خلّف الحكم المفاجئ للمحكمة الاتحادية بإنهاء عضوية رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، صراعا كبيرا داخل البيت السني على شغل هذا المنصب، ويتفق قياديان من القوى السنية في أن الخلافات ستتصاعد أكثر خلال الأيام المقبلة على اختيار البديل، لكنهما يختلفان في مسألة بقاء أو خروج المنصب من حزب "تقدم" الذي يتزعمه الحلبوسي، فيما يجد مراقب سياسي أن الصراع سيطول حول إيجاد البديل، لأنه يخضع في النهاية لمحددات الإطار التنسيقي الذي يتزعم الحكم، ومؤثرات خارجية إقليمية.
ويقول القيادي في تحالف السيادة حسن الجبوري، خلال حديث لـه إن "القوى السنية بالتأكيد ستشهد خلافات حول المرشح لرئاسة مجلس النواب، وستصل لمرحلة الصراعات، فعملية اختيار بديل عن الحلبوسي لن تكون سهلة مطلقا".
ويضيف الجبوري، أن "الحوارات والمفاوضات ستكون هي الفيصل في حسم اختيار المرشح، ولا نتوقع أن هذا المنصب سيخرج من حزب تقدم، خصوصاً وأن الحزب هو من يملك الأغلبية البرلمانية السنية داخل البرلمان، لكن ذهاب المنصب لجهة أخرى أمر وارد، إذا ما كان هناك اتفاق سياسي على ذلك".
ويبين أن "الأيام القليلة المقبلة ستكون حاسمة بشأن اختيار رئيس مجلس النواب الجديد، فهناك إجماع سياسي سني على ضرورة الإسراع بحسم هذا المنصب وعدم تركه شاغرا لفترة طويلة".
وكانت المحكمة الاتحادية، أصدرت الثلاثاء الماضي، قرارها بالدعوى التي رفعها أمامها النائب السابق ليث الدليمي، وجاء فيه نص القرار: نظرت المحكمة الاتحادية العليا يوم الثلاثاء 14\11\2023 الدعوى بالعدد 9/اتحادية/ 2023، وقررت بموجب الحكم الصادر فيها انهاء عضوية رئيس مجلس النواب محمد ريكان الحلبوسي وانهاء عضوية النائب ليث مصطفى حمود الدليمي اعتباراً من تاريخ صدور الحكم في 14\11\2023 قراراً باتاً وملزماً لكافة السلطات.
وتشهد القوى السنية، خلافات كثيرة وحادة، وأبرزها، الخلاف بين مثنى السامرائي، الذي أسس تحالف العزم بعد الانشقاق عن تحالف عزم بقيادة خميس الخنجر، عندما قرر الأخير التحالف مع حزب تقدم بقيادة الحلبوسي وتشكيل تحالف السيادة، وهو ما رفضه السامرائي، نظرا للعداء مع الحلبوسي، فانشق إلى جانب نحو 15 نائبا وانضم للإطار التنسيقي.
من جهته، يبين فارس الفارس، القيادي في تحالف العزم الذي يترأسه مثنى السامرائي، خلال حديث لـه أن "المناقشات والحوارات بشأن اختيار رئيس مجلس النواب الجديد انطلقت بشكل رسمي، ولا نتوقع أن تكون هناك خلافات وصراعات قوية ما بين القوى السنية، بل العملية ستكون سهلة عكس ما يتصور البعض".
ويؤكد أن "التوجه السياسي هو أن يكون رئيس مجلس النواب الجديد، من خارج حزب تقدم، وربما نواب حزب تقدم سينضمون للاتفاق الجديد على أن يكون المنصب لشخص من خارج حزبهم"، مبينا أن "في اليومين المقبلين ربما تتوضح خارطة الاتفاق السني بشأن اختيار رئيس مجلس النواب الجديد، ومن المؤكد أن أي شخصية ترشحها القوى السنية سيكون هناك قبول عليها من قبل القوى السياسية الشيعية وكذلك الكردية".
يشار إلى أن العام الحالي، شهد حزب تقدم بزعامة الحلبوسي، استقالات كبيرة، على إثر خلافات حادة مع الحلبوسي، وصلت إلى مرحلة الشجار والسباب، خلال اجتماع بمنزل رئيس تحالف السيادة خميس الخنجر.
كما كان القيادي الأبرز في تحالف السيادة أحمد الجبوري (أبو مازن)، انسحب من التحالف قبيل تشكيل الحكومة الحالية، وأنضم إلى تحالف العزم بقيادة مثنى السامرائي المتحالف مع الإطار التنسيقي، وذلك بعد خلافات حول الوزارات ومناصب المحافظين.
وإلى جانب هذه الخلافات، جرى تشكيل أكثر من تحالف في الأنبار ضد الحلبوسي، وأبرزها تحالف الأنبار الموحد، الذي ضم قيادات سنية عدة.
كما عاد للواجهة كل من علي حاتم السليمان ورافع العيساوي، وهما من الشخصيات السياسية السنية البارزة، التي لعبت دورا خلال تظاهرات المحافظات السنية قبل دخول داعش، كما تعد هذه الشخصيات من أبرز المعارضين للحلبوسي.
إلى ذلك، يرى رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، خلال حديث لـه أن "إنهاء عضوية رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي خلقت أزمة داخل البيت السني وأربكته بشكل كبير جدا، خصوصاً وأن طبيعة التوافقات والتدخل الخارجي في ضبط إيقاع البيت السني، حافظ إلى حد ما على استقراره، خصوصاً خلال الستة أشهر الماضية".
ويتابع "بعد إنهاء عضوية الحلبوسي، البيت السني سيتعرض إلى اهتزاز كبير، خصوصاً وأن التنافس في أعلى مستوياته، مع وجود التنافس الانتخابي والسياسي، وسيكون هناك تدافع ما بين الكتل السنية على منصب رئيس البرلمان، وهذا يتطلب إعادة التحالفات ورسمها"، مضيفا أن "حجم المرشحين لرئاسة مجلس النواب، سيولد أزمة كبيرة جداً داخل البيت السياسي السني، خصوصاً هناك تخاصم ما بين قيادات هذا البيت، وهذا قد يطيل إلى حد ما عملية اختيار رئيس البرلمان الجديد".
ويلفت إلى أنه "في حال تأخرت عملية الاختيار، هنا قد يتدخل الفاعل الخارجي والإقليمي لغرض ضبط البيت السني من جديد، كما ستكون هناك محددات يضعها الإطار التنسيقي الشيعي الحاكم لاختيار رئيس البرلمان القادم".
ومن أبرز الأمثلة على التدخل الإقليمي في البيت السني، هو رعاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، للصلح بين الخنجر والحلبوسي، الذي نتج عنه تشكيل تحالف السيادة، وذهاب منصب رئيس التحالف إلى الخنجر، والتجديد للحلبوسي كرئيس للبرلمان في حينها، مقابل ذهاب المناصب الأخرى والوزارات من حصة المكون السني، إلى الخنجر والكتل "السنية" الأخرى.