14 Feb
14Feb

لم يقف الفساد عند حدود هدر المال العام وتعكير الحياة الاجتماعية والاقتصادية في إقليم كردستان، بل وصل به الأمر إلى أن يخلق بيئة خصبة لنشوء عدّة "مافيات" مدعومة سياسيًا وأمنيًا تحت مظلّة "جهات رسمية وحزبية وأصحاب نفوذ"، وهذا ما جعل كردستان خلال السنوات السابقة أن توصف بـ"غابة" تضمّ الكثير من رؤوس المافيات الكبيرة التي انتعشت على أخذ الأتاوات من رجال الأعمال وأصحاب المشاريع الضخمة، حتى اضطر الكثير منهم إلى ترك الإقليم الكردي ونقل "ماكناتهم" الاقتصادية إلى محافظات أخرى.


عدّة تصريحات صحافية لمسؤولين ونواب كرد تؤكد أن رقابة السلطات الرسمية تكاد تكونُ معدومة في "بعض" المناطق الكردية لوجود "مافيات" تسيطر وتتحكم في تلك المناطق. ويُمكن الإستناد إلى ذلك بما حدث يوم أمس بمحافظة السليمانية التي تبدو في ظاهرها أنها مدينة يسودها التعايش السلمي والتعددية المدنية والثقافية إلا أن كل ذلك لا يخفي وجود "مافيات شخصية" سياسية وأمنية فيها.

مطاردة واستعراض هوليودي
منذُ الأمس، انشغل الإعلام الكردي بحادثة ملاحقة ومطاردة قائد عسكري يدعى "ديرين عوزيري" وهو ضابط في قوات البيشمركة بعد "تورطه واتهامه" بعمليات أخذ الأتاوات من رجال الأعمال وتهديدهم بالسلاح الحكومي، وبناء ثروة مالية كبيرة جدًا رغم صغر سنه بطرق قيل أنها "غير قانونية"، وهو ذاته الذي كان يظهر حتى قبل أيام قليلة على مواقع التواصل الاجتماعي مستعرضًا قواته العسكرية بظهور هوليودي وهو أمر لأحد الأفواج في قوات 70، بالإضافة إلى تجمهر واحاطته بالعشرات من أبناء عشيرته.
انفجار حادثة "عوزيري" تعود إلى ما ذكرته وسائل إعلام كردية نقلا عن مصادر مطلعة وهو أن "الضابط" الكردي قام قبل فترة بتهديد أحد رجال الأعمال وطلب منه "مبلغًا من المال" للسماح بإستكمال أحد مشاريعه السكنية بالقرب من المنطقة التي تتواجد فيها قواته عند مدخل السليمانية، ليعود تهديده خالي اليدين من المستثمر الكردي على عكس المرات السابقة التي استطاع فيها أن يحصل على نحو مليون دولار أمريكي.
دفع ذلك "ديرين" إلى اطلاق النار عليه واصابته بجروح خطيرة عن طريق"عصابة" تتبعه، وعلى إثره ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالحادثة، لتكشف تقارير صحافية أن "القائد العسكري" المذكور نفذ العديد من عمليات أخذ "الأتاوات" من رجال الأعمال على مدار سنوات طويلة.

أين بافل طالباني؟
أمام كل ذلك، أصبح رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني بموقف مطالب فيه برد فعل ليقضي على ما حدث في السليمانية، وانهاء مثل "هذه الظاهرة" التي باتت تُهدد رجال الأعمال والاستثمار على حدٍ سواء، ليصدر أمرًا فوريًا بطرد "الضابط" من قوات البيشمركة ودعم القضاء لإصدار مذكرة قبض بحقه، بالإضافة إلى تفجير مقر اقامته أو ما عُرف محليًا في كردستان بـ"القلعة" التي قام بتشييدها على أرض "مغتصبة" تبلغ مساحتها آلاف الدوانم، مع مصادرة أمواله المنقولة وغير المنقولة، وهنا خرج بموقف وصفته نسبة عالية من سُكان السليمانية بـ"البطولي" وتُحسب له ايجابيًا.
وقبل قرار طالباني، كان عوزيري أمرًا لأحد أفواج لواءي (3-7) ضمن تشكيلات (70) في قوات البيشمركة التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني. بحسب مصدر مُطلع، مؤكدًا " أن الضابط المذكور كان يعمل بأمرة نجل مسؤول يصفه بـ"الرفيع جدًا" في الاتحاد الوطني الكردستاني.
ورغم أن أوامر طالباني كانت حازمة بإعتقال عوزيري في أي مكان يتواجد فيه بعد اختفائه عن الأنظار لعدّة ساعات، إلا أن المصدر يؤكد بأنه استطاع الهرب من السليمانية باتجاه احدى المدن وسافر من مطارها الدولي إلى الأردن بالخطوط الجوية العراقية.

تفاصيل رسمية
بعد كل ذلك، أصدر جهاز الآسايش/ الأمن" في كردستان، بيانًا كشف فيه ملابسات حادثة القائد العسكري التابع للاتحاد الوطني. مضيفًا في بيان أنه "بعد الساعة 12:10 من مساء يوم 29 كانون الثاني/ يناير الماضي، تم إطلاق النار أمام نادي السليمانية الاجتماعي على المواطن (أحمد كامل فقي) وهو تاجر معروف، ما أدى إلى إصابته بجروح".


وأشار إلى أنه "بعد موافقة قاضي التحقيق، بدأت قواتنا تحقيقًا شاملًا، وأخيرًا بتاريخ 30 كانون الثاني/ يناير، ووفقًا للمواد 405-31 من قانون العقوبات العراقي، تم إلقاء القبض على المتهم الرئيسي ومطلق النار والذي يدعى (أحمد عبد الرزاق علي)". مبينًا أنه "بعد التحقيق اعترف المتهم بالجريمة، وتبين أن متهمًا آخرًا يدعى (أوميد كمال) وهو زميله ومن قوات البيشمركة يعملان تحت أمرة (ديرين أحمد محمد) المعروف بـ(كويخا ديرين)، وقد ارتكبا الجريمة بناء على أوامر الأخير".
وتابع الجهاز "في 5 شباط/ فبراير الجاري تم القبض على المتهم (أوميد كمال)، مبينًا أنه "وفي هذا السياق أمر القاضي بمصادرة أموال المتهم (ديرين أحمد محمد) المنقولة وغير المنقولة وهدم المنازل والمباني التي شيدها على أراضٍ مغتصبة من قبله".

دعم القضاء حزبيًا
مثل الكثير من أنصار حزبه، يبدو موقف العضو البارز في الاتحاد الوطني الكردستاني محمود خوشناو متفائلاً أمام قرار ملاحقة "القائد" البارز في قوات البيشمركة ويصفه بمثابة "دعم سياسي للقضاء".
كما ويعلق خوشناو على قرار زعيم حزبه بمنعه استغلال الصفة الحكومية والحزبية لأغراض شخصية بأنه استكمال للحرب على ما يُطلق عليها "مافيات الفساد، ودعم الاستثمار".

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة