رغم خفض العراق لإنتاجه النفطي، توقع صندوق النقد الدولي ارتفاع إنتاجه أواخر العامين الحالي والمقبل، وفيما أرجع متخصصون هذا التوقع إلى اكتمال جولة التراخيص الجديدة وعودة التصدير عبر خط جيهان التركي، شددوا على ضرورة تنويع الإيرادات وعدم اقتصارها على النفط، لما فيه من مخاطر كبيرة في حال خفض الإنتاج أو انخفاض أسعاره، إلى جانب شرح متخصص بالطاقة لآلية الإنتاج والكميات والخزين الاستراتيجي.
ويقول الخبير النفطي محمد هورامي، أن "التوقعات بزيادة إنتاج النفط في العراق تأتي من اعتبار أن جزءاً من جولة التراخيص سوف يكتمل ما يزيد صادرات النفط، وأيضا من استئناف تصدير النفط من إقليم كردستان بعد انتهاء الانتخابات التركية وحسم الرئاسة في تركيا".
ويضيف هورامي، أن "ميزانية الدولة العراقية تعتمد بنسبة 90 بالمئة على واردات النفط، ولذلك فإن أي زيادة بالإنتاج ستكون ذات تأثير إيجابي إذا استغلت بصورة صحيحة مثل استخدامها في مشاريع البنى التحتية، خاصة أن الحكومة جادة في الوقت الحاضر بمحاربة الفساد والبدء بخطة إعمار ومشاريع خدمية".
وعن أسباب زيادة الإنتاج النفطي، يوضح أن "حفر الآبار الجديدة هو أحد أكبر أسباب زيادة إنتاج النفط، فهناك شركات نفط تمتلك عقودا بزيادة الآبار، وبالنتيجة زيادة الآبار تعني حصول هذه الشركات على أموال خاصة، وكذلك أن الطلب على الطاقة في ازدياد مستمر لأن الزيادة السكانية في العالم مستمرة".
ويكمل هورامي: "عادة في موسم الربيع تكون درجات الحرارة معتدلة ما يجعل الطلب على الطاقة متوازنا أو قليلا، وعند الدخول في فصل الصيف فإن الطلب يزداد لان جزءا كبيرا من الغاز والنفط يذهب إلى المحطات الكهربائية".
وكان صندوق النقد الدولي، توقع يوم أمس الاثنين، أن يبلغ إنتاج العراق النفطي للعام الحالي نحو 4.63 ملايين برميل يوميا، ومن المتوقع أن يرتفع أيضاً في عام 2024 بمعدل 4.74 ملايين برميل.
وبين أن أعلى معدل إنتاج من بين الدول العربية المنتجة للنفط كان من نصيب السعودية حيث بلغ الإنتاج فيها لعام 2022 معدل 10.57 ملايين برميل، يليها العراق بـ4.44 ملايين برميل، ومن ثم الإمارات العربية بمعدل 3.14 ملايين برميل يوميا.
وبلغت قيمة موازنة العام الحالي والعامين المقبلين، 200 تريليون دينار (151 مليار دولار) لكل عام، وأرسلت لمجلس النواب بعد التصويت عليها من قبل مجلس الوزراء، وتم بناء الموازنة، على سعر 70 دولاراً للبرميل، فيما بلغت نسبة العجز فيها 63 تريليون دينار.
من جانبه، يوضح الخبير النفطي حمزة الجواهري، أن "الحقول النفطية تحتوي على آبار تكون أحيانا مغلقة ولا تنتج، إنما تضخ النفط فقط، كما أن لكل بئر خانقا بالعادة يكون مغلقا، ولكن حين فتحه يمكن أن يؤخذ منه النفط بكمية كبيرة".
ويضيف الجواهري، أن "زيادة الإنتاج تعتمد على معرفة أي الآبار تحتوي على خانق، فزيادة الإنتاج ونقصانه على أساس معرفة فتحة الخانق، وذلك بالاستناد إلى الفحوصات الإنتاجية ومعرفة كمية الضخ في هذا البئر".
ويشير إلى أن "معدل الإنتاج اليومي من النفط في العراق هو أكثر من 5 ملايين برميل، كما أن هناك نحو 18 حقلا تحت التطوير وكلها تحتوي على آبار جديدة وهذه تؤدي إلى زيادة الإنتاج بشكل مؤكد".
ويتابع الجواهري، أن "جزءا كبيرا من النفط المنتج يذهب إلى المصافي بحوالي 700 – 800 ألف برميل كما يذهب جزء آخر إلى إنتاج الطاقة الكهربائية وجزء آخر يكون ثقيلا جدا يذهب إلى إنتاج الإسفلت الذي يستخدم لتعبيد الطرق بخلطه مع الرمل والاسمنت والحصى".
