وسط الحديث عن تسهيلات حكومية كثيرة لتطوير وتقوية قطاع الاستثمار في العراق، ظهرت بوادر نيابية لتوجه البيت التشريعي نحو إجراء تعديلات على قانون الاستثمار من أجل مواكبة الحاجة وحل الإشكالية التي فيه بعد سنوات طويلة على تشريعه.
ويتكون قانون الاستثمار العراقي رقم 13 لسنة 2006 من 37 مادة مقسمة على العديد من المحاور والفقرات التي تنظم العمل الاستثماري في جميع المفاصل الاقتصادية داخل البلاد، لكن خبراء يؤشرون باستمرار وجود صعوبات تتطلب النظر فيها من أجل تسريع عجلة المشاريع وجذب رؤوس الأموال الأجنبية وتوفير البيئة الآمنة لها.
ويقول عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية، محمد الزيادي، خلال حديث لـه، إن “اللجنة بصدد تعديل قانون الاستثمار خلال الأيام المقبلة لوجود حاجة كبيرة إلى النهوض بالعديد من القطاعات الحيوية والمشاريع الكبيرة التي يراد تشييدها لمعالجة الأزمات مثل السكن والمجمعات التجارية وغيرها”.
ويضيف الزيادي، أن “هيئة الاستثمار الوطنية مشتركة في هذا التعديل ويجري مناقشة المواد التي يجب النظر فيها، والتعديل جاء للنظر في العديد من النقاط غير الواضحة في تنفيذ القانون ومنح الإجازات الاستثمارية لجهات غير مختصة، كما تجب إعادة تصويب عملية منح الاستثناءات من اللجان الحكومية العليا في رئاسة الوزراء”.
ويؤكد أن “الاستثناءات ليست دائما صحيحة، ويجب التريث وإيلاء الموضوع أهمية للجهات ذات الاختصاص، للنظر بتلك الاستثناءات، لذا فإن تعديل قانون الاستثمار سيرافقه تعديل آخر لقانون التحكيم العادل الذي سيؤمن رؤوس الأموال الأجنبية من العقوبات المالية الدولية، وهو على طاولة اللجنة حيث سيتم قراءته بشكل أولي لتنشيط الاستثمار التجاري في البلاد”.
ويعتبر الزيادي، أن “قانون التحكيم لا يقل أهمية عن قانون الاستثمار لحاجة العراق الكبيرة لفتح آفاق التعاون التجاري الخارجي عبر استثمار الأموال الأجنبية في مشاريعه”.
ويشير إلى أن “التعديلات المقبلة على قانون الاستثمار ستعالج البيروقراطية الكبيرة في منح الإجازات والموافقات من دوائر الدولة والوزارات التي يتعلق الأمر بها، والدعم سيكون بشكل عالٍ لقطاع الاستثمار من خلال التنظيم الجديد له”.
يشار إلى أن العراق يقع في المرتبة الرابعة وفقا لتصنيف الاستثمار الأجنبي المباشر لأفضل الأسواق الناشئة بالاستثمار الذي أصدره موقع “FDI Intelligence” المتخصص بشؤون الاستثمار العالمي لعام 2024، حيث جاءت هذه المرتبة للعراق من بين 10 دول جرى تقييمها بحسب عدة معايير من بينها الناتج المحلي الإجمالي، ونسبة التضخم، والنمو في إنفاق رأس المال في الاستثمار الأجنبي المباشر، ونسبة النمو في مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر.
وعلى الرغم من ذلك، خصصت الموازنة الاتحادية للأعوام الثلاثة 2023 و2024 و2025، نحو 47 تريليون دينار للمشاريع الاستثمارية، في حين تؤكد وزارة التخطيط أن المشاريع المتلكئة تحتاج لنحو 12 مليار دولار (الدولار بالسعر الرسمي يبلغ 1300 دينار وفي السوق الموازية نحو 1500 دينار) لإنجازها.
ولا يضمن قانون الاستثمار المشرع منذ قرابة 18 عاما لوحده تشجيع الاستثمار الأجنبي، فجذب رؤوس الأموال لتطوير البنى التحتية وإدخال التكنولوجيا الحديثة يتطلب وسائل وظروفا وشروطا لابد من العمل على توفيرها في البلاد، وفقا للأكاديمي المختص بالاقتصاد الدولي، خطاب الضامن.
ويوضح الضامن، خلال حديث لـه ، أن “قانون الاستثمار عندما تم تشريعه في العام 2006 كان يمثل نقلة في تسهيلات العمل الاستثماري وجذب رؤوس الأموال حينها في المنطقة المحيطة بالعراق، إضافة للضمانات والإعفاءات الضريبية التي منحت لمدة 10 سنوات للاستثمارات القادمة للبلاد، فضلا عن إمكانية امتلاك الأرض بالكامل للمستثمر مع إمكانية تحويل الأرباح والأموال للخارج، وغيرها من تسهيلات كبيرة”.
ويلفت إلى أنه “بموجب القانون حينها تم تأسيس الهيئة الوطنية للاستثمار، أما اليوم وبعد مرور سنوات طويلة على تشريعه فبالتأكيد الحاجة تتطلب وجود تعديلات مع تغيير بيئة الاستثمار لأنه أصبح يعاني من بعض نقاط الضعف التي يجب مراجعتها وأهمها قضية التعقيد البيروقراطي المتمثلة بالموافقات الإدارية وتشعبها بين دوائر الدولة حيث في كل محافظة هيئة تابعة للهيئة الوطنية للاستثمار في بغداد”.
ويوضح أن “الهيئة الوطنية وهيئاتها هي التي يفترض تسهيلها الحصول على الإجازات، ولكن الواقع يؤشر وجود عراقيل كبيرة في وزارات ومحافظات تخص موافقات البيئة والآثار والجهات الأمنية وهي تأخذ وقتا طويلا وتتطلب وجود تسهيل لمنح كل تلك الموافقات عبر آلية واحدة تكون إلكترونية تسرع العمل الاستثماري”.
في جانب آخر، يشير الضامن، إلى أنه “يوجد تداخل في نصوص القانون الاستثماري مع بعض التشريعات الأخرى التي تخص الأراضي الزراعية وعقارات الدولة حيث يجب تكييف القوانين لاختصاص الوقت وعدم تأخير منح الإجازات لأنه يؤثر على سهولة العمل، كما يجب العمل على حل النزاعات التجارية حيث يوفر القانون حماية للاستثمارات وعدم مصادرة المشاريع إلا بأوضاع معينة وضمان حصول المستثمر على تعويض عادل بحال مصادرة مشروعه بأسباب موجبة”.
وبينما يلفت إلى أن “قانون الاستثمار الحالي يؤكد أن القضاء الحالي هو الذي يبت بالنزاعات التجارية، وهذا يحتاج لوقت وتنقل بين المحاكم”، لكنه قال إن “هذه المحاكم عندما تنظر في هذه القضايا قد يتم تسريب معلومات ووثائق حساسة عن رؤوس الأموال والأسماء ما قد يؤثر على المستثمرين وأسعار أسهمهم وسمعتهم في القطاع الاستثماري، وهذا يتطلب وجود هيئات تحكيم يرأسها خبراء وتكون خارج القضاء للجوء إليها لحل النزاعات بين أي طرفين حول قروض أو مشاريع أو أموال”.
ويعتبر المختص بالاقتصاد الدولي، أنه “إذا تم تعديل القانون وتضمينه معالجات إيجابية للمشاكل سيكون له أثر إيجابي على تدفق الاستثمارات إلى العراق وهو بحاجة لمشاريع متنوعة كبيرة خاصة لمحطات توليد الكهرباء عبر الطاقة المتجددة، إضافة للحاجة إلى مشاريع العقارات والبنى التحتية لوجود أزمة السكن مع ارتفاع أسعار الأراضي وكلف البناء”.
ويدعو إلى “ضرورة معالجة القانون لسرعة تمليك الأراضي للمستثمرين بوجود موارد هائلة زراعية وصناعية يمكن استغلالها وتطويرها لإنتاج سلع وطنية غذائية وصناعية وحتى في قطاع الصناعة الدوائية وكلها تتلاءم مع الإمكانيات الاقتصادية العراقية وما تحتويه من قدرات بشرية”.
