04 Dec
04Dec

في عام 2002 ارتكب أحد المجرمين جريمة خطف، وقضى حكما بالسجن المؤبد مدته عشرون عاماً من إحدى المحاكم العراقية، وبعد عشرين عاماً وفي 2022 تحديداً، خرج المدان من السجن بعد قضاء فترة محكوميته، ليعود في عام 2023 ويرتكب جريمة خطف أخرى.

يسوق مسؤول قضائي هذه القصة، مثالا على خطورة تكرار قوانين العفو العام.

ويقول المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه، خلال حديث، أن “هذا المجرم على الرغم من أنه أكمل فترة محكوميته إلا أن كل تلك السنين لم تحقق ردعا كافيا عن ارتكاب جريمة أخرى، فكيف يرتدع من قضى فترة قصيرة في السجن، وخرج بقانون العفو؟ فمن أمن العقاب أساء الأدب”.

وفيما يحذر من “تكرار قوانين العفو”، يشير إلى أن “الأنظمة القانونية شرعت لحماية المجتمعات من خطر المجرمين، وهذه الأنظمة تستهدف حماية الجانب الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي وتحاسب جميع الاعتداءات عليها، لذا فإن قوانين العفو تقوم بتبديد كل الجهود والأموال للأجهزة الأمنية والقضائية في حفظ النظام وإدامة الأمن”.

ويضيف المسؤول القضائي أن “فقهاء القانون لا يحبذون قوانين العفو لأنهم قاموا بصياغة قوانين وأحكام عقابية لحماية المجتمع والدولة، لكن على العكس يرى فقهاء علم الاجتماع العفو كسبيل للإصلاح وطي صفحة الماضي لكن هذا لا يتحقق في العادة، لأن العفو عن المجرم لا يحقق ردعه ولا الردع للمجتمع”.

ويسوق المسؤول مثالا آخر، بالقول إن “أحد المتهمين بجريمة تعاطي المخدرات خرج بكفالة وقضى هذه الفترة حرا حتى موعد المحاكمة، لكنه حضر إلى المحكمة في الموعد وهو يخبئ كيساً من المخدرات”، مؤكدا أن “إحدى الجرائم المشمولة بقانون العفو هي الإتجار بالمخدرات، وهذا خطر ينبغي أن ينتبه له المشرعون”.

وعلى الرغم من أن عدة جلسات نيابية عقدت لإقرار قانون العفو العام، إلا أن مجلس النواب فشل حتى الآن في تمرير هذا القانون الذي يشكل أحد أبرز مطالب القوى السنية التي اشترطت إقراره أثناء مفاوضات تشكيل ائتلاف إدارة الدولة المشكل للحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني.

وأكد النائب عن كتلة دولة القانون، فراس المسلماوي، أمس الثلاثاء، أن هناك العديد من الملاحظات على مسودة قانون العفو العام، وفيما طالب بإشراك الادعاء العام في تعديل فقرات القانون، رهن إقراره القانون بأن لا يشمل القتلى والإرهابيين والفاسدين والخاطفين.

وكان مجلس النواب، أجل، أمس الثلاثاء، جلسته التي كان من المقرر انعقادها، بعد مغادرة أغلب أعضاء البرلمان قاعة المجلس، بعدما حالت الخلافات بين الكتل النيابية على تمرير “قوانين جدلية” خلال جلسات البرلمان في اليومين الماضيين أبرزها تعديل قانون العفو العام وقانون الأحوال الشخصية وإعادة العقارات إلى أصحابها في كركوك.من جهته، يشير الباحث في الشأن القانوني حيدر الشمري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “قانون العفو العام المزمع إقراره هو تعديل جديد للقانون السابق وهو يشمل جرائم جديدة لم تكن مشمولة سابقا، وإحدى أخطر الجرائم هي بعض الجرائم الإرهابية التي لم تكن مشمولة سابقاً”.

ويضيف الشمري أن “القانون الجديد استثنى من الجرائم الإرهابية ما تسببت بالقتل أو العاهة المستديمة أو محاربة القوات العراقية، لكنه عفا عن الانتماء للجماعات الإرهابية أو الترويج والتنظير للإرهاب”، مشيرا إلى أن “الجرائم الأخيرة أخطر كونها تساهم في نشر هذه الأفكار، فالمنظرون ومصدرو الأحكام أخطر من أولئك السذج الذين يمارسون القتل”.

ومنذ تشكيل حكومة محمد شياع السوداني، يواجه قانون العفو العام مصيرا غامضا على الرغم من وجود اتفاق سياسي على تشريعه، إلا أن مراقبين أشاروا إلى وجود إرادة سياسية خاصة من طرف الإطار التنسيقي لتعطيل القانون وعدم الالتزام بالوعود التي مُنحت سابقاً للجهات الأخرى (السنة) لضمان مشاركتهم في الحكومة الجديدة.

إلى ذلك، يرى المحلل السياسي نزار حيدر، خلال حديث ، أن “مجلس النواب، هو الأسوأ منذ التغيير عام 2023 ولحد الآن، فلا يكترث بما يدور من حوله، ولا يستشعر المخاطر الجمة التي تمر بالمنطقة والعراق في قلبها، ولا يحس بمعاناة المجتمع وحاجاته وتطلعاته، ولذلك يفشل في تمرير القوانين الإستراتيجية الهامة، وينشغل بتمرير القوانين التي لا تغني ولا تسمن”.

بالنسبة لمشاريع قوانين، (العفو والأحوال الشخصية) فان طريقة التصويت المضحكة التي رأيناها يوم أمس تنبئ عن أمور خطيرة، منها عدم اكتراث النواب بقانونهم الذي نظم عمل البرلمان وطريقة التصويت على التشريعات، وانعدام الثقة بالمطلق بين الكتل الثلاث التي يتشكل منها البرلمان (الشيعية والسنية والكردية)”.ويكمل بأنه “بات من الواضح أن الكتل الثلاثة ومن يقف خلفها من زعامات سياسية يحاولون ومنذ عامين تشريع هذه القوانين على مقاساتهم على وجه التحديد وليس على مقاسات الشعب المظلوم والمغلوب على أمره”.

ويشير إلى أن “مجلس النواب لا يعمل من تلقاء نفسه وإنما تحركه زعامات القوى السياسية التي تمسك بزمام الأمور، فإذا لم تعط القرار لعناصرها بالحضور والتصويت فلا يمكن ان يكتمل النصاب أبداً، فنرى، والحال هذه، أن عدد النواب في الكافيتيريا أضعاف عددهم تحت قبة البرلمان”.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة