تعد مدينة أربيل الوجهة المفضلة للعراقيين الراغبين بالانتقال للعيش في إقليم كردستان، لما تتمتع به من أمن واستقرار وانخفاض بمعدلات السرقة والجرائم المنظمة، كما هو معلن، بالإضافة إلى عدم انتشار السلاح المنفلت فيها، وخلو المدينة من النزاعات المسلحة العشائرية وغيرها، إلا أن السنوات الأخيرة، حملت معها متغيرات جديدة، تصاعدت فيها معدلات جرائم القتل والسرقة والسطو، وظهرت معها نزاعات عائلية وعشائرية ومناطقية مسلحة، تزامنت مع توقف صرف رواتب الموظفين.
ويؤكد شهود عيان من أربيل على أن الفترة الأخيرة وخاصة الأشهر الأولى من العام الحالي، شهدت زيادة كبيرة في معدلات السرقة، وسط غياب الرادع القوي، من قبل المؤسسات الأمنية والقضائية.
ويقول المواطن آرام علي من أربيل، خلال حديث لـه، “كنت خارج المنزل، وحين عدت فوجئت بسرقة أثاث المنزل وأغراض أخرى بقيمة نحو 35 مليون دينار”.
ويضيف علي، “استطعت التعرف على اللصوص من خلال كاميرات المراقبة، وبعد تقديم شكوى إلى مركز الشرطة تم إلقاء القبض عليهم، وبدأت التحقيقات معهم، لكن الغريب أنهم أكدوا ليّ أنه حتى لو تم الحكم عليهم فإنهم سيخرجون من السجن بعد ستة أشهر، ولن يعيدوا ما سرقوه مني”.
وليست هذه الحادثة الأولى، فوسائل الإعلام الكردية ومواقع التواصل الاجتماعي مليئة بالعشرات من الحوادث اليومية لأشخاص يتعرضون للسرقة والتسليب، وعند تقديم للشكوى، تسجل ضد مجهول، أو أن المؤسسات الأمنية تنهي الموضوع بصورة ودية، لأن الجاني قد يكون من إحدى العشائر الكبيرة أو مرتبط بأشخاص متنفذين سياسيا أو حكوميا.
وبهذا الصدد، يؤكد السياسي المعارض، والنائب السابق عن محافظة السليمانية، غالب محمد، خلال حديث له، أن “أربيل التي كانت مضربا للأمثال ويحتذى بها في الأمن والأمان، هي اليوم تعيش وسط غابة، يسيطر فيها السلاح المنفلت، ويكثر فيها اللصوص وقطاع الطريق، وتزداد معدلات الجرائم المنظمة، وتجارة المخدرات”.
ويلفت محمد، إلى أن “هذه العمليات تمارس من قبل متنفذين وأنصار أحزاب السلطة، وخاصة الحزب الحاكم في أربيل (الحزب الديمقراطي الكردستاني)، الذي لا تستطيع أي مؤسسة أمنية في المدينة الوقوف بوجوههم”.
ويوضح أن “الأوضاع الاقتصادية السيئة بسبب فساد الكبار وسرقة الرواتب، أدت لانتشار الفساد في المؤسسات الأمنية، كونها مؤسسات حزبية، وبالتالي، ضباط هذه المؤسسات يتقاضون الرشاوى، وهذا سبب آخر، لعدم تطبيق القانون على اللصوص والمجرمين”.
وينبه محمد، إلى أن “هناك خشية من الضباط والقضاة من تطبيق القانون بحذافيره، خاصة إذا كان المشتكى عليه من المجرمين واللصوص من أنصار الحزب الحاكم (الحزب الديمقراطي الكردستاني)، أو من أبناء العشائر المتنفذة، أربيل لم تعد مدينة مثالية يعيش فيها الناس بأمن وأمان، نتيجة الفساد والهيمنة التي يمارسها الحزب الحاكم”.
يشار إلى أن نزاعا مسلحا اندلع في السادس من الشهر الجاري، بين عائلتين في قضاء بنصلاوة بأربيل، أسفر عن مقتل شخص، وبعد أربعة أيام منه اندلع نزاع عشائري عنيف في منطقة طوبزاوا بأربيل بأول أيام عيد الفطر، واستخدمت فيه مختلف أنواع الأسلحة.
من جانبه، يشير السياسي الكردي المعارض محمود ياسين، خلال حديث لـه، إلى أن “الحزبين الحاكمين (الحزب الديمقراطي الكردستاني، الاتحاد الوطني الكردستاني) يسيطران إقليم كردستان بالكامل، فالديمقراطي يسيطر على أربيل ودهوك، والاتحاد يسيطر على حلبجة والسليمانية”.
ويبين أن “الحزبين يدعمان العشائر الكردية، وشكلوا فصائل مسلحة خاصة بهم، فالإقليم ليس به قوات بيشمركة وآسايش وشرطة محلية تابعة له، بل لدينا بيشمركة وقوات مكافحة إرهاب تابعة للحزبين، كما لدينا ما يعرف بالديوان، وهذا يعني أن كل شيخ عشيرة لديه نحو 15 شخصا مسلحا، وجميع هؤلاء يحملون السلاح ويتصرفون بطريقة منفلتة، ولا تستطيع أي جهة محاسبتهم”.
ويتابع “ظاهرة الانفلات في أربيل زادت، ومعدلا الجريمة تتزايد يوما بعد يوم، والسبب الرئيسي يتمثل بضعف المؤسسات الأمنية، وعدم وجود رادع قانوني، كون الحزب الحاكم يتدخل بالقرارات الأمنية والقضائية، ولا تستطيع أي جهة الوقوف بوجه الحزب وأنصاره”.
وكانت قائممقامية قضاء أربيل قد أعلنت في 28 كانون الأول ديسمبر 2023، عن إحصائية لأنشطتها خلال العام الماضي، تضمنت اعتقال 984 شخصا من المتجاوزين على القانون، وإغلاق 1000 مطعم، ومتجر للتسوق، ومذخر أدوية، وفندق، مخالفة للمواصفات الصحیة، وإتلاف 214 طنا من الأطعمة غير الصالحة للاستهلاك.
لكن مدير ديوان وزارة الداخلية في حكومة إقليم كردستان هيمن ميراني، ينفي خلال حديث لـه، أن “هناك انفلاتا في الوضع الأمني بأربيل، بل المدينة تعيش وضعا أمنيا هو أفضل من باقي مدن العراق الأخرى، ونسب الجرائم والسرقة هي الأقل من جميع المحافظات”.
ويردف “لدينا أجهزة أمنية قوية ومهنية ورصينة وتتمتع بالقدرة على التصدي لأي محاولة لإخلال الأمن في أربيل، كما لدينا أجهزة استخبارية تكتشف الحدث قبل وقوعه، وما يثار حول تزايد السرقات والجرائم غير صحيح”.
ويشدد “أجهزتنا الأمنية تتعامل مع المجرمين واللصوص وفقا للقانون، ولا يوجد أي شخص فوق القانون إطلاقا، وأي شخص يتم اعتقاله، يحقق معه بشكل فوري، وتحال أوراقه إلى القضاء ليتصرف بوضعه وينال عقوبته”.
وتشهد أربيل قصفا صاروخيا وبالطائرات المسيرة وبالطائرات المقاتلة بين وقت وآخر من قبل الفصائل المسلحة العراقية، والحرس الثوري الإيراني، والجيش التركي، يستهدف قواعد عسكرية أمريكية، ومقرات للأحزاب المعارضة الكردية الإيرانية والتركية.