وبالحديث عن الخطط الحكومية لقطاع الاستثمار، تشير خطة التنمية الوطنية الممتدة من العام 2024 وحتى العام 2028 لغرض تقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية في دعم الموازنة المالية العامة، إلى ارتفاع الخط البياني للاستثمارات ليصل إلى 300 مليار دولار.
ويتصدر قطاع الإسكان القطاعات الاستثمارية من حيث الإقبال بسبب حاجة البلاد لأكثر من أربعة ملايين وحدة سكنية مما حفز المطورين العقاريين لضخ استثمارات تقارب الـ100 مليار دولار، ازدادت العام الماضي 2023 بنحو 6% عن العام 2022 بمساهمات خارجية لشركات إقليمية وعالمية.
من جهته، يرى استشاري التنمية والاستثمار، عامر الجواهري، خلال حديث لـه، أن “قانون الاستثمار العراقي رقم 13 لسنة 2006 مع تعديلاته المتكررة يعتبر بتصنيف جيد جدا مقارنة بالقوانين الأخرى، لكن المشكلة هي بمن ينفذ القانون من الأفراد والإدارات العليا والكوادر المشغلة والمنفذة”.
ويقول الجواهري، إن “هناك مشكلة في نمطية عمل هيئات الاستثمار لدخول المحاصصة والمحاباة حتى تم كشف عقود استثمار وهمية في فترة تولي سهى النجار لهيئة الاستثمار الوطنية بفترة حكومة مصطفى الكاظمي، كما توجد عقود استثمار لم تنفذ بل تم إدخال المواد والعمالة”.
ويطالب بـ”الانتباه وعدم تكرار التعديلات التي تأتي بضغوطات ومطالبات من هنا وهناك لتمشية بعض الفقرات لأن هذه ستكون قوانين هجينة فيما بعد”.
ويبين أنه “يجب التركيز في الهيئة الوطنية للاستثمار والهيئات في المحافظات على استقلالية تلك الهيئات التامة واعتمادها على نظام عمل بالإعلان الشفاف لكل فرصة استثمارية مع وجود دراسة أولية لكل واحدة من اجل استقطاب الشركات ذات القدرة الفنية والمالية والإدارية لتنفيذ المشاريع بعد التنافس على تلبية الشروط المناسبة مثل اعتماد العمالة المحلية وليس الأجنبية فقط والبنى التحتية الرصينة”.
وينبه الجواهري، إلى أن “هناك إعلان قريب خلال مؤتمر صحفي عن 100 فرصة استثمارية في العراق من قبل الهيئة الوطنية للاستثمار، ولهذا يجب تنظيم آلية العمل من جميع الجوانب لأن العمل في الاستثمار قريب من العمل الدبلوماسي ويتطلب التدرب على الأساليب الحديثة”.
ويؤكد أنه “يجب الالتفات إلى أنه قبل 15 سنة كان هناك مبدأ في هيئة الاستثمار السعودية (24 ضرب 7 ضرب 30) وهو يعني بأنه يمكن لأي مستثمر يريد الاستفسار 24 ساعة في اليوم و7 أيام في الأسبوع و30 يوما في الشهر وبعدها قاموا بزيادة اللغات عبر طرق الاتصال بالهيئة لتوسعة آلية التعاون وتوفير كوادر متدربة ومتطورة لتقديم الخدمات المناسبة”.
يأتي كل ذلك في ظل تهالك البنى التحتية للبلاد واستشراء الفساد في مؤسسات الدولة التي يقارب سكانها من 43 مليون نسمة، فيما تتطلع الحكومة إلى إدخال القطاع الخاص في تجارب استثمارية جديدة مثل قطاع الطاقة الكهربائية المتجاوز لـ80 مليار دولار وقطاع الصحة باستثماراته المقاربة 20 مليار دولار، فضلا عن فرص استثمارية جديدة لمدن متكاملة عند أطراف العاصمة يمكنها استقطاب مئات آلاف السكان بشكل مباشر أو عبر أنشطة اقتصادية مستحدثة.