة، حتى لبى نداء المرجعية الدينية والتحق بصفوف الحشد الشعبي، لكنه سرعان ما استشهد في بداية المعارك”.
وتنبه “لم أتمكن لغاية الآن من الحصول على الحقوق المالية لزوجي لغاية الآن لوجود إشكاليات في المعاملة ونقص أوراق من الصعوبة إيجادها فتخليت عن الأمر واستطعت توفير مبلغا ماليا لبدء عملي في تجهيز الأكلات والترويج لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي”.
وتعتبر أن “مشروعها يمثل طريقة سهلة لتجهيز العوائل بألذ الوجبات البيتية خاصة خلال المناسبات والتجمعات العائلية وبأسعار تنافسية تجعل الزبائن يرغبون بهذه الأكلات أكثر من الأطباق المختلفة من المطاعم السريعة التي ربما يكون غير معلوم مصادر أطعمتها ولحومها”.
وتؤكد البيانات الدولية أنه “من بين كل عشر نساء عراقيات هناك تسع منهن غير نشطات اقتصاديا، في حين تكاد النسبة تكون معكوسة في صفوف الرجال، فمن بين كل 10 رجال عراقيين هناك 8 منهم نشطين اقتصاديا”.
وعلى غرار ذلك، تقول مروة الغانمي (25 عاما)، خلال حديث لـها إن “مشروعي لتجهيز الأكلات الشعبية في المنزل لقى استحسان العديد من الناس في منطقتي بمحافظة الديوانية منذ العام 2020، إذ كنت أقوم بتلبية من 6 إلى 10 طلبات في اليوم من مختلف الأكلات والمعجنات، حتى أصبحت أجهز اليوم برفقة شقيقتي التي تشاركني المشروع ما يقارب 35 طلبا”.
وتضيف “المشروع لم يأت من فكرة العوز المادي بالدرجة الأساس بل لفقدان فرصة التوظيف لنا كخريجات من جامعتين باختصاص التربية والعلوم الإسلامية وهذا بسبب انتباه الحكومة للخريجين ووضع خطة لاستيعابهم”.
وتابعت “المصدر المالي بالتأكيد مهم، ولكن توظيف الطاقة بعمل منزلي أيضا يمثل أمرا هاما للنساء ولذلك اتجهت مع شقيقتي لهذا المشروع من أجل الإبداع في تجهيز الأطعمة الشعبية بما يرغب به الزبائن عبر الحجز من صفحتنا على مواقع التواصل الاجتماعي”.
وتؤكد الغانمي، أن “المشاريع النسائية من هذا النوع أصبحت كثيرة جدا وتشهد رواجا بشكل كبير لأنها تمثل فرصة سهلة نسبيا في تنويع مصادر الدخل ربما، وأيضا لتفريغ الطاقات الإبداعية في فن الطبخ، وأيضا يمكن اعتبارها مشاركة في إعالة العوائل التي ربما لديها أوضاعا خاصة بعدم عمل الرجال أو صغر سن الذكور”.
وتعتبر الأطباق العراقية من الأشهر حول العالم، حيث يتصدرها طبق أكلة “الدولمة، والباچة” وغيرها من الأكلات التي تجتذب أذواق الكثيرين من محبّي المأكولات الشعبية، فيما تعتبر “الدليمية”، وهي قريبة من أكلة المنسف الشامية أيضا لها نصيب في الموائد بشكل عام.
كما تعد أكلة سمك المسكوف الطبق الرئيسي والوطني في الكثير من أنحاء العراق، حيث وبحسب التقاليد العراقية فإن سمك المسكوف من بين الأطعمة التاريخية التي تناولها السومريون والبابليون على ضفاف نهري دجلة والفرات منذ آلاف السنين.
وفي السياق، توضح الناشطة في مجال حقوق المرأة والطفل، غادة صالح، خلال حديث لـها أن “المشاريع النسوية المنزلية تعتبر فرصة لتطوير النساء واعتمادهن على أنفسهن خاصة وهي نشطت في مرحلة جائحة كورونا في العراق لأن الأوضاع لم تكن تسمح بالخروج ومن أجل تغيير الروتين وقلة المورد المالي للعوائل”.
وتبين أن “طبخ الأكلات الشعبية والخياطة والرسم والأعمال اليدوية قد تصدرت أنشطة النساء حيث قمن بترويجها بشكل لافت منذ تلك الفترة حتى خرج بعضهن لسوق العمل والمنافسة”.
وتردف “الكثير من النساء بلا معيل وكن بحاجة ماسة للدعم الحكومي، ولكن لغياب ذلك الدعم اعتمدن على أنفسهن بابتكار أفكار تساعد في تطوير مصادر الدخل وكبدائل أيضا عن فرص العمل في مؤسسات الدولة، فهناك حاجة ماسة للالتفات لهذه الشريحة التي لم تتلقى الدعم واكتفت بالعمل المنزلي لإخراج الطاقات واعالة العوائل الميسورة بشكل خاص”.
يذكر أن دراسة أعدتها وحدة إحصاءات النوع الاجتماعي التابعة للجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط العراقية، لفتت إلى أن توزيع النساء حسب قطاعات العمل لا يبدو متوازنا، فيظهر أن هناك قطاعات تنشط فيها النساء على حساب قطاعات أخرى.
ووفقا للدراسة يعد القطاع الحكومي من أكثر القطاعات الجاذبة لمشاركة المرأة، حيث كانت النسبة نحو 78 بالمئة مقارنة بباقي القطاعات، التي لم تشكل سوى 21 بالمئة في القطاع الخاص، مع الإشارة إلى أن أغلب النساء العاملات في القطاع الخاص هنَّ من النساء الريفيات.