القرار الذي اتخذه "تيار الفراتين" بزعامة رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، بعدم خوض الانتخابات المحلية، أثار تفسيرات متباينة، فعلى الرغم من أنه لم يكن أول رئيس وزراء يقرر الانزواء عن المنافسة الانتخابية، إلا أن مراقبين عزرا قراره لاشتراطات من الإطار التنسيقي الذي وضعه على سدة الحكم، فيما ذهب آخرون إلى سعيه لإبراز "استقلاله" عن الكتل التقليدية، تحضيرا للانتخابات النيابية المقبلة.
ويعتقد المحلل السياسي غالب الدعمي، خلال حديث لـه أن "تيار الفراتين (برئاسة السوداني) يمتلك الرغبة في المشاركة بانتخابات مجالس المحافظات، لكن هناك ضغوطات عليه واشتراطات من الإطار التنسيقي تمنعه من ذلك، وتحديداً من قبل ائتلاف دولة القانون وحركة عصائب أهل الحق، إذ حددت مشاركة تيار السوداني في الانتخابات البرلمانية فقط".
ويبين الدعمي، أن "جميع رؤساء الوزراء السابقين، باستثناء الكاظمي، شاركوا بانتخابات مجالس المحافظات، والاشتراط بعدم مشاركة تيار الفراتين ناتج من أن السوداني لا يملك كتلة سياسية، وترشحه جاء من قوى الإطار التنسيقي، ولذا فعليه الوفاء بوعوده لتلك الكتل من خلال عدم مشاركة تياره في انتخابات مجالس المحافظات".
ويضيف المحلل السياسي، أن "السوداني يعد نفسه وتياره السياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، والدخول فيها بقوة لتحقيق كتلة برلمانية تضمن له طموحه بالوصول إلى ولاية ثانية خلال المرحلة المقبلة".
وكان تيار الفراتين برئاسة السوداني، أعلن أمس الأربعاء، عن عدم مشاركته في انتخابات مجالس المحافظات والأقضية، وأكد أن التيار "بوصفه تياراً سياسياً عراقياً تولى أمينه العام محمد شياع السوداني، مسؤولية وطنية وتاريخية في إدارة دفة السلطة التنفيذية، يرى عدم مشاركته بهذه الانتخابات هو الخيار الأصوب، وذلك من أجل تعضيد جهود الحكومة في إنجاح الانتخابات"، فيما لفت التيار إلى أنه اختار التفرغ للعمل الجماهيري ودعم المسارات الإصلاحية والتصحيحية في البرنامج الحكومي، على حساب المشاركة حتى في قائمة "ظل".
ومنذ أن تسلم السوداني رئاسة الحكومة، لا يملك تياره الفتي سوى ثلاثة نواب في البرلمان الحالي، من بينهم هو، لكنه حظي بدعم القاعدة البرلمانية الواسعة للأحزاب الشيعية في البرلمان الحالي التي يهيمن عليها الإطار التنسيقي.
من جانبه، يرى رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، خلال حديث لـه أن "تيار الفراتين لا يمتلك ثقلا سياسيا كبيرا على مستوى الساحة السياسية، حتى قبل انتخابات عام 2021، فهو جزء من الأحزاب الرديفة والتقليدية".
ويبين الشمري، أن "عدم مشاركة تيار الفراتين في انتخابات مجالس المحافظات، محاولة من السوداني لتعزيز مكاسبه بما يرتبط بصفة الاستقلالية وعدم التحزب، والأمر الآخر هو الاستجابة لرغبات قوى الإطار التنسيقي التي تشعر بالقلق تجاه أي رئيس وزراء يدعم حزباً أو كتلة في الانتخابات".
ويضيف أن "السوداني يريد من خطوة عدم اشتراك تيار الفراتين في انتخابات مجالس المحافظات تعزيز رصيده للعودة إلى رئاسة الوزراء بعد انتهاء ولايته الحالية، لكن على الرغم من ذلك، هو لا يمنع هذا بعض المنتمين والمؤيدين لتيار الفراتين من أن يندمجوا مع قوائم أخرى تابعة للإطار التنسيقي أو أن جمهور تيار الفراتين ممكن أن يدفعوا نحو دعم مرشحين للأحزاب التقليدية ضمن الإطار التنسيقي".
ويعد السوداني ثالث رئيس وزراء بعد 2003 يقرر عدم المشاركة في الانتخابات، إذ سبقه عادل عبد المهدي (في 25 تشرين الأول أكتوبر 2018 وفي 25 تشرين الثاني نوفمبر 2019) الذي انتهت ولايته إثر "تظاهرات تشرين"، ثم مصطفى الكاظمي (في 7 أيار مايو 2020 وفي 13 تشرين الأول أكتوبر 2022).
قبل ذلك، درج رؤساء الحكومات على المشاركة بقوة في الانتخابات، سواءً كانت الانتخابات النيابية أو المحلية، وكان نوري المالكي قد حاز أكبر مقاعد لكتلة سياسية في الانتخابات المحلية إبان فترة ولايته في العام 2009.
بالمقابل، يرجّح المحلل السياسي المقرب من الإطار التنسيقي كاظم الحاج، ان "عدم مشاركة تيار الفراتين في انتخابات مجالس المحافظات، يأتي ضمن سعي السوداني لإجراء انتخابات حرة ونزيهة لا يكون هو طرفا فيها، بل يعمل على إدارتها بشكل مستقل ويقف من الجميع على مسافة واحدة".
ويضيف الحاج أن "الحديث عن وجود ضغوط واشتراطات على السوداني لمنع تياره السياسي من خوض الانتخابات، كلام غير صحيح، فهذا القرار اتخذه السوداني من دون أي ضغوطات وإملاءات، بل هو ضمن منهاجه الحكومي بجعل الانتخابات المقبلة هي الأكثر نزاهة وعدالة في الانتخابات التي مضت خلال السنوات الماضية".
ويبين أن "رئيس الوزراء ستكون له متابعة ورقابة شديدة على كافة المسؤولين في الدولة العراقية لمنع أي استغلال لموارد الدولة بالدعاية الانتخابية لأي طرف سياسي كان، وهذا الأمر أبلغه بشكل رسمي للجميع، ولهذا هو سيكون رقيباً ومشرفاً وليس منافساً في العملية الانتخابية".
يذكر أن مفوضية الانتخابات أعلنت عن انتهاء فترة تسجيل التحالفات السياسية، في 6 آب أغسطس الحالي، بعد فترة تمديد لمنح الفرصة أمام الكتل والتحالفات أمام التسجيل، بسبب قلة المشاركة، حيث لم يتم تسجيل سوى 24 تحالفاً بينها 15 تحالفاً جديداً و9 تحالفات قديمة.
الجدير بالذكرأن موعد الانتخابات المحليّة يواجه خلافات عديدة داخل الإطار التنسيقي، بين قوى تطالب بتأجيلها للعام المقبل، وأخرى تسعى لإجرائها نهاية العام الحالي.