ويبين، أن "الخزين النفطي للعراق بحسب المعلن يصل إلى حوالي 152 مليار برميل، ولكن في الحقيقة العراق يمتلك أكثر من هذا الرقم بثلاثة أضعاف لأن هناك آبارا تحتوي على كميات كبيرة من النفط ولكن لم تكتمل عمليات الاستكشاف فيها بعد".
يشار إلى أن العراق وإلى جانب دول أوبك، عمد إلى خفض إنتاجه النفطي بشكل طوعي مطلع الشهر الحالي، بمعدل 211 ألف برميل يوميا، وذلك بهدف اتخاذ الإجراءات الاحترازية لمواجهة التحديات التي تواجه السوق النفطية العالمية، ولتحقيق التوازن بين العرض والطلب واستقرار السوق، حسب بيان وزارة النفط، في حينها.
جدير بالذكر، أن متخصصين بالنفط أكدوا سابقاً، أن قرار خفض الإنتاج يهدف للسيطرة على أسعار النفط ومنع انخفاضها، وأن العراق وجدها فرصة لحماية الموازنة.
يذكر أن منظمة أوبك، قررت في تشرين الأول أكتوبر 2022، خفض إنتاج النفط، وقد حظي القرار بدعم أغلب الأعضاء بما فيهم العراق، حيث أكدت شركة تسويق النفط "سومو" آنذاك، أن قرارات أوبك + "تستند إلى مؤشرات اقتصادية وتتخذ بمهنية وموضوعية وإجماع".
إلى ذلك، يبين الباحث في الشأن الاقتصادي جليل اللامي، أن "سكان العراق في بداية نشأته الحديثة لم يعتمدوا على الثروة النفطية التي ابتلي بها دون أن يستثمرها بالشكل الملائم خاصة خلال العقدين الأخيرين ولكن في السنوات الأخيرة تعاظمت المشكلة بسبب الظروف الصعبة التي مر بها العراق، حيث أصبح اعتماد الموازنات السنوية على موارد النفط بما لا يقل عن نسبة 95 بالمئة، وهي نسبة عالية جداً".
ويضيف اللامي، أن "نسبة التخصيصات للنفقات التشغيلية في الموازنة تصل إلى 75 بالمئة ولم يبق للاستثمار بالمشاريع الإنمائية سوى نسبة لا تتجاوز 25 بالمئة، وأن مساهمة كل من القطاعين الزراعي والصناعي كانت ضئيلة جدا في الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي جعل العراق معتمداً على موارد النفط في تلبية احتياجاته لذا فعلى العراق أن يستعد للحظة التي يصبح فيها غير قادر على الاعتماد على النفط".
ويتابع أن "العراق لم يزل من دون تطلع إلى تنويع في الاقتصاد وإيجاد مصادر أخرى للطاقة، فهذا يعني إذا انخفضت الإيرادات النفطية أو اختفت، ولم تعد الحكومة قادرة على دعم القطاع غير النفطي ما يؤدي لارتفاع نسبة البطالة وعدم القدرة على دفع إعانات المواطنين وكذلك عدم القدرة على توفير الدعم الصحي، ورغم كثرة مصادر الإيرادات غير النفطية ولكنها مشتتة ولها منافذ للتسريب بسبب عدم وجود حكومة إلكترونية إضافة إلى عدم وجود آلية موحدة لإدارة هذه الملفات".
يشار إلى أن رئيس الوزراء محمد السوداني، صرّح بعد تسنمه منصبه بفترة بسيطة، بأن العراق سيجري نقاشات مع أعضاء منظمة أوبك الآخرين لإعادة النظر في حصته الإنتاجية وزيادتها، معللا ذلك بالحاجة "إلى الأموال لإعادة إعمار العراق"، فيما بين أن العراق حريص على استقرار أسعار الطاقة، ولا يريد للأسعار أن ترتفع فوق 100 دولار ولا تنخفض بالشكل الذي يؤثر على مستوى العرض والطلب.
وتبلغ إيرادات النفط حاليا، حسب آخر إحصائية لوزارة النفط بشأن مبيعات شهر آذار مارس الماضي، سبعة مليارات و404 ملايين دولار، عن 100 مليون و913 ألفا و27 برميلا، بمعدل تصدير ثلاثة ملايين و255 ألف برميل، بمعدل سعر 73.37 دولاراً.
يذكر أن موازنة العام 2021، أقرت بتقدير سعر برميل النفط الواحد 45 دولارا، وقيمتها 129 تريليون دينار (نحو 88 مليار دولار)، فيما سجلت عجزا قدره 28 تريليونا (نحو 19 مليار دولار)، وفي حينها كان متوسط سعر برميل النفط عالميا نحو 64 دولاراً.
يشار إلى أن أعلى موازنة في تاريخ البلد، كانت في عام 2012، خلال تولي نوري المالكي لدورته الحكومية الثانية، بواقع 118 مليار دولار، وعدت في حينها بـ"الموازنة الانفجارية".